بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
كثيرا ما نسمع من المدافعين عن الموروث الديني أو جزء منه أقوال مثل ما الذي يزعجكم في الصلوات الحالية أليس الأهم هو تذكر الله و ربط الصلة به يوميا سواء ثلاث أو خمس مرات ؟ من الأفضل للإنسان أن يصل أكبر عدد ممكن من الصلوات في اليوم أو أن يكتفي بثلاث ؟ لماذا تريدون زرع الفتنة و تشكيك الناس في دينهم و في الصلاة التي ألفوها و تشعرهم بالراحة و الطمأنينة و التي لم يثبت ضررها على من يواظب عليها في يوم من الأيام
عندما تطرح الأمور بهذه الطريقة قد تبدو منطقية للبعض لكن الحقيقية أنني لا أرى في مثل هذه الأقوال سوى محاولات لتبرير التشبث الشديد بموروث الآباء و الرفض الكلي لكل جديد و لو ثبت أنه حكم إلهي مشرع في الكتاب و هنا أستحضر الأمر الإلهي الواضح و الصريح
وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (36) سورة الأحزاب
الذي لا يترك أي مجال للإنسان للجدال في أوامر و أحكام الله الواضحة في القرآن لكن تبقى المصيبة الأكبر عندما توصف و تتهم أوامر الله البينة في الكتاب بإثارة الفتنة بين المسلمين كأننا نعيش في مجتمع إسلامي مثالي تسود فيه الأخلاق الإسلامية السامية و تنعدم فيه الرذيلة و الفاحشة و الإفساد في الأرض فجاء ما يسمونهم بمنكري السنة ليهدموا هذا المجتمع المثالي و بماذا ؟ بآيات الله البينات التي لم تطبق منذ قرون فيا للعجب !
فعندما يخبر عالم الغيوب في كتابه أنه أعلم من الإنسان
وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216) سورة البقرة
فليس من فراغ بل إنطلاقا من علمه المطلق بظروف الإنسان سواء في الماضي أو الحاضر أو المستقبل و بالتالي عندما يحدد أوقات خاصة لعبادات معينة فيجب الإنصياع لها و ليس الدفاع عن تحريف البشر لها خصوصا إذا أثبت واقعنا الملموس عدم ملائمة هذا التحريف لحياة الإنسان اليومية عندما يجبره على إيقاف عمله و إنتاجه كل يوم مرة أو مرتين من أجل صلاة يؤديها في الغالب و هو متسرع و مشغول بما تركه من عمل عكس الأوقات التي نص عليها القرآن التي تؤدى قبل بدأ الأشغال في وقت الغدو
وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ (28) سورة الكهف
المشتق من فعل غدا بمعنى ذهب
وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ (12) سورة سبأ
و الذي يشار به في الغالب إلى وقت الذهاب إلى الأشغال
فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ (21) أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ (22) فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ (23) أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (24) وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ (25) سورة القلم
و بعد العودة من الأشغال في وقت العشي
وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ (28) سورة الكهف
المشتق من فعل عشى الذي يشير إلى ترك الأشياء كترك الكفار لذكر الرحمن
وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) سورة الزخرف
و يطلق في الغالب على وقت ترك الأشغال و العودة إلى المنازل بالإضافة لصلاة قيام الليل التي تركها الله مفتوحة للعباد للإجتهاد حسب القدرة و الظروف
إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ (20) سورة القلم
حتى لا يؤثر ذلك على حيوية و مردود الإنسان المؤمن في أشغاله اليومية وقت النهار
يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4) إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5) إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا (6) إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا (7) سورة المزمل
