بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
من أكبر الأخطاء الشائعة في تدبر القرآن الخلط بين عالميته كرسالة وتعاليم وأحكام وبين خطابه الموجه حصريا لمجتمع البعثة في منطقة جغرافية محدودة كما سبق التوضيح عمليا ومنطقيا في أكثر من مناسبة
وبطبيعة لا يمكن للسان القرآني المخصص لنفس القوم المخاطبين أن يخرج عن نطاق علمهم وثقافتهم المعاصرة
وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ (4) سورة إِبراهيم
وأن يخاطبهم الرحمن باصطلاحات غريبة عليهم لإخبارهم بمستجدات مجهولة في محيطهم
فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (58) سورة الدخان
لأن الغاية من تنزيل القرآن هي هداية الناس إلى دين الله الحق
إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ (9) سورة الإسراء
وليس تعليم الجنس البشري مختلف العلوم التي سخر لها الرحمن سبلا أخرى....ورغم توضيح هذه الحقيقة البديهية بأوضح الأدلة القرآنية التي لا تقبل الجدل لا يزال البعض مصرا على تعميم الخطاب واللسان القرآنيين على كل زمان ومكان والزعم بتطور اللسان القرآني واحتوائه على مصطلحات تفوق بكثير علم المخاطبين الأصليين في زمن البعثة حتى يتسنى لبعضهم التلاعب بأوضح المصطلحات القرآنية وإخضاعها لأفكارهم وقواعدهم المختلقة التي ما أنزل الله بها من سلطان...وهذا مثال بسيط يظهر إلى أي مدى يمكن البلوغ إذا تم نزع القرآن من بيئته الأصلية
لذلك ارتأيت تخصيص مقال إضافي للتعاطي للموضوع من زاوية مختلفة تظهر لنا هذه الحقيقة بأدلة أكثر وضوح من قلب النص القرآني الذي يلاحظ تجاهله لأسماء عدد من الشخصيات المؤثرة في مختلف القصص المذكورة في طياته....وعلى سبيل المثال أقارب النبي موسى كأخته وزوجته وبالأخص والدته التي كان لها دور وحضور هام في سيرته القرآنية
وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7) وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (10) وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (11) فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (13) قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ (27) سورة القصص
عكس أخيه هارون مثلا الذي تكرر اسمه عشرين مرة في القرآن
وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (142) سورة الأَعراف
فهل هي مجرد اختيارات اعتباطية ؟ أم مبنية على قواعد دقيقة لها دوافع مبررة ؟ في السابق كنت أعتقد أن الأمر له علاقة بالنبوءة
وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا (53) سورة مريم
والرسالة
وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (34) سورة القصص
أو الشخصيات الشديدة التأثير والأهمية التي تكررت عدة مرات في القرآن كفرعون
وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ (9) سورة الحاقة
وإبليس
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34) سورة البقرة
لكن بعد التأمل والمراجعة تبين ذكر القرآن حتى لأسماء الأفراد الثانويين الذين لا علاقة لهم بمسألتي النبوءة والرسالة في أكثر من موضع كما يتجلى بوضوح في قصة موسى بالذات التي ذكر فيها على سبيل المثال اسم وزير فرعون الفاسق وتم تجاهل اسم زوجته الصالحة
وَضَرَبَ اللهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ (11) سورة التحريم
