بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
من أكثر الأحكام المثيرة للجدل خصوصا في زمننا المعاصر دعوى القرآن إلى التبرئ و عدم ولاية الكفار الذي يرى فيه البعض دليلا واضحا على محدودية الدين الإسلامي و عدم قدرته على مسايرة واقع التطور البشري الذي فرض ضرورة التعايش و التعاون بين مختلف الأعراق و الأديان
فعندما يطلع الإنسان المؤمن المخلص لدين ربه على مثل هذه النصوص
اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257) سورة البقرة
التي تصف من لا يؤمن برسالة القرآن بأولياء الطاغوت و الشيطان الذين يستلزم قتالهم
الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا (76) سورة النساء
و عدم موالتهم
لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (28) سورة آل عمران
فسيجد نفسه في حيرة و مأزق خصوصا إذا كان يعيش في مجتمع مليء باليهود و المسيحيين
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) سورة المائدة
و ستزداد حيرته عندما يجد نفسه مجبرا على عدم ولاية أقرب المقربين إليه إن كانوا على دين غير الإسلام
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (23) سورة التوبة
نصوص واضحة و حاسمة في الأمر لا تدع أي مجال للجدل لكن تبقى المشكلة الأساسية التي تعترض فهم النصوص القرآنية على وجهها الأصح في سوء فهم و إستعمال بعض المصطلحات القرآنية الموروثة أبا عن جد من سلف المذاهب و كمثل الإعتقاد الخاطئ بأن الأسماء المعرفة بالألف و اللام تشير لعموم الأقوام المخاطبة و كمثال إستشهاد البعض بهذا النص
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ (51) سورة المائدة
لإعلان العداء و الكره على جميع اليهود و المسيحين بدون إستثناء و مع ذلك يحلون لأنفسهم الزواج من نساءهم ! رغم ثناء تتمة سياق نفس السورة على النصارى في أكثر من موضع
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (69) سورة المائدة
لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (82) سورة المائدة
و هو ما دفع بالمشككين إلى إتهام القرآن بالتناقض إدعاء ينفيه تكرر هذه الظاهرة في العديد من المواضع القرآنية و يؤكد في نفس الوقت أن الأسماء المعرفة بالألف و اللام لا تشير بالضرورة إلى العموم كما سبق التوضيح في مقال
تصحيح الفهم المغلوط لخطاب القرآن للأمم الغير مسلمة
مما يلزم المؤمن الأخذ بعين الإعتبار سياق النصوص التي تأمر بعدم موالاة الغير لتحديد هوية المخاطبين و عدم السقوط مباشرة في فخ التعميم مثلما لا يجب السقوط في فخ تكفير كل من لا يؤمن برسالة القرآن خصوصا إذا لم تصله في وجهها الأصح كما هو الشأن في زمننا الحالي الذي لبس فيه الحق الباطل
وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42) سورة البقرة
و تم تقديم دين المذاهب البشري على أنه دين الله الخالص و قد سبق التطرق لهذه النقطة بالتفصيل في مقال
مصير الغير مؤمنين في الإسلام
فلا مجال للمقارنة بين من كفر و أنكر آيات الله البينات
فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (13) وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14) سورة النمل
في زمن الأنبياء
وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (101) سورة آل عمران
و من لم تصله رسالة القرآن من الأساس أو وصلته بشكل مشوه كما هو الشأن بالنسبة لأغلب أمم الأرض
تتخلف الآراء بخصوص مفهوم الولاية في نصوص القرآن بين النصرة و القرب و الحب و الطاعة والتتبع ألخ مع أن بعض هذه الآراء تصطدم بإخبار القرآن لتولي الله للمؤمنين
إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196) سورة الأعراف
مما يؤكد أن الولاية عبارة عن علاقة بين طرفين و ليست من طرف واحد فقط
وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ (73) سورة الأنفال
علاقة تلزم الطرفين معا على نصرة بعضهما البعض كما يوضح هذا الحكم القرآني
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72) سورة الأنفال
