توضيح بخصوص التسلسل الزمني لأنبياء بني إسرائيل

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ


تعد مهمة تصحيح التاريخ من أصعب المهام على الإطلاق وبالأخص عندما يتعلق الأمر بالتاريخ الديني المترسخ في عقول الناس كجزء لا يتجزأ من العقيدة نفسها وما يزيد الأمر تعقيدا غياب ذكر التواريخ والحقب الزمنية للقصص الواردة في القرآن الذي يبقى أصدق وثيقة في ما يخص تاريخ الأنبياء مقارنة ببقية الروايات الدينية لعدة اعتبارات سبق التطرق إليها في أكثر من مناسبة وكمثال
لماذا القرآن كلام الله و بقية الكتب كلام البشر ؟
من الأسئلة التي تطرح علي باستمرار وبالأخص بعد كشف نسب المسيح الحقيقي 
هل بالفعل مريم العذراء و مريم أخت النبي هارون شخصيتين مختلفتين ؟
وكشف كذبة عدم بعثته في زمن الرومان 
الهرطقة المسيحية
سؤال من الأقدم المسيح عيسى بن مريم أم النبيان داوود وسليمان ؟ كيف يعقل أن يكون المسيح قد بعث قبل عشرات الأنبياء الذين آمن بهم اليهود ومع ذلك لم يصححوا لهم خطأهم ويخبروهم بصدق نبوءة بن مريم ؟ أسئلة منطقية ومشروعة لكنها لا تخلو من تأثير الأفكار المسبقة للموروث الديني الذي نجح اليهود في ترسيخها في مختلف المعتقدات التي جاءت بعدهم حتى صارت قناعات ثابتة لدى أغلب الناس
وأول سؤال يطرح نفسه هل آمن اليهود أصلا بالأنبياء الذين بعثوا إلى بني إسرائيل من بعد موسى ؟ حسب الإعتقاد اليهودي المبني على ما جاء في التناخ اليهودي الذي يصفه المسيحيون بالعهد القديم فقد آمن اليهود بأكثر من أربعين نبي من بعد النبيان موسى وهارون لكن يبقى السؤال المطروح هل هؤلاء الأنبياء المزعومين شخصيات حقيقية من الأساس ؟ وكم منهم ذكر في القرآن ؟ وكم عدد الأنبياء الذين آمن بهم اليهود في حقيقة الأمر ؟ من المغالطات التي سقط فيها من حاولوا تحديد هوية الأنبياء الذين كذبوا وقتلوا من طرف كفار بني إسرائيل
لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ (70) سورة المائدة
إعتمادهم على نصوص نفس قتلة هؤلاء الأنبياء ! حيث إدعوا قتل اليهود لكل من أشعياء وإرميا ودانيال وحزقيال وعاموس من دون أي مصدر ديني موثق والذين للمفارقة يعتبرون أنبياء أتقياء في المعتقد اليهودي وبالتالي فمن الغير المنطقي أن يمجد اليهود ويشهدوا بالتقوى لمن قاموا بقتلهم وإنكار رسالتهم ! كما كان الشأن مع المسيح عيسى بن مريم وزكريا ويحيى وحتى يسوع الناصري الذين لا نجد لهم حس ولا أثر في أسفار التناخ اليهودي وما يزيد في تأكيد ذلك إتهام العهد الجديد لليهود بقتل الأنبياء 
لوقا إصحاح 13
34 يَا أُورُشَلِيمُ يَا أُورُشَلِيمُ يَا قَاتِلَةَ الأَنْبِيَاءِ وَرَاجِمَةَ الْمُرْسَلِينَ
متى إصحاح 23
29 وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ لأَنَّكُمْ تَبْنُونَ قُبُورَ الأَنْبِيَاءِ وَتُزَيِّنُونَ مَدَافِنَ الصِّدِّيقِينَ 30 وَتَقُولُونَ: لَوْ كُنَّا فِي أَيَّامِ آبَائِنَا لَمَا شَارَكْنَاهُمْ فِي دَمِ الأَنْبِيَاءِ ! 31 فَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنَّكُمْ أَبْنَاءُ قَتَلَةِ الأَنْبِيَاءِ.
