بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
تعتقد الغالبية الساحقة من الناس أن الرسم الحالي للمصاحف التي بين أيدينا هو نفس الخط الذي كتب به أول قرآن على وجه الأرض سواء منهم من يؤمن بالرسم العثماني أو بفكرة وحي وحفظ الله للرسم الحالي للقرآن وبناء على هذه القناعة بدأت تظهر في الآونة الأخيرة بعض الأبحاث التي تحاول إيجاد تفسير منطقي لاختلاف رسم نفس الألفاظ في كتاب الله
ولقناعتها باستحالة أن يكون هذا الاختلاف بدون سبب فقد كان الخيار الوحيد هو إيجاد معاني خاصة لكل رسم ومن أشهر الأمثلة الفرق بين رسمي رأى ورءا حيث زعموا إشارة اللفظ الأول لرؤية الفؤاد
مَا كَذَبَ ٱلۡفُؤَادُ مَا رَأَىٰٓ (11) سورة النجم
واللفظ الثاني لرؤية البصر
فَلَمَّا جَنَّ عَلَيۡهِ ٱلَّيۡلُ رَءَا كَوۡكَبٗا (76) سورة الأَنعام
وبدل التأكد من صحة الطرح وحجية الأمثلة المعروضة من خلال دراستها بتأني وتمحيص سارع بعض الباحثون إلى قبول الفكرة والترويج لها كحقيقة مسلمة ثم قاموا بناء عليها باختراع مجموعة من المفاهيم الظنية كالزعم بأن رؤية الرسول المذكورة في النجم كانت مجرد رؤية في المنام
دون النظر إلى تتمة نفس السياق التي تؤكد بما لا يدع مجالا للشك ارتباط الرؤية (رسم رأى) بالبصر
مَا كَذَبَ ٱلۡفُؤَادُ مَا رَأَىٰٓ (11) أَفَتُمَٰرُونَهُۥ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ (12) وَلَقَدۡ رَءَاهُ نَزۡلَةً أُخۡرَىٰ (13) عِندَ سِدۡرَةِ ٱلۡمُنتَهَىٰ (14) عِندَهَا جَنَّةُ ٱلۡمَأۡوَىٰٓ (15) إِذۡ يَغۡشَى ٱلسِّدۡرَةَ مَا يَغۡشَىٰ (16) مَا زَاغَ ٱلۡبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ (17) لَقَدۡ رَأَىٰ مِنۡ ءَايَٰتِ رَبِّهِ ٱلۡكُبۡرَىٰٓ (18) سورة النجم
ودون النظر إلى باقي الاحتمالات الممكنة ومن بينها السؤال الصعب بالنسبة للمؤمنين بعصمة الرسم الحالي للمصاحف هل هو بالفعل اختلاف في المعنى أم اختلاف خط نساخ القرآن ؟ ففي ظل غياب التوثيق العلمي الذي يثبت كتابة النسخة الأولى من القرآن بنفس الخط الحالي للمصاحف فتبقى جميع الاحتمالات قائمة
فلنتفكر قليلا من الأقرب للواقع والمنطق أن ينزل الله رسمين مختلفين لنفس الكلمة للتمييز بين الرؤية بالفؤاد والرؤية بالعين رغم وجود مصطلح خاص بهذه الأخيرة وهو الإبصار
وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا (179) سورة الأَعراف
أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا (195) سورة الأَعراف
وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (66) سورة يس
بغض النظر عن استعماله بطريقة مجازية في بعض النصوص أو أن يكون السبب الحقيقي وراء اختلاف رسم الكلمة هو اختلاف خط النساخ الذين أشرفوا على كتابة النسخة الحالية (ما يسمى بمصحف عثمان) من القرآن خلال المراحل الأولى من نشأة لغتنا الموروثة (ما يسمى بلغة العرب) المتزامنة مع نشأة الدين السلفي في مرحلة لم يستقر فيها الأمر على رسم ثابت للكلمات
إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ (43) سورة الدخان
أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (62) سورة الصافات
فهل هي مجرد صدفة أن يتكرر نفس الرسم في نفس السور وأن لا يتخلف في أية سورة من السور التي وردت فيه الكلمة ؟
فَلَمَّا جَنَّ عَلَيۡهِ ٱلَّيۡلُ رَءَا كَوۡكَبًا (76) سورة الأَنعام
رَءَا ٱلۡقَمَرَ بَازِغٗا قَالَ هَٰذَا رَبِّي (77) سورة الأَنعام
رَءَا ٱلشَّمۡسَ بَازِغَةٗ قَالَ هَٰذَا رَبِّي (78) سورة الأَنعام
وَهَمَّ بِهَا لَوۡلَآ أَن رَّءَا بُرۡهَٰنَ رَبِّهِ (24) سورة يوسف