في نفس السياق
فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8) وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (9) سورة القصص
وذكر اسم حليف فرعون الإسرائيلي وتجاهل اسم العبد المؤمن من آل فرعون
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (23) إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (24) وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ (28) سورة غافر
ليتضح أن للمسألة دوافع مختلفة كليا وأنها مرتبطة في المقام الأول بمدى شهرة الأفراد في ثقافة المجتمع المخاطب في نصوص القرآن....فإن كانت الشخصية معروفة باسم معين كما هو الشأن على سبيل المثال بالنسبة بالنسبة لفرعون كما يدل ذكره المبكر في القرآن حتى قبل ذكر اسم موسى والتطرق لقصته
إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا (15) سورة المزمل
أو ذو القرنين كما يدل سؤال الناس عنه قبل ذكره في القرآن
وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا (83) سورة الكهف
فيتم ذكرها بالإسم في كتاب الله كما هو الشأن مع اسمي يأجوج ومأجوج
قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا (86) قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) سورة الكهف
وإن كان الإسم غير معلوم لدى العامة فيتم تجاهله
قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ (23) سورة المائدة
والإكتفاء بصلة القرابة
ضَرَبَ اللهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ (10) سورة التحريم
أو الهوية القومية
وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ (10) سورة الأَحقاف
ومن أوضح الأمثلة على هذه القاعدة نص سورة البقرة التي وردت فيه خمسة أسماء علم منها ثلاثة لأنبياء الله واثنين للملوك مقابل اسم وحيد مضاف للعلم لنبي إسرائيلي مجهول الاسم
أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ (246) وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا (247) وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ (248) فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ (249) وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ (250) فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ (251) سورة البقرة
ليبقى السؤال المحير لدعاة عالمية القصص والخطاب القرآنيين ما السبب في تجاهل اسم النبي المعاصر في القصة من دون باقي الأسماء رغم دوره المهم ومساهمته في اختيار الملك ؟ من الأولى بالذكر نبي من أنبياء الله الصالحين أم عدو الله جالوت ؟! بالنسبة لنا في مطلع الألفية الثالثة فجميع هذه الشخصيات غير موثقة تاريخيا إلا من خلال إيماننا الغيبي بمصداقية القرآن....وبالتالي فلا فرق بين موسى وهارون وداوود والنبي المذكور.....عكس مجتمع البعثة الذي كان كتاب الله المبين بالنسبة إليه بمثابة مرآة لثقافته ومعرفته بالأشياء
وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ (4) سورة إِبراهيم
والذي كان يجهل اسم النبي الإسرائيلي عكس ما تم تداوله في الموروثات اليهودية التي نسبت له اسم صاموئيل
سفر صاموئيل إصحاح 3
وَعَرَفَ جَمِيعُ إِسْرَائِيلَ مِنْ دَانَ إِلَى بِئْرِ سَبْعٍ أَنَّهُ قَدِ اؤْتُمِنَ صَمُوئِيلُ نَبِيًّا لِلرَّبِّ.