مع العلم أن كتاب العهد الجديد كانوا يؤمنون بكل حرف مذكور في العهد القديم الذي لم يشر قط إلى قتل اليهود للأنبياء المذكورين في أسفاره مما يعني أنهم كانوا يتحدثون عن أنبياء آخرين لم يرد ذكرهم في المصادر اليهودية وهو ما يغير نظرتنا بشكل كلي لترتيب الأنبياء ويطرح السؤال التالي هل كان عيسى بن مريم آخر نبي مبعوث قبل محمد أو مجرد نبي منتمي لسلسلة طويلة من الأنبياء الذين رفضهم كفار بني إسرائيل ؟ لكن دعنا نركز أولا على أنبياء الذين هادوا الذين اعترف بهم القرآن
إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ (44) وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ (46) سورة المائدة
حيث يخبرنا النص ببعثة أنبياء مسلمين للذين هادوا حكموا بالتوراة قبل عيسى مريم دون ذكر عددهم أربعة خمسة ثلاثون الله أعلم...وهو ما يوحي بوجود فترة زمنية بين  موسى أول أنبياء الذين هادوا
وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (155) وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ (156) سورة الأعراف
وعيسى بن مريم وهو ما يبدو متعارضا مع إنتماء هذا الأخير لعائلة عمران وما يزيد في تأكيد طول هذه الفترة نسبيا قول المسيح
وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ (50) سورة آل عمران
الذي يؤكد وقوع عدة أحداث أدت إلى تحريم بعض الأطعمة على الذين هادوا قبل أن يحللها المسيح
فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا (160) سورة النساء
وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (146) سورة الأنعام
لكن هذا لا يعني إمتداد هذه الفترة لعدة قرون كما زعم التاريخ البشري المفبرك ويبقى الإحتمال الأقرب للواقع أن تقارب نفس الفترة عمر عمران جد المسيح الذي لم يلقب بهذا الإسم إلا لطول تعميره في الأرض
وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ (68) سورة يس
وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ (11) سورة فاطر
الذي قد يكون آية ربانية وظاهرة خارقة وإذا أخذنا بعين الإعتبار أقصى مدة عاشها الإنسان سواء الموثقة 122 عام أو الغير موثقة 179 عام فلا غاربة أن يتجاوز عمر عمران هذه الأرقام وبالتالي فقد تصل الفترة الزمنية بين هارون ولد عمران الذي أنجبه من أم موسى 
وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي (150) سورة الأعراف
قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (94) سورة طه
وبين مريم التي أنجبها 
وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا (12) سورة التحريم
في أواخر عمره
فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا (37) وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ (44) سورة آل عمران
مئتي عام أو أكثر...فترة كافية لبعثة عدة أنبياء و من بينهم سليمان ولد داوود 
وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (30) سورة ص
الذي كان ضمن جيش الملك طالوت الذي توحي النصوص
أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ (246) وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا (247) فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249) وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250) فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ (251) سورة البقرة
بعثته قبل النبي عيسى وإلا لجاء النص كالآتي
أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ عِيسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا (246) سورة البقرة
ويجيب عن السؤال الذي حير العديد من الأقدم عيسى بن مريم أم داوود وسليمان لكن في نفس الوقت لا يعني ذلك أن المسيح كان آخر نبي قبل محمد بل مجرد رسول في سلسلة طويلة من الأنبياء الذين رفضهم كفار بني إسرائيل
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ (87) سورة البقرة
ولو تفكرنا قليلا فسنجد أن أكثر الأسباب قربا للمنطق والواقع لرفض الذين هادوا لهذا الكم من الأنبياء هم تصديقهم لنبوءة عيسى بن مريم وآخرهم النبي الأمي مما جعلهم أكثر الناس عداء له وبالأخص طائفة اليهود عكس مسلمي النصارى
لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (82) سورة المائدة
الذين إعتبروا القرآن إمتداد لنفس الرسالة
الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (52) وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (53) سورة القصص
والله تعالى أعلم