فَلَمَّا رَءَا قَمِيصَهُۥ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ (28) سورة يوسف
وَإِذَا رَءَا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٱلۡعَذَابَ (85) سورة النحل
إِذَا رَءَا ٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْ شُرَكَآءَهُمۡ (86) سورة النحل
رَءَآ أَيۡدِيَهُمۡ لَا تَصِلُ إِلَيۡهِ نَكِرَهُمۡ (70) سورة هود
وَرَءَا ٱلۡمُجۡرِمُونَ ٱلنَّارَ فَظَنُّوٓاْ (53) سورة الكهف
إِذۡ رَءَا نَارٗا فَقَالَ لِأَهۡلِهِ ٱمۡكُثُوٓاْ (10) سورة طه
رَءَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلۡأَحۡزَابَ (22) سورة الأحزاب
أم أن الناسخ الذي كلف بكتابة سورة النجم ليس هو كاتب أو كتاب بقية السور ؟
مَا كَذَبَ ٱلۡفُؤَادُ مَا رَأَىٰٓ (11) سورة النجم
لَقَدۡ رَأَىٰ مِنۡ ءَايَٰتِ رَبِّهِ ٱلۡكُبۡرَىٰٓ (18) سورة النجم
بطبيعة الحال إن كان الأمر مجرد صدفة فلا يجب أن يتكرر مع بقية الكلمات المختلفة في الرسم كختلاف رسم كلمة أمثال
الذي في سبيل إثبات وجود معنى مختلف للرسمين ثم وضع عدة شروط اصطفائية
وعليه فإن ثبات الألف في (الأمثال) يدل على أنها مادية محسوسة دنيوية أما حذف الألف من الكلمة (الأمثل) فيدل على أنها غيبية أو أخروية أو مستحيلة علينا
حيث لم يزعم صاحب البحث اقتصار الاختلاف على المعنى المادي والمعنوي أو المحسوس والغيبي أو المستحيل والمقدور عليه...ورغم كل ذلك فقد فشلت هذه المعايير في تجسيد نظرية صاحبها على أرض الواقع كما هو الشأن مع نص سورة محمد
(أفلم يسيروا فى الأرض فينظروا كيف كان عقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم وللكفرين أمثلها) محمد 10
كلمة ( أمثلها ) هنا تتحدث عن طريقة من طرق الدمار غيبية ، وإن كنا نعرف بعض طرق دمار الأمم قبلنا إلا أن الآية تتحدث عن دمار بطرق لا نعرفها فهي غيب ، ولذلك جاءت الكلمة ( أمثلها ) بغير ألف
الذي أثبت خطأ المعيار لأمر نفس السياق الذي ورد فيها رسم أمثل بالسير في الأرض والنظر إلى آثار هلاك الأمم السابقة
أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَلُهَا (10) سورة محمد
في إشارة إلى طرق الهلاك المحسوسة والمدركة للمخاطبين كما يتضح في نصوص أخرى أكثر تفصيلا
عَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ (38) سورة العنْكبوت
كل هذا حتى لا يتم الالتفات للاحتمال الأقرب للواقع ووجود أكثر من ناسخ للخط الموروث للمصاحف حيث سيتجلى مرة أخرى ارتباط رسم الكلمة بالسور التي وردت فيها سواء بالنسبة لكلمة أمثل
كَذَٰلِكَ يَضۡرِبُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ أَمۡثَٰلَهُمۡ (3) سورة محمد
دَمَّرَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِمۡۖ وَلِلۡكَٰفِرِينَ أَمۡثَٰلُهَا (10) سورة محمد
قَوۡمًا غَيۡرَكُمۡ ثُمَّ لَا يَكُونُوٓاْ أَمۡثَٰلَكُم (38) سورة محمد
ٱنظُرۡ كَيۡفَ ضَرَبُواْ لَكَ ٱلۡأَمۡثَٰلَ (9) سورة الفرقان
وَكُلّٗا ضَرَبۡنَا لَهُ ٱلۡأَمۡثَٰلَ (39) سورة الفرقان
كَأَمۡثَٰلِ ٱللُّؤۡلُوِٕ ٱلۡمَكۡنُونِ (23) سورة الواقعة
عَلَىٰٓ أَن نُّبَدِّلَ أَمۡثَٰلَكُمۡ (61) سورة الواقعة
وَيَضۡرِبُ ٱللَّهُ ٱلۡأَمۡثَٰلَ لِلنَّاسِ (35) سورة النور
وَتِلۡكَ ٱلۡأَمۡثَٰلُ نَضۡرِبُهَا لِلنَّاسِ (21) سورة الحشر
وَإِذَا شِئۡنَا بَدَّلۡنَآ أَمۡثَٰلَهُمۡ تَبۡدِيلًا (28) سورة الإِنْسان
وَتِلۡكَ ٱلۡأَمۡثَٰلُ نَضۡرِبُهَا لِلنَّاسِ (43) سورة العنْكبوت
أو أمثال
وَيَضۡرِبُ ٱللَّهُ ٱلۡأَمۡثَالَ (25) سورة إِبراهيم
