هل تمت ترجمة القرآن ؟

 بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ



كم أصعب التخلي عن القناعات المسبقة وبالأخص عندما تكون هذه القناعات مترسخة بشكل متجذر في الإنسان منذ النشأة كما هو الشأن مع فكرة إعجاز لغة وأسلوب القرآن الذي يعد التسليم بها عند الغالبية الساحقة من المؤمنين بنفس درجة التسليم بألوهية القرآن رغم عدم وجود أية إشارة صريحة في القرآن نفسه إلى إعجاز أسلوبه اللغوي كما سبق التوضيح في مقال
وهذه الفكرة بالذات هي من تقف حجر عثرة أمام أية محاولة لتصحيح أخطاء المصاحف أو لإدراك حقائق القرآن المغيبة كالاحتمال الجد قائم بعدم نزول القرآن الأصلي بلغة المصاحف التي بين أيدينا والتي تعد من المفاتيح الرئيسية للتوصل إلى المزيد من الحقائق المخفية
لذلك ارتأيت تخصيص هذا المقال للتعمق أكثر في المسألة لأنه كلما عظم الادعاء كلما استلزم أدلة أوضح وأكبر...وبطبيعة الحال في ظل غياب الدليل المادي الذي يقطع الشك باليقين وعدم العثور على مخطوطات أكثر قدما فيبقى الجانب النظري المعزز بالأدلة المنطقية هو السبيل الوحيد لتقصي الحقيقة
  ومن أبرز وأوضح الدلائل المنطقية على حدوث الترجمة الاختلافات التي نلمسها بين نصوص الترجمات المختلفة لنفس النص بما في ذلك ترجمات القرآن التي يمكن ملاحظة اختلافاتها الواضحة عند ترجمتها إلى لغات أخرى من البسملة فقط
In the name of God, the Gracious, the Merciful
In the Name of Allah—the Most Compassionate, Most Merciful
ونفس الشيء بالنسبة للروايات المختلفة للمصاحف التي قامت بإضافة التشكيل والتنقيط على المصاحف الأكثر قدما والتي تعد بدورها نوع من الترجمة لتحويلها للكلمات والحروف الأصلية
إلى ألفاظ وحروف جديدة كحرفي النون والباء والنتيجة
سورة الزخرف
رواية ورش : {18} وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِنْدَ الرَّحْمَنِ
رواية حفص : {19} وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ
وبالتالي إن أردنا التأكد من التطابق اللغوي بين النسخة القرآنية التي بين أيدينا والنسخة التي نزلت على النبي محمد فوجب العودة إلى أقدم المخطوطات الخالية من التشكيل والتنقيط والتي إن وجدنا فيها مثل هذه الاختلافات فإن ذلك سيعتبر دليلا صريحا على ترجمتها من لغة أخرى أكثر قدما وكلما زاد حجم اختلافاتها كلما زادت احتمالية حدوث الترجمة
فما يجب إدراكه أنه لو كان القرآن قد نزل بالفعل بنفس اللغة التي كتبت بها في أقدم المخطوطات لما وجدنا اختلاف واحد في رسم الكلمات وطريقة كتابة الحروف
فتخيلوا معي لو نزل القرآن في زمننا المعاصر بنفس ما نسميه باللغة العربية هل كان سيختلف نساخه ولا حتى أبسط الناس وأقلهم علما في طريقة كتابة حرف التاء ؟
إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ (43) سورة الدخان
أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (62) سورة الصافات
فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلًا (43) سورة فاطر
وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلًا (23) سورة الفتح
ألا يوحي ذلك بحداثة اللغة التي كتبت بها أقدم المخطوطات القرآنية واختلاف أصحابها في رسم أبسط الكلمات ؟ والأهم من ذلك ألا يوحي ذلك بأن هذه الكلمات هي عبارة عن ترجمة لمصطلحات من لغة أكثر قدما ؟ لأنه لو كان القرآن الأول قد كتب بنفس الحروف المستعملة في لغتنا الموروثة فستكون كلماته بالتأكيد متطابقة الرسم في جميع المواضع وستكتب كلمات مثل سنة أو شجرة إما بالتاء مربوطة في جميع المواضع أو بالتاء مفتوحة وبالتالي لن يختلف نساخ المصاحف اللاحقة عند اقتباسهم لرسم هذه الأسماء من القرآن الأصلي على خلاف لو كان الاقتباس من مصطلحات لغة أخرى ذات حروف مختلفة في الرسم...باستثناء إن كان الأمر مراد ومقصود ويدخل في إطار التطور اللغوي  كما كان الشأن مع كلمات مثل على التي كانت تكتب في المصاحف القديمة بالألف ممدودة
