هل كان قوم الرسول أميون أم أهل كتاب ؟

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ


من أبرز الدلائل على ألوهية القرآن والتي جعلها القرآن نفسه معيارا لتمييز كلام الله عن كلام البشر إنعدام الإختلاف والتناقض في نصوصه عكس ما نلمسه في بقية الكتب المنسوبة للخالق
أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82) سورة النساء
لكن بين الفينة والأخرى تطفو إلى السطح بعض الحالات التي تبدو فيها نصوص القرآن متناقضة في ما بينها للوهلة الأولى بسبب إخضاعها من طرف القارئ لأفكاره المسبقة المليئة بالمغالطات التي زرعتها كتب التراث وكمثال نص سورة الأنعام الذي يوحي بعلم قوم الرسول منكري الرسالات السماوية بمحتوى كتاب موسى 
وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (91) سورة الأنعام
المتعارض ظاهريا مع العديد من النصوص التي تؤكد جهلهم التام بمحتوى الكتب السماوية السابقة
وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ (44) سورة سبأ
وهو ما يضع القارئ المحايد والجاد في البحث عن الحقيقة في حيرة من أمره خصوصا عند الإطلاع على الطريقة المستخفة التي تعامل بها المفسرون مع الأمر بمحاولتهم الفاشلة لنسب الخطاب لليهود الذين لم يقولوا في يوم من الأيام ما أنزل الله على بشر من شيء والذين يفترض في سيرة المذاهب نفسها أنهم لم يلتقوا مع الرسول بعد خلال فترة تنزيل سورة الأنعام المخاطبة بالأساس لقوم محمد
وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (66) قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (135) سورة الأنعام
تفسير الجلالين
وما قدروا } أي اليهود { الله حق قدره } أي ما عظموه حق عظمته أو ما عرفوه حق معرفته { إذ قالوا } للنبي صلى الله عليه وسلم وقد خاصموه في القرآن { ما أنزل الله على بشر من شيء قل } لهم { من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه } بالياء والتاء في المواضع الثلاثة { قراطيس } أي يكتبونه في دفاتر مقطعة { يبدونها } أي ما يحبون إبداءه منها { ويخفون كثيرا } 
أول ما يجب القيام به في مثل هذه الحالة هو التركيز على الجزئيات الصغيرة التي تعطي فكرة أولية عن حقائق الأشياء بعيدا عن محاولات لي عنق النصوص التي لا تزيد الطين إلا بلة 
فعندما نقرأ مثل هذه النصوص
هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2) سورة الجمعة
فإننا نعتقد تلقائيا أن الأمية وصف خاص بقوم الرسول بغض النظر عن الإختلاف في مفهوم الأمية الذي سبق توضيحه في مقال
مفهوم الأمية في القرآن
بأن الأمية في حقيقة الأمر هي وصف للجهل بمحتوى الكتب السماوية وليس الجهل بالكتابة والقراءة كما علمنا في تراثنا المليء بالجهل
لكن الحقيقية أنه لا يوجد شيء مطلق ونصوص القرآن تخبرنا بهذه الحقيقية حين وصفت فئة من الذين هادوا الذين ارتبطوا في القرآن بتحريف الكلم عن مواضعه
مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ (46) سورة النساء
بالأمية
أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (76) وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (78) سورة البقرة
رغم وصف الذين هادوا في أغلب نصوص القرآن بأهل الكتاب وبالضبط بأهل التوراة
مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارً (5) قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (6) سورة الجمعة
وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا (41) فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ (42) وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (43) وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (65) وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ (66) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ (68) سورة المائدة
وبالتالي فمبدئيا يمكن أن نجد العكس والإستثناء في الأقوام المعروفة بأميتها وحالات لأناس يعلمون ويدرسون الكتب السماوية
النقطة الثانية التي لا يجب إغفالها أن القرآن خاطب القوم بالمصطلحات الشائعة في لغتهم
وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ (4) سورة إبراهيم