وَضَرَبۡنَا لَكُمُ ٱلۡأَمۡثَالَ (45) سورة إِبراهيم
إِلَّآ أُمَمٌ أَمۡثَالُكُم (38) سورة الأَنعام
فَلَهُۥ عَشۡرُ أَمۡثَالِهَا (160) سورة الأَنعام
فَلَا تَضۡرِبُواْ لِلَّهِ ٱلۡأَمۡثَالَ (74) سورة النحل
كَذَٰلِكَ يَضۡرِبُ ٱللَّهُ ٱلۡأَمۡثَالَ (17) سورة الرعد
كَيۡفَ ضَرَبُواْ لَكَ ٱلۡأَمۡثَالَ (48) سورة الإسراء
مِن دُونِ ٱللَّهِ عِبَادٌ أَمۡثَالُكُمۡ (194) سورة الأَعراف
دون أن يجتمع الرسمين هنا أيضا في أية سورة من السور التي وردت فيها الكلمة...وكلما نظرنا في الأمثلة المشابهة كلما زاد يقيننا بارتباط رسم الكلمات بهوية السور الواردة فيها
وَقَالُوا أَءِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا (49) سورة الإسراء
وَقَالُوا أَءِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا (98) سورة الإسراء
أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا (16) سورة الصافات
أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا (53) سورة الصافات
سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ (38) سورة الأحزاب
سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ (62) سورة الأحزاب
وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلًا (62) سورة الأحزاب
سُنَّةَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ (23) سورة الفتح
وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلًا (23) سورة الفتح
فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ (43) سورة فاطر
فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلًا (43) سورة فاطر
وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلًا (43) سورة فاطر
قَدۡ خَسِرَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَآءِ ٱللَّهِ (31) سورة الأَنعام
وَيُنذِرُونَكُمۡ لِقَآءَ يَوۡمِكُمۡ هَٰذَا (130) سورة الأَنعام
لَّعَلَّهُم بِلِقَآءِ رَبِّهِمۡ يُؤۡمِنُونَ (154) سورة الأَنعام
كَمَا نَسُواْ لِقَآءَ يَوۡمِهِمۡ هَٰذَا (51) سورة الأَعراف
كَذَّبُواْ بَِٔايَٰتِنَا وَلِقَآءِ ٱلۡأٓخِرَةِ (147) سورة الأَعراف
بَلۡ هُم بِلِقَآءِ رَبِّهِمۡ كَٰفِرُونَ (10) سورة السجدة
بِمَا نَسِيتُمۡ لِقَآءَ يَوۡمِكُمۡ هَٰذَآ (14) سورة السجدة
ٱلنَّاسِ بِلِقَآيِٕ رَبِّهِمۡ لَكَٰفِرُونَ (8) سورة الروم
وَكَذَّبُواْ بَِٔايَٰتِنَا وَلِقَآيِٕ ٱلۡأٓخِرَةِ (16) سورة الروم
الحقيقية التي ستتجلى بشكل أوضح في اختلاف رسم اسم إبراهيم
الذي ليس من باب الصدفة أن يقتصر ذكره في نصوص القرآن برسم إبراهم على نصوص سورة البقرة
إِذِ ٱبۡتَلَىٰٓ إِبۡرَٰهِۧمَ رَبُّهُۥ (124) وَٱتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبۡرَٰهِۧمَ مُصَلّٗىۖ وَعَهِدۡنَآ إِلَىٰٓ إِبۡرَٰهِۧمَ (125) إِذۡ قَالَ إِبۡرَٰهِۧمُ رَبِّ (126) إِذۡ يَرۡفَعُ إِبۡرَٰهِۧمُ ٱلۡقَوَاعِدَ (127) وَمَن يَرۡغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبۡرَٰهِۧمَ (130) وَوَصَّىٰ بِهَآ إِبۡرَٰهِۧمُ بَنِيهِ (132) إِلَٰهَ ءَابَآئِكَ إِبۡرَٰهِۧمَ (133) بَلۡ مِلَّةَ إِبۡرَٰهِۧمَ (135) وَمَآ أُنزِلَ إِلَىٰٓ إِبۡرَٰهِۧمَ (136) أَمۡ تَقُولُونَ إِنَّ إِبۡرَٰهِۧمَ (140) أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِي حَآجَّ إِبۡرَٰهِۧمَ فِي رَبِّهِۦٓ أَنۡ ءَاتَىٰهُ ٱللَّهُ ٱلۡمُلۡكَ إِذۡ قَالَ إِبۡرَٰهِۧمُ رَبِّيَ ٱلَّذِي يُحۡيِۦ وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا۠ أُحۡيِۦ وَأُمِيتُۖ قَالَ إِبۡرَٰهِۧمُ (258) وَإِذۡ قَالَ إِبۡرَٰهِۧمُ (260) سورة البقرة