قبل تغيير رسمها وكتابتها بالألف المقصورة في مرحلة لاحقة
فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ (48) سورة الأَنْفال
والذي يبقى في نظري احتمال ضعيف نظرا للاختلاف الواضح بين الحالتين لأن رسم كلمة علا وما شبهها لم يكن مختلفا في المخطوطات القديمة وعندما تم تغييره إلى رسم على في مرحلة لاحقة أصبح بنفس الرسم في جميع المصاحف بدون استثناء مما يدل بما لا يدع مجالا للشك في كون الأمر تطور لغوي مقصود على خلاف رسم كلمات سنة وشجرة وما شبههما التي نلمس اختلافها في نفس المصحف المكتوب في نفس المرحلة تقريبا والذي يوحي بترجمة هذه الأسماء من لغة أخرى باستثناء إن كان مصحف عثمان قد كتب في بداية مرحلة تغيير رسم حرف التاء قبل وقوع الإجماع على كتابته بشكل مربوط والذي كما أسلفت فيبقى احتمال ضعيف والذي حتى لو سلمنا بصحته فكيف السبيل لتفسير الاختلافات الواضحة في نفس المصحف في استعمال المفرد والجمع
وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ (25) سورة الأَنعام
وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ (42) سورة يونس
والمذكر والمؤنث
وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (67) سورة هود
وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (94) سورة هود
فهل هي أيضا نتاج التطور اللغوي الذي طال حتى رسم الكلمات التي تم تغيير حروفها كما الشأن بالنسبة لاسمي صلوة وزكوة
اللذان أصبحا برسم صلاة وزكاة
وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) سورة البقرة
رغم عدم حدوث التغيير هنا أيضا حتى مرحلة لاحقة ورغم عدم وجود اختلافات بين مصحف عثمان والمصاحف المتأخرة تصل لزيادة أو نقصان الحروف الصحيحة كالتاء والنون...أم أن الأمر بكل بساطة يعود لاختلاف ترجمات نفس الكلمات ؟
فما يجب إدراكه أنه عندما ينطلق الإنسان من قناعاته المسبقة التي يعتبرها مسلمات غير قابلة للنقاش فإنه يقوم تلقائيا بقفل الأبواب أمام العديد من الاحتمالات الممكنة وكمثال مسألة الترادف التي انحصر الجدال بخصوصها على مسألة وجودها في القرآن من عدمه وهل تليق بكلام الله أم لا
دون الأخذ بعين الاعتبار الاحتمالية الجد واردة بأن تكون نتاج ترجمة النسخة الحالية للقرآن من لغة أخرى كما هو الشأن مع غالب الترجمات التي نلمس اختلافاتها بخصوص المصطلحات والأفعال الدالة على مفهوم اللفظ الأصلي في النص المترجم منه
سفر التثنية إصحاح 33 النص 2
وأَشْرَقَ لَهم مِن سِعير وسَطَعَ مِن جَبَلِ فاران
وَأَشْرَقَ لهُمْ مِنْ سَعِيرَ وَتَلأْلأَ مِنْ جَبَلِ فَارَانَ
وأشرَقَ لهُم مِنْ جبَلِ سَعيرَ، وتَجلَّى مِنْ جبَلِ فارانَ
طبعا لا يمكن الجزم بأن جميع حالات الترادف في القرآن هي نتاج الترجمة وبالأخص عندما يكون الترادف جزئي كما هو الشأن مع استعمال كل من فعلى رأى وآنس للدلالة على رؤية النبي موسى للنار
وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (9) إِذْ رَأَى نَارًا (10) سورة طه
فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا (29) سورة القصص
والذي يعود لمتطلبات السياق الذي فرض إيجازه في سورة طه اعتماد فعل رأى الأكثر شمولا وفرض تفصيله في سورة القصص اعتماد فعل آنس الأكثر دقة وهو ما يثبته استعمال تتمة الجملة في نفس سياق سورة طه لفعل آنس بدل رأى عند النقل الحرفي لقول موسى المتطابق في السورتين معا
فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا (10) سورة طه
قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا (29) سورة القصص
في المقابل هناك حالات يصعب الجزم فيها كما هو الشأن مع فعلي أرسل وبعث الذي إن أوحى ارتباط هذا الأخير بعبارة من بعدهم في بعض المواضع
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (96) سورة هود
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ (46) سورة الزخرف
ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (45) سورة المؤمنون
ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ (103) سورة الأَعراف
ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ (75) سورة يونس
بدلالته على استئناف الإرسال فإن ترادفه المطلق مع فعل أرسل في مواضع أخرى
قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (111) سورة الأَعراف
قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (36) سورة الشعراء
يترك الباب مفتوحا أمام جميع الاحتمالات ومن بينها احتمال الترجمة 
لكن في المقابل عندما يسفر اختلاف اللفظ عن اختلاف المعنى أيضا فتلك قصة أخرى ودعوة لمراجعة ما تم اعتباره من المسلمات وأخذ احتمال الترجمة مأخذ الجد...وهو ما سيلاحظ في الاختلاف الواضح في قول النبي موسى بين سورة النمل وسورتي طه والقصص
فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى (10) سورة طه
قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29) سورة القصص
إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7) سورة النمل
اللتان استعمل فيهما حرف لعل الذي يفيد الترجي في طلب الشيء دون التأكد من الحصول عليه كما يتضح في مواضع قرآنية أخرى
قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا (63) سورة الأحزاب
فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ (38) سورة القصص
بمعنى أن موسى لم يكن متأكدا من الحصول على ما ذهب في طلبه وهو ما يناقض نفس القول في سياق سورة النمل التي ورد فيها من باب اليقين من خلال استعمال حرف السين الذي يفيد حتمية حدوث الشيء كما يتجلى في أكثر من مثال
أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71) سورة التوبة
إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60) سورة غافر
طبعا ردة فعل المدافعين هنا هي الزعم بتغيير وجهة نظر النبي موسى وقوله لقولين مختلفين أحدها من باب الشك والآخر من باب اليقين...رغم ورود العبارتين في حقيقة الأمر في نفس الجملة التي ذكر فيها موسى مقولة إني آنست نارا كردة فعل لرؤيته للنار للوهلة الأولى
فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ (10) سورة طه
قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ (29) سورة القصص
إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ (7) سورة النمل
وبالتالي لو كان زعمهم صحيح لتم الاكتفاء عند الإشارة لقوله الثاني المزعوم بقول
إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ
لكن لو نظرنا للأمور بحياد وموضوعية فيبقى لفظ لعل هو الأقرب للواقع أولا لأنه ورد في موضعين مختلفين لتتجلى مرة أخرى مدى أهمية أسلوب التكرار في حفظ الذكر وتصحيح أخطاء النساخ...وثانيا لأن الظروف التي كانت محيطة بموسى الذي كان في حالة تيه في الظلمات لم تسمح له بالتأكد مما سيجده قرب النار
ليبقى السؤال المحير هنا هو كيف حدث هذا الاختلاف ؟ هل يعقل ان يكون مجرد سهو أو سوء اقتباس ؟ هل يعقل أن يصل الخطأ لدرجة الخلط بين حرف السين وحرف لعل ؟! أم أن الخطأ يعود ببساطة لسوء ترجمة ناسخ سورة النمل لمصطلحات لغة مختلفة والتي كان يجب أن  تترجم كالآتي
إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7) سورة النمل
الاحتمال الذي كان بالإمكان التغاضي عنه لو اقتصر الاختلاف على هذه الحالة فقط لكن عندما تتكرر نفس الظاهرة في أكثر من مصطلح في نفس السياق فإن ذلك يطرح اكثر من علامة استفهام ؟ ويدعو لأخذ الأمر مأخذ الجد ودراسة المسألة بشكل أعمق ووضع سياق سورة النمل تحت المجهر وهو ما سيعطي أكله باكتشاف المزيد من الاختلافات بينها وبين سورتي طه والقصص ومن أبرزها
يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (30) سورة القصص
يَا مُوسَى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ (12) سورة طه
يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9) سورة النمل