الذي جعله اله تعالى معاشا
وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (11) سورة النبأ
ووقت إبتغاء فضل
وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (73) سورة القصص
بإستثناء طرفيه اللذان تم تخصيصهما للصلاة
وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ (114) سورة هود
فكما نرى فلا يوجد أنسب للإنسان من الأوقات التي فصلها له ربه في الكتاب و أن الزيادة في العدد لا يعني بالضرورة الزيادة في التقوى و القرب من الله خصوصا إذا كانت كانت المظاهر خادعة و كانت مدة هذه الصلوات لا تتعدى بضعة دقائق و لا يصل مجموعها لصلاة الطرف الواحد من النهار و أنا متأكد أنه لو طلب من أصحاب هذه الحجة إقامة الصلاة أكثر من خمس مرات في الكتاب لما فعلوا و لإخترعوا حجج جديدة للتشبث بنفس الصلاة الموروثة
فلو كان دعاة الإكثار من الصلاة صادقين مع أنفسهم لبينوا للناس في الكتاب و دعوهم لقيام الليالي الطوال في ذكر الرحمن
وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا (26) سورة الإنسان
و تدبر القرآن
يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4) سورة المزمل
و يبقى السؤال المطروح لهؤلاء لماذا أنزل الله القرآن ؟
كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (29) سورة ص
و لماذا يسره للذكر بغض النظر عن صعوبة فهمه في زمننا الحالي ؟
وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (17) سورة القمر
حتى يتدبر الجميع آياته ليل نهار و يصير دستور المؤمن المبين
وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ (89) سورة النحل
و نوره و صراطه المستقيم في الحياة
إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ (9) سورة الإسراء
الذي يمنعهم من إرتكاب الفواحش و الآثام
اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45) سورة العنكبوت
لنجد أنفسنا أمام السؤال التالي لماذا لا تنهى الصلاة الحالية أغلب أتباع المذاهب عن الفحشاء و المنكر ؟ لماذا نجدهم أبعد الناس عن تعاليم القرآن ؟ كيف نريد ممن لا يعلم من القرآن سوى السور القصيرة كالمعوذتين و سورة الخلاص و الزلزلة و القارعة ألخ أن يعمل بتعاليم يجهلها ؟ ففاقد لاشيء لا يعطيه فهل يستوي من يقضي الليالي الطوال في تلاوة و دراسة مختلف سور القرآن بمن يكتفي بما يتلوه عليه إمام المسجد من سور و أجزاء قصيرة لا تتعدى واحد بالمئة من مضمون القرآن ؟ فأغلب الناس ممن يصلون الخمس صلوات لا يعلمون من القرآن إلا اليسير بل لا يستطيعون التمييز بين القرآن و الحديث و هذه هي الطامة الكبرى فحتى الصلاة لم يتكرها سلف المذاهب في صورتها الصحيحة فقاموا بتقليصها إلى مدة لا تسمح للمؤمن بالتعمق في دراسة و تدبر مختلف سور القرآن و من يدري ربما كانت هذه حيلة لإبعاد الناس عن كتاب الله حتى يجعلوا منهم أميين لا يعلمون الكتاب و لا يجرؤون على محاججة من أسموهم بالعلماء
وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (76) سورة البقرة
عكس الصلاة القرآنية التي يسمح وقتها الطويل بل يجبر المؤمن على تلاوة جزء هام من القرآن فيجد نفسه كل يوم أمام نداء متكرر لنبذ مختلف المعاصي التي يتركبها في حياته اليومية
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ (29) سورة النساء
وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ (152) سورة الأنعام
وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا (152) سورة الأنعام
وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى (152) سورة الأنعام
وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) سورة الأنعام
وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ (151) سورة الأنعام
الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (37) سورة النساء
و يدرك مع مرور الوقت أن لا معنى لصلاته بدون الإلتزام بهذه الأوامر و تطبيقها على أرض الواقع وهذا هو المعنى الحقيقي لنهي الصلاة عن الفحشاء و المنكر
قد يقول قائل قد يصلي الإنسان الصلوات المذهبية و يداوم في نفس الوقت على تلاوة و حفظ القرآن لكن هل هل تستوي العبادة الفرض التي لا يستطيع المؤمن تركها بالتطوع الذي يبقى رهين برغبة الإنسان في الإجتهاد ؟ كم نسبة المصلين الذين يقرأون القرآن خارج صلواتهم المكتوبة ؟ و كم نسبة الذين يداومون منهم على تلاوة القرآن ؟
من أكثر الحجج المعتمدة عند دعاة الصلاة المذهبية لومهم على تفريط من أنكر صلاتهم لما يسمى بصلاة الجمعة و خطبتها الاسبوعية المليئة بالمواعظ و الشروحات القيمة لدين الله على حد زعمهم دون أن يدركوا مدى خطورة هذا القول و غرابته في نفس الوقت فهل يحتاج المرأ بالفعل لبيان و موعظة الناس خارج بيان و موعظة الرحمن في الكتاب ؟
هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (138) سورة آل عمران
من الأكثر موعظة و بيان قول وسطاء البشر أم موعظة و بيان الله المباشرة في الكتاب ؟
كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187) سورة البقرة
من أصدق الأقوال قيلا قول الله المباشر في الكتاب
وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا (87) سورة النساء
وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا (122) سورة النساء
أم أقوال البشر التي تبقى عرضة للخطأ و الكذب و إتباع الأهواء
فالإعتقاد الخاطئ بأن خطب الفقهاء أكثر أهمية من قول الله في القرآن ضرب من الهرطقة و يوضح بالملموس إلى أي درجة إستطاع كهنوت المذاهب غسل دماغ الناس و إقناعهم بحجية أغرب الأشياء و أبعدها عن المنطق
الناس تعتقد أن الإيمان يتمثل في الإيمان بالله و رسوله و برسالة القرآن الذي يبقى إيمان مكتسب و موروث في حقيقة الأمر رغم إستحالة الإيمان بالكتاب دون الإيمان بما جاء فيه من أوامر و أحكام
وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (43) سورة المائدة
فليحذر كل من ينهى الناس عن أحكام و آيات الله البينة في الكتاب نصرة لدين آباءه أن يكون ممن قال عنهم رب العزة
إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) سورة البقرة
فهل الأمر يستحق كل هذه المغامرة بالنفس و المصير ؟ لماذا لا نترك الحكم للكتاب و نعفي أنفسنا من هذه المسؤولية فإن أصابنا فذلك ما نبغي و إن أخطأنا في شيء فحجتنا يوم القيامة أننا إلتزمنا بالكتاب فما هي حجة من إعتمد على غيره ؟
عندما تطرح الأمور بهذه الطريقة قد تبدو منطقية للبعض لكن الحقيقية أنني لا أرى في مثل هذه الأقوال سوى محاولات لتبرير التشبث الشديد بموروث الآباء و الرفض الكلي لكل جديد و لو ثبت أنه حكم إلهي مشرع في الكتاب و هنا أستحضر الأمر الإلهي الواضح و الصريح
وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (36) سورة الأحزاب
الذي لا يترك أي مجال للإنسان للجدال في أوامر و أحكام الله الواضحة في القرآن لكن تبقى المصيبة الأكبر عندما توصف و تتهم أوامر الله البينة في الكتاب بإثارة الفتنة بين المسلمين كأننا نعيش في مجتمع إسلامي مثالي تسود فيه الأخلاق الإسلامية السامية و تنعدم فيه الرذيلة و الفاحشة و الإفساد في الأرض فجاء ما يسمونهم بمنكري السنة ليهدموا هذا المجتمع المثالي و بماذا ؟ بآيات الله البينات التي لم تطبق منذ قرون فيا للعجب !