من دون بقية السور الأربعة والعشرون التي ذكر فيها برسم إبراهيم
يَٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ لِمَ تُحَآجُّونَ فِيٓ إِبۡرَٰهِيمَ (65) سورة آل عمران
الرسم الذي تكرر 58 مرة في القرآن دون أن يرد ولو مرة وحيدة إلى جانب رسم إبراهم في سورة البقرة ومع ذلك فقد قاموا بتجاهل هذه الحقيقة الصارخة والتشبث بنفس النظرية وبنفس قواعدها الغير واضحة المعالم
وقد مر معنا في قاعدة وجود الياء أو غيابها من نفس الكلمة في الرسم القرآني أن غيابها يأتي دائماً في سياق يتحدث عن أمر جزئي، أما وجودها فيأتي في سياق يتحدث عن أمر كلي، وقد بينا الفرق في الرسم في بضع كلمات تحت هذه القاعدة مثل (نبغ، نبغي، وراء، وراىء، بهد، بهدي، المهتد، المهتدي). وبناء على ذلك فإن رسم اسم إبراهيم حين ورد بغير الياء (إبرهم) قد عبر عنه قبل أن ينجب إسحق، أما حين أنجب إسحق فقد صار إبراهيم بعد ذلك أباً لأمة إسرائيل إضافة الى كونه أباً لأمة العرب، وقد وصفه القرآن الكريم بذلك: (إن إبرهيم كان أمة قانتاً لله حنيفاً ولم يك من المشركين) النحل: 120 . وعليه فإن إنجاب إبراهيم ابنه إسماعيل قد جعله أباً لأمة العرب، أي أباً بالمعنى (الجزئي)، فورد اسمه بغير الياء (إبرهم) 15 مرة، أما حين أنجب إسحق فقد أصبح أباً أيضاً لأمة إسرائيل، فصار أباً بالمعنى (الكلي) للعرب وللعبرانيين معاً، فورد اسمه بإثبات الياء (إبرهيم) 54 مرة
والتي لا تمت بصلة لواقع النصوص التي ذكر فيها رسم إبراهم في أكثر من موضع للإشارة لمرحلة ما بعد إنجابه لإسحاق عندما كان له أكثر من ابن
وَوَصَّىٰ بِهَآ إِبۡرَٰهِۧمُ بَنِيهِ وَيَعۡقُوبُ يَٰبَنِيَّ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰ لَكُمُ ٱلدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ (132) سورة البقرة
بل وحتى لمرحلة ما بعد وفاته
أَمۡ كُنتُمۡ شُهَدَآءَ إِذۡ حَضَرَ يَعۡقُوبَ ٱلۡمَوۡتُ إِذۡ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعۡبُدُونَ مِنۢ بَعۡدِيۖ قَالُواْ نَعۡبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ ءَابَآئِكَ إِبۡرَٰهِۧمَ (133) سورة البقرة
ونفس الملاحظة بالنسبة لرسم إبراهيم الذي خوطب به على لسان قومه المعاصرين في أكثر من مناسبة قبل هجرته وإنجابه لإسحاق
قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنۡ ءَالِهَتِي يَٰٓإِبۡرَٰهِيمُ (46) قَالَ سَلَٰمٌ عَلَيۡكَۖ سَأَسۡتَغۡفِرُ لَكَ رَبِّيٓۖ (47) أَعۡتَزِلُكُمۡ وَمَا تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ (48) فَلَمَّا ٱعۡتَزَلَهُمۡ وَمَا يَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَهَبۡنَا لَهُۥٓ إِسۡحَٰقَ (49) سورة مريم
قَالُواْ سَمِعۡنَا فَتٗى يَذۡكُرُهُمۡ يُقَالُ لَهُۥٓ إِبۡرَٰهِيمُ (60) قَالُواْ حَرِّقُوهُ وَٱنصُرُوٓاْ ءَالِهَتَكُمۡ (68) قُلۡنَا يَٰنَارُ كُونِي بَرۡدٗا وَسَلَٰمًا عَلَىٰٓ إِبۡرَٰهِيمَ (69) وَنَجَّيۡنَٰهُ وَلُوطًا إِلَى ٱلۡأَرۡضِ ٱلَّتِي بَٰرَكۡنَا فِيهَا لِلۡعَٰلَمِينَ (71) وَوَهَبۡنَا لَهُۥٓ إِسۡحَٰقَ (72) سورة الأنبياء
وبدل اعتماد نصوص القرآن الواضحة وضوح الشمس تم إخضاع هذه الأخيرة لنصوص العهد القديم التي لم تذكر أصلا لفظ أبراهم بل أبرام
وقد ورد في التوراة أن اسمه كان (إبرام) قبل أن ينجب إسحق، وأن الله تعالى بدل اسمه ليصبح (إبرهيم) حين بشرته الملائكة بإسحق، مبيناً له السبب بأنه سيكون أباً لجمهور من الأمم.