 حيث يلاحظ استعمال سورة النمل لهاء الغائب في حديث الرحمن عن نفسه عند مخاطبته لنبيه موسى بعبارة (إنه أنا) التي لم ترد في أي موضع قرآني آخر والتي تبدو غير منطقية وخاطئة لغويا عكس سورتي طه والنمل اللتان استعملت فيهما ياء المخاطب...فهل هي مجرد صدفة أن يرد الاستثناء مرتين في سورة النمل ؟ الجواب في نفس السياق الذي سنلاحظ فيه المزيد من الاختلافات بين سورة النمل وسورتي طه والقصص سواء بحذف المصطلحات من نفس الأقوال المتطابقة كما هو الشأن مع فعل امكثوا
فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا (10) سورة طه
قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا (29) سورة القصص
إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا (7) سورة النمل 
أو بتبديلها بأفعال أخرى كما هو الشأن مع فعل أتى الذي تم استبداله في سورة النمل بفعل جاء
فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى (11) سورة طه
فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ (30) سورة القصص
فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا  (8) سورة النمل
الذي لو نظرنا للأمور بحياد فلن نجد فرقا بينه وبين اختلافات ترجمات التناخ لنفس الأفعال
سفر التثنية إصحاح 33 النص 2
أَقبَلَ الرَّبُّ مِن سيناء وأَشْرَقَ لَهم مِن سِعير
أقبَلَ الرّبُّ مِنْ سيناءَ، وأشرَقَ لهُم مِنْ جبَلِ سَعيرَ
أَقْبَلَ الرَّبُّ مِنْ سِينَاءَ، وَأَشْرَفَ عَلَيْهِمْ مِنْ سَعِيرَ
جَاءَ الرَّبُّ مِنْ سِينَاءَ وَأَشْرَقَ لهُمْ مِنْ سَعِيرَ
ليبقى السؤال المحير لماذا نجد تطابق لفظي في جل المصطلحات بين سورتي طه والقصص بغض النظر عن اختلاف طريقة الصياغة وتركيب الجمل
وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ (32) سورة القصص
وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ (22) سورة طه
واختلاف سورة النمل عنهما في أغلب الألفاظ ؟
اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ (32) سورة القصص
وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ (12) سورة النمل
وحتى في الحالات التي تختلف فيها الألفاظ بين سورتي طه والقصص كاستعمال مصطلح القبس
فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى (10) سورة طه
للدلالة على جذوة النار
قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29) سورة القصص
فإن الاختلاف يكون متفهما وطبيعيا كون جذوة النار وصف لطبيعة الجسم بينما القبس اسم معرف لكل جسم منير بما في ذلك الجذوة في حالة اشتعالها وإنارتها
يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ (13) سورة الحديد
لكن ما يبدو غير منطقيا هو أن تتم إضافة اسم آخر في سورة النمل على نفس الاسم المذكور في سورة طه للدلالة على نفس الشيء
إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7) سورة النمل
لأنه لو عدنا لاستعمالات مصطلح الشهاب في كتاب الله فسيضح دلالة الاسم على الأجسام المشتعلة كجذوة النار
إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ (18) سورة الحجر
إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ (10) سورة الصافات
وبالتالي فلا يمكن استعمال كلا من القبس والشهاب للدلالة على جذوة النار لأن جذوة النار تعد في حد ذاتها شهابا والشهاب يعد في حد ذاته قبسا ولا حاجة لوصف الشهاب بأنه قبس ومصدر إنارة لأنه لا يوجد أصلا شهاب غير قبس... وهو ما يغني عن استعمال كلا المصطلحين في نفس الجملة التي وجب أن تكون كالآتي
إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِقَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7) سورة النمل
أو كالتالي
إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7) سورة النمل
ليتضح مرة أخرى وجود الخلل في سورة النمل التي حتى لو افترضنا الافتراض الضئيل بتخصيص الرحمن لها بأسلوب لغوي منفرد عن سورتي طه والقصص لحكمة معينة فكيف السبيل لإقناع النفس بذلك عند بيان اختلاف سورة النمل عن ستة سور مختلفة ؟