شأنه شأن جل أسماء الشخصيات التي لم تذكر في القرآن والتي كانت نتاج الإختراع والإجتهاد البشري المبني على الظن والتخمين
سفر التكوين إصحاح 3
وَدَعَا آدَمُ اسْمَ امْرَأَتِهِ «حَوَّاءَ» لأَنَّهَا أُمُّ كُلِّ حَيٍّ.
وقد سبق ورأينا في مقال
كيف تم نسب أسماء عمرام يوكابد ومريم لوالدي وأخت موسى
سفر العدد إصحاح 26
59 وَاسْمُ امْرَأَةِ عَمْرَامَ يُوكَابَدُ بِنْتُ لاَوِي الَّتِي وُلِدَتْ لِلاَوِي فِي مِصْرَ، فَوَلَدَتْ لِعَمْرَامَ هَارُونَ وَمُوسَى وَمَرْيَمَ أُخْتَهُمَا.
الذين كانوا مجهولي الإسم في النص الأصلي للتوراة المتجلي في الجزء الغير محرف من التناخ
سفر الخروج إصحاح 2
1 وَذَهَبَ رَجُلٌ مِنْ بَيْتِ لاَوِي وَأَخَذَ بِنْتَ لاَوِي، 2 فَحَبِلَتِ الْمَرْأَةُ وَوَلَدَتِ ابْنًا. وَلَمَّا رَأَتْهُ أَنَّهُ حَسَنٌ، خَبَّأَتْهُ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ. 3 وَلَمَّا لَمْ يُمْكِنْهَا أَنْ تُخَبِّئَهُ بَعْدُ، أَخَذَتْ لَهُ سَفَطًا مِنَ الْبَرْدِيِّ وَطَلَتْهُ بِالْحُمَرِ وَالزِّفْتِ، وَوَضَعَتِ الْوَلَدَ فِيهِ، وَوَضَعَتْهُ بَيْنَ الْحَلْفَاءِ عَلَى حَافَةِ النَّهْرِ. 4 وَوَقَفَتْ أُخْتُهُ مِنْ بَعِيدٍ لِتَعْرِفَ مَاذَا يُفْعَلُ بِهِ. 5 فَنَزَلَتِ ابْنَةُ فِرْعَوْنَ إِلَى النَّهْرِ لِتَغْتَسِلَ، وَكَانَتْ جَوَارِيهَا مَاشِيَاتٍ عَلَى جَانِبِ النَّهْرِ. فَرَأَتِ السَّفَطَ بَيْنَ الْحَلْفَاءِ، فَأَرْسَلَتْ أَمَتَهَا وَأَخَذَتْهُ. 6 وَلَمَّا فَتَحَتْهُ رَأَتِ الْوَلَدَ، وَإِذَا هُوَ صَبِيٌّ يَبْكِي. فَرَقَّتْ لَهُ وَقَالَتْ: «هذَا مِنْ أَوْلاَدِ الْعِبْرَانِيِّينَ». 7 فَقَالَتْ أُخْتُهُ لابْنَةِ فِرْعَوْنَ: «هَلْ أَذْهَبُ وَأَدْعُو لَكِ امْرَأَةً مُرْضِعَةً مِنَ الْعِبْرَانِيَّاتِ لِتُرْضِعَ لَكِ الْوَلَدَ؟» 8 فَقَالَتْ لَهَا ابْنَةُ فِرْعَوْنَ: «اذْهَبِي». فَذَهَبَتِ الْفَتَاةُ وَدَعَتْ أُمَّ الْوَلَدِ. 9 فَقَالَتْ لَهَا ابْنَةُ فِرْعَوْنَ: «اذْهَبِي بِهذَا الْوَلَدِ وَأَرْضِعِيهِ لِي وَأَنَا أُعْطِي أُجْرَتَكِ». فَأَخَذَتِ الْمَرْأَةُ الْوَلَدَ وَأَرْضَعَتْهُ.
قبل أن يتم الخلط بين والد موسى وزوج أمه عمران (عمرام) والخلط بين أخت هارون الكبرى وأخته الصغرى مريم
سفر الخروج إصحاح 15
20 فَأَخَذَتْ مَرْيَمُ النَّبِيَّةُ أُخْتُ هَارُونَ الدُّفَّ بِيَدِهَا، وَخَرَجَتْ جَمِيعُ النِّسَاءِ وَرَاءَهَا بِدُفُوفٍ وَرَقْصٍ.
ونفس الملاحظة بالنسبة لأسماء إخوة يوسف التي تتجلى فبركتها بالخصوص في اسم يهوذا
سفر التكوين إصحاح 29
وَحَبِلَتْ أَيْضًا وَوَلَدَتِ ابْنًا وَقَالَتْ: «هذِهِ الْمَرَّةَ أَحْمَدُ الرَّبَّ». لِذلِكَ دَعَتِ اسْمَهُ «يَهُوذَا». ثُمَّ تَوَقَّفَتْ عَنِ الْوِلاَدَةِ.
لربط بني إسرائيل عامة واليهود خاصة بنسل نبي الله يعقوب...الكذبة التي أصبحت من البديهيات التي لا داعي لإعادة شرحها
مثلما اختير نفس الإسم مرة أخرى في العهد الجديد كرمز لشيطنة اليهود المعترضين على يسوع الناصري في شخص يهوذا الإسخريوطي
يوحنا إصحاح 6
70 أَجَابَهُمْ يَسُوعُ: «أَلَيْسَ أَنِّي أَنَا اخْتَرْتُكُمْ، الاثْنَيْ عَشَرَ؟ وَوَاحِدٌ مِنْكُمْ شَيْطَانٌ!» 71 قَالَ عَنْ يَهُوذَا سِمْعَانَ الإِسْخَرْيُوطِيِّ، لأَنَّ هذَا كَانَ مُزْمِعًا أَنْ يُسَلِّمَهُ، وَهُوَ وَاحِدٌ مِنَ الاثْنَيْ عَشَرَ.