الذي ألزم المؤمنين المهاجرين على ولاية بعضهم البعض على خلاف الذين لم يهاجروا الذين لا نصرة لهم إلا في حالة تعرضهم للإضطهاد الديني و هو ما يوصف في لغتنا الحديثة بالتحالف مصطلح يرمز إلى الإتحاد بين الأمم و القبائل بغية مصلحة مشتركة كما كان الشأن بالنسبة للأحزاب التي حاربت المؤمنين برسالة محمد في زمن البعثة
وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (22) سورة الأحزاب
الذين دفعهم خطر هذه الأخيرة على أديانهم
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33) سورة التوبة
إلى إعلان الحرب على المؤمنين
أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ (40) سورة الحج
حرب كانت تهدف بالأساس إلى قمع دين الله و دفع رعاياها السابقين إلى العودة إلى دين النشأة
وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا (217) سورة البقرة
و على الرغم من تبني هذه الأحزاب لمعتقدات مختلفة كإيمان بعضهم ما جاء في القرآن
وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ (36) سورة الرعد
فقد دفعهم الخطر المشترك إلى التحالف و التعاون
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ (51) سورة المائدة
رغم إختلافهم العقائدي
وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ (113) سورة البقرة
و بالتالي عندما ينهى القرآن عن ولاية الكفار فهو ينهى في حقيقة الأمر عن الدخول في تحالفهم ضد المؤمنين
الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ (3) سورة المائدة
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52) سورة المائدة
و يبقى القاسم المشترك بين هذا النص و جميع النصوص التي نهت عن تولي الكفار هو نزولها في سور و سياقات تتطرق للحرب بين الكفار و المؤمنين
انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (41) سورة التوبة
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (23) قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24) سورة التوبة
و بالتالي عندما ينهى القرآن عن تولي الآباء و الأقارب فهو ينهى عن الدخول في حلفهم المعادي للإسلام و ليس معادتهم كأشخاص و الدليل أمر الله الواضح بمصاحبتهم بالمعروف في حالة شركهم و كفرهم
وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15) سورة لقمان
و هو ما يتجلى بوضوح و أكثر تفصيل و دقة في قوله تعالى
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (14) سورة المجادلة
لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ (22) سورة المجادلة
نفس الشيء في قوله تعالى
وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (121) سورة آل عمران
لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ (28) سورة آل عمران
الذي يؤكد وجود حلفين متحاربين يستحيل تولي أحدهما دون معاداة الآخر
سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا (91) سورة النساء
و سنجد القول الفصل و الحكم اليقين في سورة الممتحنة
لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9) سورة الممتحنة
الذي يظهر بما لا يدع مجال للشك أن تحريم التحالف مع الكفار مقتصر على من حارب و تحالف ضد دين الله و يدعو في نفس الوقت إلى حسن التعامل مع الكفار المحايدين و بالتالي فلا داعي لتكرار نفس القول و الإستثناء في كل موضع قرآني يدعوا لعدم مولاة الكفار المعتدين لكن دعاة الإجرام و هواة الإصطياد في الماء العكر يعشقون الإستشهاد بالنصوص الخاصة بحالات معينة لجعلها أحكام عامة و يجعلون من الأحكام العامة أحكام مؤقتة ملغية بحكم النسخ
{ لَا يَنْهَاكُمْ اللَّه } . .. الْآيَة , فَقَالَ : هَذَا قَدْ نُسِخَ , نَسَخَهُ الْقِتَال , أُمِرُوا أَنْ يَرْجِعُوا إِلَيْهِمْ بِالسُّيُوفِ , وَيُجَاهِدُوهُمْ بِهَا , يَضْرِبُونَهُمْ , وَضَرَبَ اللَّه لَهُمْ أَجَل أَرْبَعَة أَشْهُر , إِمَّا الْمُذَابَحَة , وَإِمَّا الْإِسْلَام . 26308 - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله { لَا يَنْهَاكُمْ اللَّه } . .. الْآيَة , قَالَ : نَسَخَتْهَا { اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ }
قوله تعالى { لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين } فيه ثلاث مسائل: الأولى: هذه الآية رخصة من الله تعالى في صلة الذين لم يعادوا المؤمنين ولم يقاتلوهم. قال ابن زيد : كان هذا في أول الإسلام عند الموادعة وترك الأمر بالقتال ثم نسخ. قال قتادة : نسختها { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم }
فمثل هذه التفاسير هي سبب الداء و مصدر كراهية الآخر المنسوبة للإسلام بهتانا و زورا و ليس كتاب الله الذي لم يدعوا لمعادة سوى من أعلن الحرب على الإسلام
و نفس ما قيل على الولاء يقال على البراء عندما جعل أمر خاص بطائفة من المشركين كانت لها عهود مع المؤمنين
بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (1) سورة التوبة
بسبب نكثهم لهذه الأخيرة
وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (12) سورة التوبة
و غدرهم بالمؤمنين
أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ (13) سورة التوبة
حكما عاما على كل مشرك في كل زمان و مكان
{ فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } أي من الأرض، وهذا عام،
{ فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين } . وهذه الآية الكريمة هي آية السيف التي قال فيها الضحاك: إنها نسخت كل عهد بين النبي صلى اللّه عليه وسلم وبين أحد من المشركين وكل عقد وكل مدة. وقال ابن عباس في هذه الآية: أمره اللّه تعالى أن يضع السيف فيمن عاهد إن لم يدخلوا في الإسلام، ونقض ما كان سمي لهم من العهد والمواثيق، دون أية مراعاة لما ذكر في نفس السياق من وصايا تستثني من أوفى بعهده من المشركين
إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (4) سورة التوبة
كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (7) سورة التوبة
أليست هذه أفعال الشياطين التي تتعمد تحريف كلام الله بإقتطاع بعض الجمل من سياقها لإستخراج أحكام كاذبة بغية إلغاء كل ما جاء في دين الله من عفو و تسامح و تصوير الإسلام على أنه دين دموي لا يعرف الرحمة و لا الشفقة
و لمزيد من التفاصيل و يمكن العودة لمقالات سباقة
كيف غيرت سورة التوبة مجرى تاريخ الإسلام
تبرئة الدين الإسلامي من الجرائم المنسوبة إليه
فحان الوقت لتصحيح هذه العقيدة المحرفة التي تدعو للكراهية و العزلة و تقسيم أهل الأرض إلى قسمين التي تعد من العوامل المساهمة في صناعة الجماعات الإجرامية المنتسبة للإسلام
فعندما يطلع الإنسان المؤمن المخلص لدين ربه على مثل هذه النصوص
اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257) سورة البقرة
التي تصف من لا يؤمن برسالة القرآن بأولياء الطاغوت و الشيطان الذين يستلزم قتالهم
الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا (76) سورة النساء
و عدم موالتهم
لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (28) سورة آل عمران
فسيجد نفسه في حيرة و مأزق خصوصا إذا كان يعيش في مجتمع مليء باليهود و المسيحيين
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) سورة المائدة
و ستزداد حيرته عندما يجد نفسه مجبرا على عدم ولاية أقرب المقربين إليه إن كانوا على دين غير الإسلام
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (23) سورة التوبة
نصوص واضحة و حاسمة في الأمر لا تدع أي مجال للجدل لكن تبقى المشكلة الأساسية التي تعترض فهم النصوص القرآنية على وجهها الأصح في سوء فهم و إستعمال بعض المصطلحات القرآنية الموروثة أبا عن جد من سلف المذاهب و كمثل الإعتقاد الخاطئ بأن الأسماء المعرفة بالألف و اللام تشير لعموم الأقوام المخاطبة و كمثال إستشهاد البعض بهذا النص
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ (51) سورة المائدة
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (69) سورة المائدة
لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (82) سورة المائدة
و هو ما دفع بالمشككين إلى إتهام القرآن بالتناقض إدعاء ينفيه تكرر هذه الظاهرة في العديد من المواضع القرآنية و يؤكد في نفس الوقت أن الأسماء المعرفة بالألف و اللام لا تشير بالضرورة إلى العموم كما سبق التوضيح في مقال
تصحيح الفهم المغلوط لخطاب القرآن للأمم الغير مسلمة
مما يلزم المؤمن الأخذ بعين الإعتبار سياق النصوص التي تأمر بعدم موالاة الغير لتحديد هوية المخاطبين و عدم السقوط مباشرة في فخ التعميم مثلما لا يجب السقوط في فخ تكفير كل من لا يؤمن برسالة القرآن خصوصا إذا لم تصله في وجهها الأصح كما هو الشأن في زمننا الحالي الذي لبس فيه الحق الباطل
وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42) سورة البقرة
و تم تقديم دين المذاهب البشري على أنه دين الله الخالص و قد سبق التطرق لهذه النقطة بالتفصيل في مقال
مصير الغير مؤمنين في الإسلام
فلا مجال للمقارنة بين من كفر و أنكر آيات الله البينات
فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (13) وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14) سورة النمل
في زمن الأنبياء
وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (101) سورة آل عمران
و من لم تصله رسالة القرآن من الأساس أو وصلته بشكل مشوه كما هو الشأن بالنسبة لأغلب أمم الأرض
لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (6) سورة يس
نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (3) سورة يوسف
و مع ذلك لا يجوز لنا الجزم بتحريم ولاية جميع الكفار الرافضين للحقيقية دون التأكد من الأمر في نصوص القرآن لكن قبل ذلك دعنا نحدد أولا مفهوم الولاية في لغة القرآن بشكل دقيق تتخلف الآراء بخصوص مفهوم الولاية في نصوص القرآن بين النصرة و القرب و الحب و الطاعة والتتبع ألخ مع أن بعض هذه الآراء تصطدم بإخبار القرآن لتولي الله للمؤمنين
إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196) سورة الأعراف
مما يؤكد أن الولاية عبارة عن علاقة بين طرفين و ليست من طرف واحد فقط
وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ (73) سورة الأنفال
علاقة تلزم الطرفين معا على نصرة بعضهما البعض كما يوضح هذا الحكم القرآني
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72) سورة الأنفال
الذي ألزم المؤمنين المهاجرين على ولاية بعضهم البعض على خلاف الذين لم يهاجروا الذين لا نصرة لهم إلا في حالة تعرضهم للإضطهاد الديني و هو ما يوصف في لغتنا الحديثة بالتحالف مصطلح يرمز إلى الإتحاد بين الأمم و القبائل بغية مصلحة مشتركة كما كان الشأن بالنسبة للأحزاب التي حاربت المؤمنين برسالة محمد في زمن البعثة
وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (22) سورة الأحزاب
الذين دفعهم خطر هذه الأخيرة على أديانهم
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33) سورة التوبة
إلى إعلان الحرب على المؤمنين
أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ (40) سورة الحج
حرب كانت تهدف بالأساس إلى قمع دين الله و دفع رعاياها السابقين إلى العودة إلى دين النشأة
وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا (217) سورة البقرة
و على الرغم من تبني هذه الأحزاب لمعتقدات مختلفة كإيمان بعضهم ما جاء في القرآن
وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ (36) سورة الرعد
فقد دفعهم الخطر المشترك إلى التحالف و التعاون
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ (51) سورة المائدة
رغم إختلافهم العقائدي
وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ (113) سورة البقرة
و بالتالي عندما ينهى القرآن عن ولاية الكفار فهو ينهى في حقيقة الأمر عن الدخول في تحالفهم ضد المؤمنين
الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ (3) سورة المائدة
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52) سورة المائدة