وقد جاء في سفر التكوين أول أسفار التوراة:
(أما أنا فهو ذا عهدي معك وتكون أباً لجمهور من الأمم، فلا يدعى اسمك بعد أبرام بل يكون اسمك إبرهيم) سفر التكوين 17: 4
ونفس الشيء بالنسبة لاسم داود الذي اقتصر ذكره في القرآن برسم داوود على سورة سبأ
اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13) سورة سبأ
من دون بقية المواضع الخمسة عشر التي ذكر فيها برسم داود في بقية السور
وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ (251) سورة البقرة
دون أن ترد إحداها إلى جانب رسم داوود في سورة سبأ
لكن في المقابل سنجد بعض الحالات التي اختلف فيها رسم الكلمات في نفس السور كما هو الشأن مع كلمة أدبار
التي وردت برسمين مختلفين في سورة الأنفال
إِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ زَحۡفٗا فَلَا تُوَلُّوهُمُ ٱلۡأَدۡبَارَ (15) سورة الأَنْفال
إِذۡ يَتَوَفَّى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ يَضۡرِبُونَ وُجُوهَهُمۡ وَأَدۡبَٰرَهُمۡ (50) سورة الأنفال
وهو ما يوحي للوهلة الأولى بوجود معنى خاص لكل رسم والذي يعززه اختلاف استعمال الرسمين (حرفيا للإشارة لجزء من جسم الإنسان بالنسبة لرسم أَدۡبَٰرَهُمۡ) و (مجازيا للإشارة للفرار من الحرب بالنسبة لرسم ٱلۡأَدۡبَارَ) لكن سرعان ما سنكتشف بطلان هذه الفرضية وعدم ارتباط الأمر بمجاز أو حرفية الكلمة عند الاطلاع على بقية السور والنصوص القرآنية
وَلَوۡ قَٰتَلَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوَلَّوُاْ ٱلۡأَدۡبَٰرَ (22) سورة الفتح
إِن يُقَٰتِلُوكُمۡ يُوَلُّوكُمُ ٱلۡأَدۡبَارَ ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ (111) سورة آل عمران
وارتباطه هنا أيضا باختلاف خط النساخ واختياراتهم وأن ليس شرط أن يكون هناك كاتب واحد لكل سورة قرآنية وأن لا يكون بالضرورة كاتب بداية سورة الأنفال
فَلَا تُوَلُّوهُمُ ٱلۡأَدۡبَارَ (15) سورة الأَنْفال
هو نفس من خط جزؤها الأخير
يَضۡرِبُونَ وُجُوهَهُمۡ وَأَدۡبَٰرَهُمۡ (50) سورة الأنفال
عكس سورة محمد التي لم يتغير فيها رسم الكلمة رغم استعمالها في كل من المعنيين الحرفي والمجازي واللذان يوحي ورودهما في نفس السياق ونفس الجملة تقريبا
إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱرۡتَدُّواْ عَلَىٰٓ أَدۡبَٰرِهِم مِّنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلۡهُدَى ٱلشَّيۡطَٰنُ سَوَّلَ لَهُمۡ وَأَمۡلَىٰ لَهُمۡ (25) ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَالُواْ لِلَّذِينَ كَرِهُواْ مَا نَزَّلَ ٱللَّهُ سَنُطِيعُكُمۡ فِي بَعۡضِ ٱلۡأَمۡرِۖ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ إِسۡرَارَهُمۡ (26) فَكَيۡفَ إِذَا تَوَفَّتۡهُمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ يَضۡرِبُونَ وُجُوهَهُمۡ وَأَدۡبَٰرَهُمۡ (27) سورة محمد
بكتابتهما معا من طرف نفس الناسخ
لكن بالنسبة لدعاة عصمة الخط القرآني فالأمر محسوم قبل بداية البحث وهو ما يلزمهم بإيجاد معنى خاص لكل رسم بأية طريقة ممكنة أو غير ممكنة
وفي هذا السياق تبرز لنا دقة التعبير القرآني العظيمة في الفرق بين الرسمين، فحين ترسم بالألف (الأدبار) فإن الألف تفيد مسافة مكانية لأنها تعبر عن وجود مكانين في السياق القرآني للآية، فإما أن يكون هذا المكان هو المسافة بين الفئتين المتقاتلتين بحيث تذكر الفئتان معاً في مثل:
(وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون) آل عمران: 111.
حيث أن قوله (يولوكم) يحتوي على ضميرين أحدهما مستتر وهو الفاعل من (يولوا) والآخر ضمير المخاطب المتصل (كم)، والضميران تقديرهما (هم وأنتم). وذكرهما هنا يعبر عن وجود مسافة بين الفئتين المتقاتلتين، ولهذا جاء رسم الكلمة بالألف (الأدبار)
ولو اقتضى الأمر الزعم بدخول بني إسرائيل للأرض المقدسة
أو تكون المسافة بين مكان ثابت وبين فئة من الناس لها علاقة بهذا المكان في مثل:
(يقوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خسرين) المائدة: 21.
والألف هنا تعبر عن المسافة التي سيرتد من خلالها بنوا إسرائيل عن الأرض المقدسة بعد دخولهم.
التي رفضوا الدخول إليها من الأساس
قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ (22) قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24) سورة المائدة
أو نفي عدم ذكر السياق للفريق الثاني أثناء الحرب
أما الآيات التي جاءت في سياق الانهزام من الحرب ورسمت فيها الكلمة بغير الألف (الأدبر)، فقد جاء السياق فيها يصف تولية الأدبار لفريق واحد ولا يذكر معه الفريق الآخر في فعل التولي، أي بمعنى أن لا مسافة بين فريقين لأن الفريق الآخر غير مذكور في الفعل:
(ولقد كانوا عهدوا الله من قبل لا يولون الأدبر) الأحزاب: 15.
رغم الإشارة إليه بوضوح في قول
وَلَوۡ قَٰتَلَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوَلَّوُاْ ٱلۡأَدۡبَٰرَ (22) سورة الفتح
نفس الشيء بالنسبة لتفسيرهم لاختلاف رسمي طغى و طغا
وسوف نبين هنا الفرق في المعنى بين لفظة ( طغى ) حين ترسم بالألف المقصورة وبينها ( طغا ) حين ترسم بالألف القائمة .