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ (46) سورة الزخرف 
ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ (103) سورة الأَعراف
ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا (75) سورة يونس
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (96) إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ (97) سورة هود
بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (32) سورة القصص
بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (45) إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ (46) سورة المؤمنون
فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ (12) سورة النمل
وبالأخص عندما يتضح في نفس السياق التمييز الصريح بين قوم فرعون وملأ فرعون
ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ (103)  قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (109) وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ (127) سورة الأعراف
صحيح أن الأسماء المعرفة في القرآن لا تشير بالضرورة إلى العموم وقد يجوز وصف ملأ فرعون بقوم فرعون حسب متطلبات السياق كحالات الإيجاز
وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ (17) سورة الدخان
أو لخلق التناغم بين المصطلحات المستعملة
وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ (11) سورة الشعراء
لكن الصيغة التي ورد فيها المصطلح في سورة النمل (الأكثر دقة وتفصيل) والشبيهة بصيغ السور التي ورد فيها مصطلح الملأ يجعل من هذا الأخير الأنسب للسياق
وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ (12) سورة النمل
الذي تؤكد تتمته تخصيصه لملأ فرعون
فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (13) سورة النمل
قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (109) سورة الأَعراف
وهو ما يزيد في تعزيز اختلاف سورة النمل وبالأخص عندما نجد المزيد من القراءات الغريبة في سياقها الذي ذكر بوضوح أن ملكة سبأ من قامت بإرسال المرسلين إلى نبي الله سليمان
وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (35) سورة النمل
لنتفاجأ في النص الموالي بأن سليمان من جاء وليس المرسلين الذين حتى لو كانوا هم المقصودين فلا يجوز الحديث عنهم بصيغة المفرد
فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (36) سورة النمل
بل بصيغة الجمع
فَلَمَّا جَاؤُوا سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (36) سورة النمل
ونفس الحالة تكررت في النص الموالي الذي طلب فيه سليمان من المرسلين بالرجوع إلى قومهم بصيغة المفرد
ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ (37) سورة النمل
بدل قول
ارْجِعُوا إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ (37) سورة النمل
وهنا لا أجزم بضرورة خطأ ناسخ السورة الذي قد تعود اختلافاته بباسطة لاختلاف لهجته واعتمادها على دلالات لغوية مختلفة للحروف والكلمات
بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ (66) سورة النمل
بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ عَنْهَا عَمُونَ (66) سورة النمل
أو حتى لاختلاف رؤيته للأشياء وتأثره بالمعتقدات اليهودية
سفر الخروج إصحاح 3
1 وكانَ موسى يَرْعى غَنَمَ يِتْرُوَ حَمِيه، كاهِنِ مِدْيَن. فساقَ الغَنَمَ إِلى ما وراءَ البَرِّيَّة، وأَنتَهى إِلى جَبَلِ اللهِ حُوريب. 2 فتَراءى لَه مَلاكُ الرَّبِّ في لَهيبِ نارٍ مِن وَسَطِ عُلَّيقَة. فنَظَرَ فإِذا العُلَّيقَةُ تَشتَعِلُ بِالنَّارِ وهيَ لا تَحتَرِق. 3 فقالَ موسى في نَفْسِه: (( أَدورُ وأَنظُرُ هذا المَنظَرَ العَظيم ولِماذا لا تَحتَرِقُ العُلَّيقَة )). 4 ورأَى الرَّبُّ أَنَّه قد دارَ لِيَرى. فناداه اللهُ مِن وَسَطِ العُلَّيقَةِ وقال: (( موسى موسى)). قال: (( هاءَنذا )).