الحقيقية التي ستجلى بشكل أوضح في كتاب الله الخاتم الذي نلمس فيه الحرص الشديد على تجاهل أسماء إخوة يوسف حتى عندما قام بنقل أقوال أفراد العائلة التي حتما ذكر فيها شقيقه بالإسم على أرض الواقع
إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (8) يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (87) قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ (89) سورة يوسف
وتم تجاهله عن قصد في دليل صارخ على صحة القاعدة...ولأن لا مجال للصدفة في كتاب الله فسنلاحظ تكرار نفس الأمر مع أسماء الأمم والأقوام التي اختص الرحمن بالذكر المنذرة منها
وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ (71) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ (72) فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (73) سورة الصافات
والتي توحي النصوص أنها كانت على قدر كبير من الكثرة
وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا (38) سورة الفرقان
أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ (26) سورة السجدة
وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (17) سورة الإسراء
والتي كان لكل منها رسول أو رسل وقصة خاصة
وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (13) سورة يونس
صارت في مصاف الأحاديث للأمم الموالية
ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُونًا آخَرِينَ (42) مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ (43) ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (44) سورة المؤمنون
ومع ذلك فقد اكتفى الرحمن منها في الكتاب بعدد قليل معدود على رؤوس الأصابع تم تكراره في مجموعة من السور وتجاهل الغالبية الساحقة
وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمًا (164) سورة النساء
مبدئيا لو كان القرآن عبارة عن موسوعة شاملة لكل البقاع والأزمنة كما يزعم البعض....فكان يستلزم التطرق لأكبر عدد ممكن من الأمم والرسل وتخصيص كل سورة لأقوام جدد لم يتم ذكرهم في ما سبقها....بدل التركيز على خمسة أقوام فقط وتكرار نفس القصص في مختلف السور ! لكن بما أن الخطاب القرآني والأمثلة المضروبة فيه كانت موجهة حصريا لمجتمع البعثة فلم يتطرق فيها سوى للأقوام المعلومة لديهم كتذكير لأنباءهم وقصصهم التي بقيت حاضرة في الذاكرة الجماعية لسكان المنطقة بدا من نبأ النبي نوح
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ (71) سورة يونس
أكثر قصة شائعة ومتكررة في مختلف البقاع والحضارات
وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (41) سورة يس
وعاد وثمود الذي ظلت آثارهم شاهدة على صدق قصصهم
وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ (38) سورة العنْكبوت
ومدين التي سكنوا في نفس مساكنهم
وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ (45) سورة إِبراهيم
كما سبق التوضيح في مقال
وبطبيعة قوم لوط المجاورون لهم
وَإِنَّ لُوطًا لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (133) إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (134) إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ (135) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (136) وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (137) وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (138) سورة الصافات
التي بقيت قصتهم في أدهان القوم
وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُورًا (40) سورة الفرقان
فالقرآن لم يذكر سوى الأقوام التي كانت معلومة في مجتمع البعثة ولم يقم بالتذكير سوى بالقصص المتواترة منها لدى العموم مع التصحيح
إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللهُ وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (62) سورة آل عمران
وإضافة بعض التفاصيل الغائبة عنهم
تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا (49) سورة هود
وفي الحالات التي كان فيها القوم معلومين والقصة مجهولة أو غير ذات صيت كبير فقد اكتفى بالتذكير بأسماء القوم أو النبي دون الدخول في تفاصيل القصة
وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا (38) سورة الفرقان
أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (37) سورة الدخان
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (12) وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (14) سورة ق
أو الدخول في تفاصيل الجزء المجهول منها كما هو الشأن مع قصة قوم إبراهيم التي اكتفى الرحمن فيها بالجزء المخصص لفترة ما قبل الهجرة
قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (68) قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69) وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ (70) وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ (71) سورة الأنبياء
الذي تواتر عبر الأجيال من زمن إبراهيم ومن هاجروا معه
فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (26) سورة العنْكبوت
عكس الجزء المخصص لهلاك قومه الذي بقي في نطاق المجهول رغم توثيقه قرآنيا
وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ (43) وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (44) سورة الحج
بل لم يشر في القرآن حتى لأسماء بعض الأقوام المعروفة واكتفي بإضافتهم إلى المعرف والسبب فقدان هذه الأسماء مع مرور الزمن في الذاكرة الجماعية لسكان المنطقة وبقاء ذكرى النبي المنذر فقط كما هو الشأن بالنسبة لقومي نوح ولوط....على خلاف الأقوام الشهيرة مثل عاد وثمود التي ظلت أسماءها محفورة في أدهان الناس وتم تأكيدها حصرا في كتاب الله
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ (12) وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ أُولَئِكَ الْأَحْزَابُ (13) سورة ص
وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ (89) سورة هود
فكما نرى فالقرآن لم ينزل ليعلمنا اسم قوم لوط أو اسم قريته كما هو الشأن في التناخ مثلا (بغض النظر عن مصداقية المعلومة)
سفر التكوين إصحاح 18
وَقَالَ الرَّبُّ: «إِنَّ صُرَاخَ سَدُومَ وَعَمُورَةَ قَدْ كَثُرَ، وَخَطِيَّتُهُمْ قَدْ عَظُمَتْ جِدًّا.