وردت الأولى في مثل الآيات :
( إذهب الى فرعون الى إنه طغى ) طه 24 .
( ما زاغ البصر وما طغى ) النجم 17 .
( فأما من طغى ، وءاثر الحيوة الدنيا ) النازعات 37 ، 38 .
( إنا لما طغا الماء حملنكم في الجارية ) الحاقة 11 .
في الآيات الثلاث الأولى نجد أن الطغيان معنوي يعبر عن تجاوز الحد في ظلم فرعون وتجاوز الحد في البصر وتجاوز الحد في محبة الحياة الدنيا وإيثارها على الآخرة ، أما في الآية الرابعة فإن الطغيان مادي وهو تجاوز الماء حد المطر العادي المألوف .
ولذلك جاء رسم ( طغى ) بالألف المقصورة للتعبير عن الطغيان حين يكون معنويا .
وجاءت اللفظة ( طغا ) بالألف القائمة للتعبير عن الطغيان المادي .
الذي جعل من طغيان وظلم فرعون المادي
إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4) سورة القصص
وطغيان حاسة البصر التي تدخل في إطار الماديات أيضا
فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ (39) سورة الحاقة
طغيانا معنويا
بدل الاعتراف بالحقيقة التي لا مفر منها
ٱذۡهَبۡ إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ إِنَّهُۥ طَغَىٰ (24) سورة طه
ٱذۡهَبَآ إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ إِنَّهُۥ طَغَىٰ (43) سورة طه
أَن يَفۡرُطَ عَلَيۡنَآ أَوۡ أَن يَطۡغَىٰ (45) سورة طه
مَا زَاغَ ٱلۡبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ (17) سورة النجم
إِنَّهُمۡ كَانُواْ هُمۡ أَظۡلَمَ وَأَطۡغَىٰ (52) سورة النجم
إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ إِنَّهُۥ طَغَىٰ (17) سورة النازعات
فَأَمَّا مَن طَغَىٰ (37) سورة النازعات
فالواقع الملموس يثبت عدم وجود أي معيار ثابت في رسم الكلمات القرآنية مجرد محاولات فاشلة لإيجاد قواسم مشتركة بين الرسومات كما هو الشأن مع الكلمات التي تنتهي بالهمزة كأبناء علماء ضعفاء دعاء التي حاولوا أن يضعوا لها قاعدة ثابتة تربط رسم الهمزة على السطر بالماديات ورسمها بالواو مهموزة بالروحيات
والتي قد توحي من خلال النظرة الأولى بصحة فرضيتهم لكن بقليل من التأمل ستتضح مدى مزاجية واصطفائية معاييرهم واعتمادها على العديد من الأفكار المغلوطة كنفي انتماء الدار الآخرة لعالم المادة الحسي وانتمائها لعالم الروحيات المطابق للتصور المسيحي عن الآخرة والمخالف جملة وتفصيلا للتصور القرآني
يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ (104) سورة الأنبياء
وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25) سورة البقرة
وتصنيف دعاء الدنيا مع الماديات رغم كون الدعاء في حد ذاته قيمة روحية غير مادية سواء في الدنيا
ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى ٱلۡكِبَرِ إِسۡمَٰعِيلَ وَإِسۡحَٰقَۚ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ ٱلدُّعَآءِ (39) رَبِّ ٱجۡعَلۡنِي مُقِيمَ ٱلصَّلَوٰةِ وَمِن ذُرِّيَّتِيۚ رَبَّنَا وَتَقَبَّلۡ دُعَآءِ (40) سورة إِبراهيم
أو في الآخرة
وَقَالَ ٱلَّذِينَ فِي ٱلنَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ٱدۡعُواْ رَبَّكُمۡ يُخَفِّفۡ عَنَّا يَوۡمٗا مِّنَ ٱلۡعَذَابِ (49) قَالُوٓاْ أَوَ لَمۡ تَكُ تَأۡتِيكُمۡ رُسُلُكُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِۖ قَالُواْ بَلَىٰۚ قَالُواْ فَٱدۡعُواْۗ وَمَا دُعَٰٓؤُاْ ٱلۡكَٰفِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَٰلٍ (50) سورة غافر
نفس الملاحظة في ما اعتبروه دعاء الآخرة
فَيَقُولُ ٱلضُّعَفَٰٓؤُاْ لِلَّذِينَ ٱسۡتَكۡبَرُوٓاْ (47) سورة غافر
فَقَالَ ٱلضُّعَفَٰٓؤُاْ لِلَّذِينَ ٱسۡتَكۡبَرُوٓاْ (21) سورة إِبراهيم
الذي يشير في حقيقة الأمر إلى ضعف الداعين في الحياة الدنيا المتمثل في اتباعهم لأسيادهم
وَإِذۡ يَتَحَآجُّونَ فِي ٱلنَّارِ فَيَقُولُ ٱلضُّعَفَٰٓؤُاْ لِلَّذِينَ ٱسۡتَكۡبَرُوٓاْ إِنَّا كُنَّا لَكُمۡ تَبَعٗا فَهَلۡ أَنتُم مُّغۡنُونَ عَنَّا نَصِيبٗا مِّنَ ٱلنَّارِ (47) سورة غافر
وَبَرَزُواْ لِلَّهِ جَمِيعٗا فَقَالَ ٱلضُّعَفَٰٓؤُاْ لِلَّذِينَ ٱسۡتَكۡبَرُوٓاْ إِنَّا كُنَّا لَكُمۡ تَبَعٗا فَهَلۡ أَنتُم مُّغۡنُونَ عَنَّا مِنۡ عَذَابِ ٱللَّهِ مِن شَيۡءٖ (21) سورة إِبراهيم
ورغم كل ذلك فقد فشلوا في فرض قاعدتهم على كلمة جزاء حيث تحول المعيار بقدرة قادر إلى الآتي
وعليه فإن رسم كلمة ( جزاء ) بالألف يعبر عن عقوبة الكفر والسيئات أو عن ثواب الإيمان وعمل الصالحات .