الذي ربما جعلته يعتقد بتحدث الرحمن بلسان الملك الذي قام بتقديم الله لموسى إن جاز الوصف بعبارة إنه
يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9) سورة النمل
عكس تتمة الخطاب الذي انحصر فيه الحديث بين موسى وربه
يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10) سورة النمل
لكن من حسن حظنا ومن عظيم نعم الرحمن علينا أنه أنعم علينا بأسلوب التكرار في كتابه المبين الذي سمح بكشف الأخطاء وسوء الترجمات البشرية التي ربما سمح الرحمن بوجودها ليدلنا بالذات على حقيقة ترجمة القرآن التي لم نكن لندرك وجودها لولا هذه الاختلافات التي قد تعطي جوابا على العديد من الأسئلة ومن بينها السؤال الذي حير العديد طيلة القرون الماضية بخصوص السبب في ذكر خاتم النبيين باسمين مختلفين ؟
وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ (6) سورة الصف
وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ (2) سورة محمد
وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ (144) سورة آل عمران
مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللهِ (40) سورة الأحزاب
مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ (29) سورة الفتح
هل هما بالفعل اسمين مختلفين أم ترجمتين مختلفتين لنفس الاسم ؟
فتسليمنا المطلق باستحالة ترجمة النسخة الحالية للقرآن هو ما يمنع من مجرد التفكير في الفكرة لكن لو نظرنا للأمور بنفس النظرة النقدية والحيادية لنصوص الغير فسنلاحظ العديد من الأشياء التي تستحق التوقف وتدفع للتساؤل وأنه مثلما لاحظنا ارتباط اختلاف رسم الكلمات القرآنية بالسور الواردة فيها كما سبق التوضيح بإسهاب في مقال
والذي خلص بنا إلى اختلاف خط نساخ هذه السور
مَا كَذَبَ ٱلۡفُؤَادُ مَا رَأَىٰٓ (11) سورة النجم
فَلَمَّا جَنَّ عَلَيۡهِ ٱلَّيۡلُ رَءَا كَوۡكَبٗا (76) سورة الأَنعام
فسنلاحظ نفس الملاحظة بالنسبة لاختلاف للكلمات الدالة على نفس المعنى كما هو الشأن مع اسم نساء الذي ورد في عشرات المواضع والسور
فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ (222) سورة البقرة
زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ (14) سورة آل عمران
وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ (11) سورة الحجرات
لنجد الاستثناء الوحيد في سورة يوسف من دون باقي سور القرآن التي ورد فيها نفس المعنى مرتين بلفظ نسوة
وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ (30) قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ (50) سورة يوسف
دون أن يرد في أي نص من نصوصها بلفظ نساء
ونفس الملاحظة بالنسبة لمصطلح الصراط المستقيم الذي ورد في عشرات المواضع ومختلف السور
اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) سورة الفاتحة
وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (16) سورة المائدة
يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (142) سورة البقرة
للدلالة على طريق الله المستقيم
وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (175) سورة النساء
لنجد الاستثناء الوحيد في سورة الأحقاق التي ورد فيها بلفظ الطريق المستقيم
 يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (30) سورة الأَحقاق
دون أن نجد هنا أيضا أي ذكر للصراط المستقيم في نفس السورة
ونفس الشيء بالنسبة لعبارة الإيمان ب...التي تكررت في أغلب مواضع القرآن للدلالة على التصديق بالأشياء
كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ (285) سورة البقرة
مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ (232) سورة البقرة
وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ (4) سورة البقرة
لنجد الاستثناء الوحيد في سورة المعارج التي استعملت فيها عبارة التصديق ب...بدل الإيمان ب...التي لم ترد في أي نصوص من نصوصها
وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26) سورة المعارج
فلماذا نجد على سبيل المثال عبارة أطيعوا الله وأطيعوا الرسول في سور معينة
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ (33) سورة محمد
وعبارة أطيعوا الله والرسول في سور أخرى
وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132) سورة آل عمران
قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (32) سورة آل عمران
وأطيعوا الله ورسوله في سور بعينها
وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (1) سورة الأَنْفال
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ (20) سورة الأَنْفال
وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا (46) سورة الأَنْفال