بل اكتفى بتعريفها في لسان القوم المخاطبين
وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا (40) سورة الفرقان
وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ (74) سورة الأنبياء
وذكر اسم القرى والمناطق المعروفة في لسانهم
وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ (21) سورة الأَحقاف
وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ أُولَئِكَ الْأَحْزَابُ (13) سورة ص
القاعدة التي ستتجلى بشكل أوضح في سياق سورة المؤمنون التي خلافا لباقي السور التي قامت بتعريف مختلف الأقوام والرسل المذكورين بعد قوم نوح
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ (25) وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا (51) وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا (61) سورة هود
لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ (59) وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا (65) وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا (73) سورة الأَعراف
كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (105) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (106) كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ (124) كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (141) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (142) سورة الشعراء
فقد قامت بتجاهل هوية القوم المواليين بما في ذلك اسم الرسول المبعوث إليهم
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (23) ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ (31) فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (32) سورة المؤمنون
وهو ما أدى بالمفسرين والمجتهدين إلى محاولة استنتاج هويتهم من بين الاقوام المعرفة في القرآن
لاستبعادهم الكلي لفكرة أن يكون الحديث عن قوم آخرين وأن يكون السبب الحقيقي لعدم تعريفهم في القرآن هو جهل المخاطبين الكلي بهويتهم
أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللهُ (9) سورة إِبراهيم
وقد سبق لي شخصيا السقوط في نفس الخطأ والتسليم التلقائي في ما مضى بحديث الرحمن عن عاد خلفاء قوم نوح
وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا (65) وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ (69) سورة الأَعراف
لاستبعاد الحديث عن أحد الأقوام المنكرة التي لا تختلف قصتها بشيء عن باقي الأقوام المشهورة...قبل بيان السبب الحقيقي والحكمة من ذكرهم وتمييزهم عن البقية وأنهم كانوا أول من تبنى عقيدة إنكار القيامة والبعث
وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ (33) وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ (34) أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ (35) هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ (36) إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (37) سورة المؤمنون
التي لم ترد قط في قصص نوح وعاد وثمود ولم تتجلى إلا في الأمم المتأخرة نسبيا كسبأ
لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ (15) وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ (21) سورة سبأ
وآل فرعون
وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ (26) وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ (27) سورة غافر
وقوم محمد بطبيعة الحال
بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الْأَوَّلُونَ (81) قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (82) سورة المؤمنون
وبالتالي فالقرآن قص علينا نبأ القوم الذين أنشأوا هذا المعتقد الفاسد دون أدنى إشارة لاسمهم ولا لاسم نبيهم لعدم جدوى ذكرهما لمن يجهلونهم كليا كون العبرة في القصة وليس في الأسماء
لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (111) سورة يوسف
ليبقى السؤال المطروح لدعاة عالمية اللسان القرآني ما وجه الاختلاف بين هؤلاء القوم وبين عاد وثمود حتى يتم ذكرهم بصيغة المجهول ؟؟؟ ألم يكونوا الأولى بالتعريف وأن يتم التركيز عليهم أكثر من باقي الأقوام كونهم حجر الأساس لأحد أخطر العقائد التي لا تزال مستمرة إلى يومنا هذا ؟
وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (10) سورة الإسراء
شأنها شأن عقيدة الشرك التي تزيد في تأكيد نفس القاعدة القرآنية بتجاهل أسماء آلهة الأقوام السابقة التي طالها النسيان فأصبحت في حكم المجهول في حقبة تنزيل القرآن
إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ (54) سورة هود
عكس أسماء آلهة القوم المعاصرين
أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20) سورة النجم
باسثتناء آلهة قوم نوح التي يدل ووردها بالإسم في النص القرآني على امتداد ذكرها عبر الأجيال نظرا لشهرة وصيت القصة وشعبيتها الجارفة كما أسلفنا الذكر
وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (23) سورة نوح
وكمثال كبير آلهة قوم إبراهيم الذي ذكر بنفس الصيغة التي ذكر بها أخ يوسف الأكبر المجهول الإسم أيضا
قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ (63) سورة الأنبياء
قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ (80) سورة يوسف
فهل هي مجرد صدفة أن يتم تجاهل كل من اسم كبير إخوة يوسف الذي ثبت فبركته...وكبير آلهة قوم إبراهيم الذين ثبت بعدهم الجغرافي عن القوم المخاطبين ؟ أم أنه ببساطة اختيار مقصود لتيسير النص القرآني وعدم تكليف الناس بمعلومات إضافية لا تفيد في شيء ؟ وبالتالي فمن الطبيعي أن تعتمد نفس القاعدة مع جل المصطلحات القرآنية التي يستحيل أن تدل على أشياء سابقة لزمان المخاطبين وخارجة عن نطاق لسانهم وفهمهم وأن تشمل نفس الألفاظ التي اختيرت خصيصا لدلالة على معاني بديهية في زمن البعثة...على مفاهيم غيبية لما سيستجد من تطور علمي ولغوي في الأجيال اللاحقة...كما هو الشأن على سبيل المثال مع من يزعم شمول مصطلح الذرة قرآنيا على مفهومه الفزيائي الحديث
أو دلالة النجوم والكواكب على نفس اصطلاحها الحديث...أو أن يخترع لها مفاهيم جديدة لا تمت لواقع النص القرآني بصلة كما هو الشأن مع الجواري الكنس
فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15) الْجَوَارِ الْكُنَّسِ (16) سورة التكوير
التي زعم البعض دلالتها على الثقوب السوداء التي كانت مجهولة كليا في زمن تنزيل القرآن !
لا يجب تحميل المصطلحات كالطارق أكثر مما تحتمل والزعم بإشارتها لظواهر فلكية كانت غائبة عن ثقافة المخاطبين في النصوص
ولنا خير مثال في المفهوم الحقيقي للسماوات المشير للجزء المرئي من السماء بالنسبة للإنسان في زمن البعثة
الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ (4) سورة الملك
أي أن القرآن لم يأتي بمصطلح جديد لتبيان أشياء غيبية كالأكوان والمجرات الخ كما ذهب البعض...وحتى في الحالات الخاصة التي تمت فيها الإشارة إلى معلومات غريبة عن المجتمع المخاطب فقد وردت بصيغة تظهر جهل المخاطبين بها
وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ (88) سورة النمل
فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) سورة الواقعة
ولم تذكر كأشياء معلومة وبديهية كمن يخاطب مجتمعنا المعاصر وقول : وآية لهم أنا جعلنا الجبال تمر مر السحاب...أولم يروا كيف جعلنا الجبال تمر مر السحاب إن في ذلك لآية لقوم يؤمنون...فوجب الكف عن إخراج الخطاب القرآني عن سياقه التاريخي والجغرافي لتبديل حقائقه الصارخة وإخضاعه لقناعتنا المسبقة
لا توجد نصوص تخاطب الهندوس أو الهنود الحمر مثلما لا توجد مصطلحات خاصة بلسان الألفية الثانية أو الثالثة...وما دام هناك رفض لهذه الحقيقة فسيظل الإختلاف والتخبط السمة الطاغية على أغلب الأبحاث والقراءات
ويبقى العلم لله سبحانه وتعالى
إن أخطأت فمن نفسي وإن أصبت فمن العزيز العليم
احسنت اخي الفاضل بينت امرا في غايه الاهميه والتبس على الكثير الكثير من قارئ القران فجزاك الله كل خير
ردحذفتحية طيبة وشكرا على مرورك الكريم
حذفكل المحبه
حذفاستاذنا هل النجم الطارق الثاقب هو النيزك وما هو معنى الخنس الجوار الكنس
ردحذفمن الصعب تحديد الأصطلاح الأصلي لهذه الألفاظ لعدم تكرارها في القرآن بالعدد الكافي الذي يسمح بالجزم بالمعنى المراد...ويبقى كل ما يخصها في الوقت الراهن في إطار الإجتهاد الذي لا يصل لدرجة اليقين
حذف