أي بالتسميات الشائعة لديهم وبالتالي يجب التفريق في النصوص بين التسمية الشائعة للطوائف والأقوام رغم عدم وصفها لحقيقة الأشياء وبين وصف حالات معينة وكمثال تسميتي الذين هادوا والنصارى اللتان أطلقتا في الأصل على من نصر الله ورسوله المسيح
فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللهِ (52) سورة آل عمران
ومن هاد مع النبيان موسى وهارون 
وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (155) وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ (156) سورة الأعراف
والتي صارت مع مرور الزمن تسمية شاملة لكل متبع لرسائلهم رغم عدم نصرته وإتباعه لرسالة المسيح فعليا 
وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30) اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31) سورة التوبة
وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72) سورة المائدة
وعدم إلتزامه بوصايا موسى وهارون وصده عن سبيل الله
فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ كَثِيرًا (160) سورة النساء
ويتجلى ذلك بالخصوص في قول
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (136) سورة النساء
الذي يأمر من يحملون تسمية الذين آمنوا الخاصة بأتباع الرسالة المحمدية بالإيمان الفعلي وبالتالي فليس شرطا أن تعبر التسمية القومية أو العقائدية عن الحالة والعقيدة الحقيقة للأفراد ولا أن تؤخذ الأمور بشكل مطلق والإعتقاد بوصف مثل هذه النصوص
وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ (44) سورة سبأ
تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا (49) سورة هود
لحالة عامة القوم بدون استثناء تماما مثلما ندرك جيدا أن هناك من قوم الرسول من لم يكذب بالقرآن
وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ (66) سورة الأنعام
وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ (47) سورة العنكبوت
الشيء الأكيد أن قوم الرسول لم يكونوا بالأمية والجهل المطلق بثقافة الكتب السماوية كما صورت لنا كتب التراث بل على العكس فقد كانوا يؤمنون بنفس إله المسلمين
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ (38) سورة الزمر
وبالملائكة
وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا (7) سورة الفرقان
وكانوا على علم ببعض تفاصيل قصص الأنبياء السابقين
 بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ (5) سورة الأنبياء
وهو ما يتجلى بوضوح في العديد من أقوالهم قبل نزول القرآن التي كانت تمني النفس كذبا ببعثة نذير منهم
وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا (42) سورة فاطر
وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ (167) لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الْأَوَّلِينَ (168) لَكُنَّا عِبَادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ (169) فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (170) سورة الصافات
ثقافة لم تأتي من فراغ بل من علم مستوحى من مصدر ديني معين 
قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ (91) سورة الأنعام
مما دفع العديد من المستشرقين المشبعين بالتراث اليهودي المسيحي إلى الزعم بيهودية أو مسيحية كاتب أو كاتبي القرآن لعدم إستيعابهم لفكرة وجود طائفة دينية  مشابهة لهما في المنطقة في الفترة التي نسبت إليها البعثة المحمدية
حقيقة تغير نظرتنا للأشياء بشكل كلي وتطرح سؤال بالغة الأهمية إذا كان الرسول محمد قد نشأ في محيط ذو ثقافة كتابية وفي مجتمع يجيد القراءة والكتابة فما المعجز في إتيانه بكتاب يحتوي على نفس ما جاء في الكتب السماوية السابقة ؟
وَقَالُوا لَوْلَا يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى (133) سورة طه
الجواب في نفس نص سورة الأنعام
قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا (91) سورة الأنعام
تبدون وتخفون عن من ؟ فمن الواضح هنا وجود طائفتين فئة من رجال الدين كانت تتوفر على كتاب موسى ولا تبدي منه إلا القليل والفئة المخفى عنها من عامة الناس التي كانت لا تعلم من الكتاب إلا ما تظهره الفئة الأولى وبالتالي فقد كانت الغالبية الساحقة من القوم أمية بالفعل لجهلها بأغلب ما جاء في الكتاب باستثناء العناوين الكبرى السالفة الذكر ونستطيع تشبيه الأمر بحالة المسيحية التي ظل كتابها الديني محتكرا لعدة قرون من طرف رجال الدين ومحرما على عامة الشعب الذين كانوا لا يدركون من نصوصه إلا ما يتلى عليهم في الكنائس