دون أن تذكر مع بعضها البعض في نفس السور ؟ فهل هي مجرد صدفة ؟ أم أسلوب لغوي مخصص لكل سورة من طرف الرحمن ؟ أم أنها ببساطة اختيارات النساخ الذين قاموا بترجمة النص القرآني في مرحلة من المراحل ؟ لماذا تكرر على سبيل المثال لفظ رسوله 26 مرة في سورة التوبة
بَرَاءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ (1) وَأَذَانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ (3) كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ (7) وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللهِ وَلَا رَسُولِهِ (16) أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ (24) ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ (26) وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ (29) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ (33) إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ (54) مَا آتَاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ سَيُؤْتِينَا اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ (59) وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ (62) أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللهَ وَرَسُولَهُ (63) قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ (65) وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ (71) أَنْ أَغْنَاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ (74) بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ (80) إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ (84) أَنْ آمِنُوا بِاللهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ (86) وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللهَ وَرَسُولَهُ (90) إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ (91) وَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ (94) مَا أَنْزَلَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ (97) فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ (105) وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ (107) سورة التوبة
ولم يرد بلفظ الرسول إلا في المواضع التي لا يمكن فيها إضافة هاء الملكية
أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ (13) لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ (88) وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ (99) سورة التوبة
على خلاف سور أخرى تم فيها عطف لفظ الرسول على الله
فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ (59) وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ (69) سورة النساء
فمثل هذه الملاحظات في الغالب يمر عليها القارئ مرور الكرام ويعتبرها تنوع في الأسلوب القرآني دون أن يخطر بباله ولو للحظة احتمالية أن يعود الأمر لاختلاف ترجمة النساخ وهو ما دفع ببعض الباحثين إلى محاولة إيجاد مفاهيم خاصة لهذه الاختلافات وهنا يقع الإشكال
البعض قد يعترض ويستشهد ببعض المصطلحات النافية لفرضية الترجمة وعلى رأسها مصطلح العربية الذي قد يرى فيه الدليل القاطع على نزول القرآن بنفس لغة العرب التي كتبت بها أقدم المخطوطات
إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2) سورة يوسف
دون الأخذ بعين الاعتبار احتمالية دلالة اللفظ على وصف من أوصاف القرآن ودلالة اللسان العربي
وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195) سورة الشعراء
على أسلوب وطريقة الخطاب
وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا (34) سورة القصص 
وليس بالضرورة لغة قوم معينين كما سبق التوضيح في مقال
 وبالأخص في ظل غياب ذكر اسم العرب في كتاب الله كما سبقت الإشارة في مقال
وفي ظل عدم اقتصار مصطلح العربية في لغة العرب نفسها على لغة القوم وشمولها لمفهوم الفصاحة والوضوح والبيان
عَرُبَ الرَّجُلُ: فَصُحَ
عَرَّبَ الكلامَ: أَوضحَه
عرَّبَ عنه لسانُه: أَبان وأفْصَح
ونفس الملاحظة بالنسبة لمصطلح الأعجمي
أَعْجَمِيُّ: مَنْ لا ينطق بالكلام الفصيح ولو كان عربيًّا ما أكثر الأعاجم من العرب
نقيض العربي
وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (103) سورة النحل 
وهو ما يفتح الباب على مصراعيه على احتمالية استعمال اللفظين لترجمة معنيين مرتبطان بالتفصيل
كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ (44) سورة فصلت