فعندما يخبر عالم الغيوب في كتابه أنه أعلم من الإنسان
وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216) سورة البقرة
فليس من فراغ بل إنطلاقا من علمه المطلق بظروف الإنسان سواء في الماضي أو الحاضر أو المستقبل و بالتالي عندما يحدد أوقات خاصة لعبادات معينة فيجب الإنصياع لها و ليس الدفاع عن تحريف البشر لها خصوصا إذا أثبت واقعنا الملموس عدم ملائمة هذا التحريف لحياة الإنسان اليومية عندما يجبره على إيقاف عمله و إنتاجه كل يوم مرة أو مرتين من أجل صلاة يؤديها في الغالب و هو متسرع و مشغول بما تركه من عمل عكس الأوقات التي نص عليها القرآن التي تؤدى قبل بدأ الأشغال في وقت الغدو
وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ (28) سورة الكهف
المشتق من فعل غدا بمعنى ذهب
وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ (12) سورة سبأ
و الذي يشار به في الغالب إلى وقت الذهاب إلى الأشغال
فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ (21) أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ (22) فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ (23) أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (24) وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ (25) سورة القلم
و بعد العودة من الأشغال في وقت العشي
وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ (28) سورة الكهف
المشتق من فعل عشى الذي يشير إلى ترك الأشياء كترك الكفار لذكر الرحمن
وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) سورة الزخرف
و يطلق في الغالب على وقت ترك الأشغال و العودة إلى المنازل بالإضافة لصلاة قيام الليل التي تركها الله مفتوحة للعباد للإجتهاد حسب القدرة و الظروف
إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ (20) سورة القلم
حتى لا يؤثر ذلك على حيوية و مردود الإنسان المؤمن في أشغاله اليومية وقت النهار
يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4) إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5) إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا (6) إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا (7) سورة المزمل
الذي جعله اله تعالى معاشا
وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (11) سورة النبأ
ووقت إبتغاء فضل
وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (73) سورة القصص
بإستثناء طرفيه اللذان تم تخصيصهما للصلاة
وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ (114) سورة هود
فكما نرى فلا يوجد أنسب للإنسان من الأوقات التي فصلها له ربه في الكتاب و أن الزيادة في العدد لا يعني بالضرورة الزيادة في التقوى و القرب من الله خصوصا إذا كانت كانت المظاهر خادعة و كانت مدة هذه الصلوات لا تتعدى بضعة دقائق و لا يصل مجموعها لصلاة الطرف الواحد من النهار و أنا متأكد أنه لو طلب من أصحاب هذه الحجة إقامة الصلاة أكثر من خمس مرات في الكتاب لما فعلوا و لإخترعوا حجج جديدة للتشبث بنفس الصلاة الموروثة
فلو كان دعاة الإكثار من الصلاة صادقين مع أنفسهم لبينوا للناس في الكتاب و دعوهم لقيام الليالي الطوال في ذكر الرحمن
وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا (26) سورة الإنسان
و تدبر القرآن
يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4) سورة المزمل
و يبقى السؤال المطروح لهؤلاء لماذا أنزل الله القرآن ؟
كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (29) سورة ص
و لماذا يسره للذكر بغض النظر عن صعوبة فهمه في زمننا الحالي ؟
وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (17) سورة القمر
حتى يتدبر الجميع آياته ليل نهار و يصير دستور المؤمن المبين
وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ (89) سورة النحل
و نوره و صراطه المستقيم في الحياة
إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ (9) سورة الإسراء
الذي يمنعهم من إرتكاب الفواحش و الآثام
اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45) سورة العنكبوت