أما رسم كلمة ( جزؤا ) بالواو فلا يعبر عن ثواب ، بل يعبر عن عقوبة البغي والظلم والإفساد في الأرض .
في أقصى تجليات الاصطفائية التي جعلت الكفر والسيئات في نفس مصاف الثواب والإيمان مقابل البغي والظلم والإفساد ! ويا ليت الأمر كان صحيحا
أُوْلَٰٓئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغۡفِرَةٞ مِّن رَّبِّهِمۡ وَجَنَّٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا (136) سورة آل عمران
لكن لو وضعنا هذه المعايير الظنية جانبا وبحثنا بموضوعية وحياد فسنلاحظ أن القاسم المشترك بين جميع المواضع التي رسمت فيها الكلمات السالفة الذكر بالواو مهموزة هو ببساطة ضم الهمزة
وَقَالَتِ ٱلۡيَهُودُ وَٱلنَّصَٰرَىٰ نَحۡنُ أَبۡنَٰٓؤُاْ ٱللَّهِ وَأَحِبَّٰٓؤُهُ (18) سورة المائدة
كما يتضح في بقية المواضع التي ورد فيها الرسم
وَمَا دُعَٰٓؤُاْ ٱلۡكَٰفِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَٰلٍ (50) سورة غافر
فَيَقُولُ ٱلضُّعَفَٰٓؤُاْ لِلَّذِينَ ٱسۡتَكۡبَرُوٓاْ (47) سورة غافر
فَقَالَ ٱلضُّعَفَٰٓؤُاْ لِلَّذِينَ ٱسۡتَكۡبَرُوٓاْ (21) سورة إِبراهيم
إِنَّمَا يَخۡشَى ٱللَّهَ مِنۡ عِبَادِهِ ٱلۡعُلَمَٰٓؤُاْ (28) سورة فاطر
أَن يَعۡلَمَهُۥ عُلَمَٰٓؤُاْ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ (197) سورة الشعراء
أَصۡحَٰبِ ٱلنَّارِ وَذَٰلِكَ جَزَٰٓؤُاْ ٱلظَّٰلِمِينَ (29) سورة المائدة
إِنَّمَا جَزَٰٓؤُاْ ٱلَّذِينَ يُحَارِبُونَ ٱللَّهَ (33) سورة المائدة
خَٰلِدَيۡنِ فِيهَا وَذَٰلِكَ جَزَٰٓؤُاْ ٱلظَّٰلِمِينَ (17) سورة الحشر
يَقۡتُلۡ مُؤۡمِنٗا مُّتَعَمِّدٗا فَجَزَآؤُهُۥ جَهَنَّمُ (93) سورة النساء
قَالُواْ فَمَا جَزَٰٓؤُهُۥٓ إِن كُنتُمۡ كَٰذِبِينَ (73) سورة يوسف
جَزَٰٓؤُهُۥ مَن وُجِدَ فِي رَحۡلِهِۦ فَهُوَ جَزَٰٓؤُهُۥۚ (74) سورة يوسف
أُوْلَٰٓئِكَ جَزَآؤُهُمۡ أَنَّ عَلَيۡهِمۡ لَعۡنَةَ ٱللَّهِ (87) سورة آل عمران
أُوْلَٰٓئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغۡفِرَةٞ مِّن رَّبِّهِمۡ (136) سورة آل عمران
ذَٰلِكَ جَزَآؤُهُم بِأَنَّهُمۡ كَفَرُواْ بَِٔايَٰتِنَا (98) سورة الإسراء
ذَٰلِكَ جَزَآؤُهُمۡ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُواْ (106) سورة الكهف
جَزَآؤُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ جَنَّٰتُ عَدۡنٖ (8) سورة البينة
والدليل عدم رسم الكلمة بالواو مهموزة ولو في حالة واحدة من الحالات التي لم يتم فيها ضم الواو
قَالُواْ ٱقۡتُلُوٓاْ أَبۡنَآءَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُ (25) سورة غافر
لَّيۡسَ عَلَى ٱلضُّعَفَآءِ وَلَا عَلَى ٱلۡمَرۡضَىٰ (91) سورة التوبة
فَٱقۡطَعُوٓاْ أَيۡدِيَهُمَا جَزَآءَۢ بِمَا كَسَبَا نَكَٰلٗا (38) سورة المائدة
وأن رسم الهمزة المضمومة على السطر في بعض الحالات على نذرتها
وَلَهُۥ ذُرِّيَّةٞ ضُعَفَآءُ فَأَصَابَهَآ إِعۡصَارٞ (266) سورة البقرة
يعود بالإساس لاختيارات واختلاف النساخ وفي أي حال من الأحوال لاختلاف المعنى وإلا لجاء النص التالي
فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمۡ جَزَآءٗ مَّوۡفُورٗا (63) سورة الإسراء
الذي يتحدث عن نفس النوع من الجزاء كالآتي
فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمۡ جَزَٰٓؤََاْ مَّوۡفُورٗا
نفس الملاحظة بالنسبة لاختلاف رسم كلمة امرأة
إِذۡ قَالَتِ ٱمۡرَأَتُ عِمۡرَٰنَ (35) سورة آل عمران
ٱمۡرَأَتُ ٱلۡعَزِيزِ تُرَٰوِدُ فَتَىٰهَا (30) سورة يوسف
قَالَتِ ٱمۡرَأَتُ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡـَٰٔنَ (51) سورة يوسف
قَالَتِ ٱمۡرَأَتُ فِرۡعَوۡنَ قُرَّتُ (9) سورة القصص
ٱمۡرَأَتَ نُوحٖ وَٱمۡرَأَتَ لُوطٖ (10) سورة التحريم
ٱمۡرَأَتَ فِرۡعَوۡنَ إِذۡ قَالَتۡ (11) سورة التحريم
عكس النصوص التي وردت فيها بالتاء المربوطة
أَوِ ٱمۡرَأَةٞ وَلَهُۥٓ أَخٌ أَوۡ أُخۡتٞ (12) سورة النساء
إِنِ ٱمۡرَأَةٌ خَافَتۡ مِنۢ بَعۡلِهَا (128) سورة النساء
إِنِّي وَجَدتُّ ٱمۡرَأَةٗ تَمۡلِكُهُمۡ (23) سورة النمل
وَٱمۡرَأَةٗ مُّؤۡمِنَةً إِن وَهَبَتۡ (50) سورة الأحزاب
وهي ملاحظة في محلها لكنها لا تعني بالضرورة صحة المعنى الذي ذهبوا إليه وقد يكون السبب الحقيقي لكتابة كلمة امرأة بالتاء المربوطة في بعض النصوص هو ببساطة تنوين حرف التاء المرتبط بالأسماء النكرة وأن لا يكون للأمر علاقة بالمعنى من الأساس
وحتى لو افترضنا العكس وارتباط رسم الكلمات بالمعنى في بعض الحالات فإن ذلك يبقى اختيار نساخ وفي أي حال من الأحوال قاعدة ربانية منزلة من السماء وإلا لكان الأولى التمييز بين الكلمات المتطابقة في الرسم واللفظ والمختلفة بشكل واضح في المعنى حتى لا يختلط على القارئ الأمر ويستطيع التمييز على سبيل المثال بين جنس الرجل
وَبَثَّ مِنۡهُمَا رِجَالٗا كَثِيرٗا وَنِسَآءٗ (1) سورة النساء
والمشي على الرجلين
فَإِنۡ خِفۡتُمۡ فَرِجَالًا أَوۡ رُكۡبَانٗا (239) سورة البقرة
فَإِنۡ خِفۡتُمۡ فَرِجَٰلََا أَوۡ رُكۡبَانٗا
وهنا تكمن مشكلة مثل هذه الأبحاث الظنية التي قد تأتي بنتائج معاكسة لأهدافها وتصير حجة على كتاب الله في آخر المطاف بإلزامه بقواعد توحي بعدم دقته في مواضع أخرى عندما تفشل معاييرهم في تفسير اختلاف الرسم عند تطابق المعنى
وَفِي مُوسَىٰٓ إِذۡ أَرۡسَلۡنَٰهُ إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ بِسُلۡطَٰنٖ مُّبِينٖ (38) فَتَوَلَّىٰ بِرُكۡنِهِۦ وَقَالَ سَٰحِرٌ أَوۡ مَجۡنُونٞ (39) كَذَٰلِكَ مَآ أَتَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُواْ سَاحِرٌ أَوۡ مَجۡنُونٌ (52) سورة الذاريات
انطلاقا من إيمانهم بفكرة إعجاز لغة القرآن التي سبق تبين بطلانها في مقال
فبدل السعي لتبسيط كتاب الله في أعين الناس قدر الإمكان بالدعوة لتوحيد المصاحف ومحاولة إنهاء اختلافات الرسم والتشكيل هناك من يصر على تعقيد وتشعيب الأمور أكثر ما هي مشعبة وتعزيز اختلافات نساخ القرآن بإيهام الناس بأنها من وحي الرحمن وما هي كذلك
ويبقى العلم لله سبحانه وتعالى
إن أخطأت فمن نفسي وإن أصبت فمن العزيز العليم