البعض قد يرى في فكرة ترجمة القرآن نفي لحفظ الذكر من خلال دراسته لمختلف النصوص المترجمة التي يستحيل تطابقها مع النص المترجم ابتداء من ترجمات القرآن وهذا صحيح إن كانت الترجمة بين لغتين مختلفتين جملة وتفصيلا...لكن إن ساير النص الديني جميع مراحل التطور اللغوي فتلك قصة أخرى لأنه شتان بين ترجمة نص يعود للقرن السادس الميلادي إلى لغات بعيدة نشأت بعده بقرون وبين مواكبة النص لتفرع اللغات من بعضها البعض حرف بحرف وكلمة بكلمة في نفس المجتمع ونفس المنطقة الجغرافية...الظاهرة التي كانت ستستمر
نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ (30) سورة القصص
نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الغَابَةِ (30) سورة القصص
فَبَعَثَ اللهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ (31) سورة المائدة
فَبَعَثَ اللهُ غُرَابًا يَحْفِرُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ (31) سورة المائدة
نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ (66) سورة النحل
نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ حَلِيبًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ (66) سورة النحل
لو لم يتم تجميد النص القرآني في لغة ومصطلحات العصر العباسي...والدليل على دقة ترجمات القرآن في حالة حدوثها هو عشرات الآيات العددية القائمة بالأساس على اللفظ وليس المعنى وكمثال تماثل كلمتي دنيا وآخرة
الذي لو اختلفت الترجمة عن النص الأصلي في موضع قرآني واحد
فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ (220) سورة البقرة
فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ
فَأَخَذَهُ اللهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى (25) النازعات
فَأَخَذَهُ اللهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالدُّنْيَا 
لاختل التوازن وفقد التماثل
البعض قد يرى في فكرة الترجمة طعنا في حفظ وعصمة القرآن لكنني شخصيا أرى العكس وأن الكتاب الذي حفظ بنفس صياغته الأصلية التي قد تعود للعصور الغابرة وبهذه الدقة الشديدة رغم مروره بمختلف العصور والترجمات لا يمكن أن يكون إلا من عند علام الغيوب
إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) سورة الحجر
على العموم تبقى مجرد نظرية ويبقى طريق البحث طويل ومفتوح على جميع الاحتمالات
ويبقى العلم لله سبحانه وتعالى
إن أخطأت فمن نفسي وإن أصبت فمن العزيز العليم

تعليقات

  1. سلام عليكم ، لقد ذهبت بعيدا هذه المرة ـ و اتبعت نزوة من نزوات أفكارك النيرة التي إستفدت منها منذ مدة طويلة ـــ أوافقك الرأي في عنوان موضوعك ، لكن ما قدمته قابل للنقاش و أنت تعرف ذلك ـ
    فقط أريد أن أشير إلى أن عربية القرآن حديثة أي أن العربية الفصحى جاءت في القرآن ـ و دليل ذلك أنك لن تجد أي مخطوط أو كتاب بالعربية قبل القرآن أو في زمانه ـ و أول ما وجد بالعربية بعد 250 سنة من وفاة النبي محمد

    ردحذف
  2. وعليكم السلام
    أخي الكريم القرآن نفسه يؤكد نزول نصوصه بنفس لسان القوم الشائع قبل تنزيله
    وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ (4) سورة إِبراهيم
    وهو ما ينفي احتمالية ظهور اللغة العربية الحديثة في نص القرآن الذي تتطابق أقدم مخطوطاته المكتشفة مع المنقوشات الأموية المعاصرة لنفس الحقبة مما يدل على كتابة أقدم المصاحف بالخط الأموي الذي بالتأكيد كان شائعا في أرجاء الإمبراطورية الأموية التي لم تصلنا عنها أية وثائق أو مخطوطات للتحقق من الأمر....وهو ما دفع المستشرقين لوصف هذه المرحلة بالثقب الأسود كل ما تبقى لدينا هو ما تركه العباسيون سواء تاريخيا أو عقائديا أو لغويا وبالتالي فلا غرابة أو تعود أقدم الكتب والمخطوطات للعصر العباسي

    ردحذف
  3. أخي في هذه لحالة هل لغة القرآن الحالية تعود للقرن السابع ام اقدم من ذلك؟
    أن كانت بالقرن السابع فلماذا اختلفوا في معاني الكلمات والأساليب اللغوية وان كانت اقدم من ذلك فبرأيك إلى أي عصر يعود ذلك؟

    ردحذف
    الردود
    1. أعتقد أن لغة أقدم المخطوطات تعود للعصر الأموي وأن الاختلاف قد حدث في العصر العباسي وحتى لو افترضنا سبقها للحقبة الأمويين فلن يتجاوز الأمر القرون الأولى من الميلاد
      والله تعالى أعلم

      حذف
  4. بالنسبة للضمير الهاء فهذا ليس ضمير الغائب اعتقد انه يسمى ضمير الشأن. خذ على سبيل المثال جملة " لا يفلح الكافرون" إن أردت أن تؤكد الجملة بإن فلن تقول " إن لا يفلح الكافرون" بل ستقول " إنه لا يفلح الكافرون" والقرآن مليء بهذا الضمير (الذي نستخدمه ايضا في العاميات المحكية) فلتأكيد جملة " أنا الله" ب إنّ يمكن القول " إنه أنا الله" وهي جملة تختلف قليلا في الدلالة عن " إنني أنا الله"

    ردحذف

إرسال تعليق