لنجد أنفسنا أمام السؤال التالي لماذا لا تنهى الصلاة الحالية أغلب أتباع المذاهب عن الفحشاء و المنكر ؟ لماذا نجدهم أبعد الناس عن تعاليم القرآن ؟ كيف نريد ممن لا يعلم من القرآن سوى السور القصيرة كالمعوذتين و سورة الخلاص و الزلزلة و القارعة ألخ أن يعمل بتعاليم يجهلها ؟ ففاقد لاشيء لا يعطيه فهل يستوي من يقضي الليالي الطوال في تلاوة و دراسة مختلف سور القرآن بمن يكتفي بما يتلوه عليه إمام المسجد من سور و أجزاء قصيرة لا تتعدى واحد بالمئة من مضمون القرآن ؟ فأغلب الناس ممن يصلون الخمس صلوات لا يعلمون من القرآن إلا اليسير بل لا يستطيعون التمييز بين القرآن و الحديث و هذه هي الطامة الكبرى فحتى الصلاة لم يتكرها سلف المذاهب في صورتها الصحيحة فقاموا بتقليصها إلى مدة لا تسمح للمؤمن بالتعمق في دراسة و تدبر مختلف سور القرآن و من يدري ربما كانت هذه حيلة لإبعاد الناس عن كتاب الله حتى يجعلوا منهم أميين لا يعلمون الكتاب و لا يجرؤون على محاججة من أسموهم بالعلماء
وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (76) سورة البقرة
عكس الصلاة القرآنية التي يسمح وقتها الطويل بل يجبر المؤمن على تلاوة جزء هام من القرآن فيجد نفسه كل يوم أمام نداء متكرر لنبذ مختلف المعاصي التي يتركبها في حياته اليومية
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ (29) سورة النساء
وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ (152) سورة الأنعام
وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا (152) سورة الأنعام
وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى (152) سورة الأنعام
وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) سورة الأنعام
وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ (151) سورة الأنعام
الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (37) سورة النساء
و يدرك مع مرور الوقت أن لا معنى لصلاته بدون الإلتزام بهذه الأوامر و تطبيقها على أرض الواقع وهذا هو المعنى الحقيقي لنهي الصلاة عن الفحشاء و المنكر
قد يقول قائل قد يصلي الإنسان الصلوات المذهبية و يداوم في نفس الوقت على تلاوة و حفظ القرآن لكن هل هل تستوي العبادة الفرض التي لا يستطيع المؤمن تركها بالتطوع الذي يبقى رهين برغبة الإنسان في الإجتهاد ؟ كم نسبة المصلين الذين يقرأون القرآن خارج صلواتهم المكتوبة ؟ و كم نسبة الذين يداومون منهم على تلاوة القرآن ؟
من أكثر الحجج المعتمدة عند دعاة الصلاة المذهبية لومهم على تفريط من أنكر صلاتهم لما يسمى بصلاة الجمعة و خطبتها الاسبوعية المليئة بالمواعظ و الشروحات القيمة لدين الله على حد زعمهم دون أن يدركوا مدى خطورة هذا القول و غرابته في نفس الوقت فهل يحتاج المرأ بالفعل لبيان و موعظة الناس خارج بيان و موعظة الرحمن في الكتاب ؟
هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (138) سورة آل عمران
من الأكثر موعظة و بيان قول وسطاء البشر أم موعظة و بيان الله المباشرة في الكتاب ؟
كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187) سورة البقرة
من أصدق الأقوال قيلا قول الله المباشر في الكتاب
وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا (87) سورة النساء
وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا (122) سورة النساء
أم أقوال البشر التي تبقى عرضة للخطأ و الكذب و إتباع الأهواء
فالإعتقاد الخاطئ بأن خطب الفقهاء أكثر أهمية من قول الله في القرآن ضرب من الهرطقة و يوضح بالملموس إلى أي درجة إستطاع كهنوت المذاهب غسل دماغ الناس و إقناعهم بحجية أغرب الأشياء و أبعدها عن المنطق
الناس تعتقد أن الإيمان يتمثل في الإيمان بالله و رسوله و برسالة القرآن الذي يبقى إيمان مكتسب و موروث في حقيقة الأمر رغم إستحالة الإيمان بالكتاب دون الإيمان بما جاء فيه من أوامر و أحكام
وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (43) سورة المائدة
فليحذر كل من ينهى الناس عن أحكام و آيات الله البينة في الكتاب نصرة لدين آباءه أن يكون ممن قال عنهم رب العزة
إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) سورة البقرة
فهل الأمر يستحق كل هذه المغامرة بالنفس و المصير ؟ لماذا لا نترك الحكم للكتاب و نعفي أنفسنا من هذه المسؤولية فإن أصابنا فذلك ما نبغي و إن أخطأنا في شيء فحجتنا يوم القيامة أننا إلتزمنا بالكتاب فما هي حجة من إعتمد على غيره ؟