و يبقى القاسم المشترك بين هذا النص و جميع النصوص التي نهت عن تولي الكفار هو نزولها في سور و سياقات تتطرق للحرب بين الكفار و المؤمنين
انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (41) سورة التوبة
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (23) قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24) سورة التوبة
و بالتالي عندما ينهى القرآن عن تولي الآباء و الأقارب فهو ينهى عن الدخول في حلفهم المعادي للإسلام و ليس معادتهم كأشخاص و الدليل أمر الله الواضح بمصاحبتهم بالمعروف في حالة شركهم و كفرهم
وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15) سورة لقمان
و هو ما يتجلى بوضوح و أكثر تفصيل و دقة في قوله تعالى
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (14) سورة المجادلة
لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ (22) سورة المجادلة
نفس الشيء في قوله تعالى
وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (121) سورة آل عمران
لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ (28) سورة آل عمران
الذي يؤكد وجود حلفين متحاربين يستحيل تولي أحدهما دون معاداة الآخر
سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا (91) سورة النساء
و سنجد القول الفصل و الحكم اليقين في سورة الممتحنة
لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9) سورة الممتحنة
الذي يظهر بما لا يدع مجال للشك أن تحريم التحالف مع الكفار مقتصر على من حارب و تحالف ضد دين الله و يدعو في نفس الوقت إلى حسن التعامل مع الكفار المحايدين و بالتالي فلا داعي لتكرار نفس القول و الإستثناء في كل موضع قرآني يدعوا لعدم مولاة الكفار المعتدين لكن دعاة الإجرام و هواة الإصطياد في الماء العكر يعشقون الإستشهاد بالنصوص الخاصة بحالات معينة لجعلها أحكام عامة و يجعلون من الأحكام العامة أحكام مؤقتة ملغية بحكم النسخ
تفسير الطبري
تفسير القرطبي
فمثل هذه التفاسير هي سبب الداء و مصدر كراهية الآخر المنسوبة للإسلام بهتانا و زورا و ليس كتاب الله الذي لم يدعوا لمعادة سوى من أعلن الحرب على الإسلام
و نفس ما قيل على الولاء يقال على البراء عندما جعل أمر خاص بطائفة من المشركين كانت لها عهود مع المؤمنين
بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (1) سورة التوبة
بسبب نكثهم لهذه الأخيرة
وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (12) سورة التوبة
و غدرهم بالمؤمنين
أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ (13) سورة التوبة
حكما عاما على كل مشرك في كل زمان و مكان
تفسير بن كثير
{ فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين } . وهذه الآية الكريمة هي آية السيف التي قال فيها الضحاك: إنها نسخت كل عهد بين النبي صلى اللّه عليه وسلم وبين أحد من المشركين وكل عقد وكل مدة. وقال ابن عباس في هذه الآية: أمره اللّه تعالى أن يضع السيف فيمن عاهد إن لم يدخلوا في الإسلام، ونقض ما كان سمي لهم من العهد والمواثيق، دون أية مراعاة لما ذكر في نفس السياق من وصايا تستثني من أوفى بعهده من المشركين
إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (4) سورة التوبة
كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (7) سورة التوبة
أليست هذه أفعال الشياطين التي تتعمد تحريف كلام الله بإقتطاع بعض الجمل من سياقها لإستخراج أحكام كاذبة بغية إلغاء كل ما جاء في دين الله من عفو و تسامح و تصوير الإسلام على أنه دين دموي لا يعرف الرحمة و لا الشفقة
و لمزيد من التفاصيل و يمكن العودة لمقالات سباقة
كيف غيرت سورة التوبة مجرى تاريخ الإسلام
تبرئة الدين الإسلامي من الجرائم المنسوبة إليه
فحان الوقت لتصحيح هذه العقيدة المحرفة التي تدعو للكراهية و العزلة و تقسيم أهل الأرض إلى قسمين التي تعد من العوامل المساهمة في صناعة الجماعات الإجرامية المنتسبة للإسلام
تعليقات
إرسال تعليق