وبالتالي عندما جاء النبي محمد بتفاصيل ما احتكره كهنة قومه فقد كان بالفعل آية وحجة إلهية عليهم خصوصا عندما صدقه وأيده أهل الكتاب أيضا
وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (196) أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ (197) سورة الشعراء
فخلاصة القول أن النبي محمد كان شخصا أميا 
الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ (157) سورة الأعراف
لا يزيد علمه عما تم تلقين عامة قومه من طرف رجال الدين
وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ (52) سورة الشورى
الذين كانوا يحتكرون كتاب النبي موسى الذي ورثوه عن آباءهم الذين كفروا برسالته من قبله 
لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (46) فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ (48) سورة القصص
وظلت ذريتهم في شك منه حتى لحظة نزول القرآن
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (110) سورة هود
والذي كانوا يأخذون منه ما لا يتعارض مع عقيدتهم المختلقة ويتجاهلون البقية كالنهي عن الشرك بالله
وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ (23) سورة الإسراء
والتأكيد على البعث
وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ (7) سورة الحج
ألخ
وهو ما يفسر تذكير القرآن بكتاب موسى بالذات لقوم الرسول في سور ما قبل الهجرة دون التوراة والإنجيل كتابي أهل الكتاب من اليهود والنصارى
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ (65) مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (67) سورة آل عمران
في أكثر من مناسبة 
وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا (12) سورة الأحقاق
أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً (17) سورة هود
قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (49) سورة القصص
أهدى منهما أي من القرآن وكتاب موسى الذي بين أيديهم بل حتى عندما روي لهم عن علم الجن بما سبق القرآن من كتاب فلم يشر سوى لكتاب موسى
قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ (30) سورة الأحقاق
مما يؤكد المكانة الخاصة التي حضي بها هذا الكتاب في تراث القوم وبالأخص رجال الدين
ويبقى السؤال المطروح هل ينطبق وصف أهل الكتاب على الفئة التي كانت مطلعة من قوم الرسول على كتاب موسى ؟ عمليا لا يمكننا وصفهم بأهل الكتاب لأنهم لم يؤمنوا ولم يعترفوا به
وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ (91) سورة الأنعام
 ونستطيع تشبيه حالتهم باليهودية والمسيحية التي اقتبست العديد من النصوص من الأديان الوثنية دون الإعتراف بهذه الأخيرة ودون أن يجعلهم ذلك من أهل هذه الأديان ونفس الشيء بالنسبة للمذاهب المنتسبة للإسلام التي اقتبست العديد من النصوص من العهدين القديم والجديد دون أن يصيروا أهل هذه الكتب
من الإعتراضات التي قد تطرح بعد هذه المستجدات إحتمال أن يكون الرسول محمد قد تتلمذ على يد أحد رجال الدين من قومه المطلع على كتاب موسى لكن هذا الإعتراض يسقط بسرعة لعدة أسباب منطقية أولها وأوضحها ذكر القرآن لأدق تفاصيل قصص الأنبياء الذين بعثوا بعد موسى وكتابه
ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (44) سورة آل عمران
عدم منطقية الإشارة إلى وجود كتاب ديني لدى فئة من القوم من منظور بشري في حالة إفتراء القرآن لأن ذلك سيفتح مباشرة باب التشكيك في إقتباس القرآن منه 
إستبعاد الكفار للفكرة من الأساس لعلمهم بناء على المعطيات التي كانت بين أيديهم لإستحالة إطلاع الرسول على ما يخفونه من كتاب حيث اقتصر إتهامهم على إقتباس الرسول للكتاب من قوم آخرين
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا (4) وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (5) سورة الفرقان
وفي الأخير في لم يغير إطلاع فئة من قوم الرسول محمد على كتاب موسى من آية إتيانه بالقرأن
وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51) سورة العنكبوت