العبادات في المناطق القطبية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ


هل القرآن كتاب منزل من خالق السماوات و الأرض ؟ و إن كان كذلك هل يعقل أن يجهل خالق الكون أبسط الحقائق العلمية و الجغرافية لهذه الكوكب القزم و لا يدرك أن أوقات العبادات المذكورة في القرآن لا تتناسب مع جميع المناطق الجغرافية لهذه الأرض ! 
هكذا يعرض منتقدي الإسلام شبهاتهم بلا رأفة و لا رحمة بمشاعر و معتقدات الناس الذين إن لم يكونوا مسلحين بسلاح العلم و الدراسة الدقيقية لكتاب ربهم فسيكونون عرضة لسهام الشك و الريبة من دين ربهم خصوصا مع غياب الرد المقنع من شيوخ المذاهب على مثل هذه الشبهات و إكتفائهم بالترقيع و الإختلاف في الآراء و الفتاوي 
و في مثل هذه الحالات عندما تبدوا نصوص القرآن متعارضة مع أوضح الحقائق العلمية فيجب إعادة النظر في ثوابت القرآن نفسها و مدى فهمنا لها و ليس الإكتفاء بالترقيع في محاولة يائسة لطمس ما لا يمكن إخفاءه ولعل أبرز قاعدة قرآنية سيء فهمها هي محاولة تطبيق الأحكام القرآنية بشكل حرفي في كل زمان و مكان رغم إقتصار الأمر على مجتمع الرسول فقط 
فكما سبق التوضيح في موضوع
هل القرآن صالح لكل زمان و مكان ؟
فيبقى القرآن في المقام الأول كتاب أمثال 
وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (34)  سورة النور
و تفصيله عبارة عن ضرب هذه الأمثال للناس
ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (28)  سورة الروم
لتكون عبرة و مثال يحتذى به و في نفس الوقت العمل به حسب الظروف المعاصرة لكل زمان و مكان 
و عندما نتطرق لموضوع العبادات فإن أول ما يتبادر إلى الدهن هو الصلاة أحد أهم ركائز الإسلام إن لم تكن أهمها على الإطلاق كيف لا و هي همزة الوصل اليومية بين العبد و ربه و السبيل المستمر الذي ينهى الإنسان عن الفحشاء و المنكر
اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45)  سورة العنكبوت
و قد خص بها رب العزة أنبياءه المكرمين و أقوامهم بأوقات معينة سبقت الإشارة إليها في موضوع
عدد الصلوات في كتاب الله
سواء في زمن النبي زكريا
فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (11)  سورة مريم
أو زمن النبي داوود
إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ (18)  سورة ص
و بطبيعة الحال زمن النبي محمد
وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114)  سورة هود
الذي أمره الله تعالى بتأدية الصلاة في طرفي النهار اللذان يقدران بحوالي 40-50 دقيقة حسب الفصول في منطقة البعثة المحمدية بالإضافة لصلاة قيام الليل التي تركها الله مفتوحة حسب قدرة العباد
إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (20)  سورة المزمل
طبعا على المؤمنين الإلتزام بهذه الأوقات قدر الإمكان لكن ماذا عن من لم تسعفه الظروف لتأدية الصلاة في هذه الأوقات ؟ 
يصر المدافعون على فكرة التطبيق الحرفي للنص للقرآني على ملائمة الأوامر التشريعية الموجهة لقوم الرسول لكل زمان و مكان لكن ماذا سنفعل عندما نصطدم بمثل هذه الآيات
أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78)  سورة الإسراء
التي تأمرنا بالحرف بتأدية الصلاة من دلوك الشمس إلى غسق الليل و التي لو حرصنا على تأديتها حرفيا في القطب الشمالي فسنصلي مرة وحيدة طيلة العام كون الشمس لا تغرب في القطب الشمالي إلا مرة واحدة في العام
و التي لو داومنا على تأديتها في مناطق قريبة من القطبين فسنضطر للصلاة عدة ساعات في اليوم لفترات طويلة من العام و يمكن التأكد من ذلك في موقع 
مواقيت الساعة الزرقاء
الذي يحدد مواقيت طرفي النهار في جميع بقاع العالم و على سبيل المثال مدينة Reykjavik الإسلاندية التي يمتد فيها طول طرفي النهار في فصل الخريف المتزامن مع كتابة هذا الموضوع إلى ساعة و نصف لكل طرف أي ضعف مدة الصلاة في منطقة الشرق الأوسط و سيزداد الأمر سوء في فصل الشتاء حيث ستصبح مدة الصلاة في كل طرف أكثر من ثلاث ساعات ؟ و هنا تتجلى حقيقة واضحة للعيان و أن التطبيق الحرفي لأوقات الصلاة المذكورة في القرآن لا يتماشى مع جميع مناطق العالم مما يفرض السؤال التالي هل هذه الأوقات ملزمة لجميع المسلمين في كل زمان و مكان ؟
من الملاحظات المثيرة للإنتباه في نصوص القرآن أنه على خلاف أمره بإقامة الصلاة كفريضة الذي جاء بصيغة الجمع في إشارة  إلى جميع المؤمنين في كل زمان و مكان
وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (56)  سورة النور
مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31)  سورة الروم
وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78)  سورة الحج
فقد إقتصر الأمر بإقامة الصلاة في الأوقات المقدرة بحركة الشمس و الليل و النهار على الرسول محمد
وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114)  سورة هود
أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78) وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79)  سورة الإسراء
فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (39) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ (40)  سورة ق
فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى (130)  سورة طه
وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا (26)  سورة الإنسان 
و بطبيعة الحال عندما يختص رب العزة نبيه الخاتم بأي أمر تشريعي
يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4)  سورة المزمل
فإنه يشمل بطريقة غير مباشرة من كان معه من المؤمنين
إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (20)  سورة المزمل
لكن يبقى السؤال المطروح هل هذا الأمر ملزم لكل مؤمن في كل زمان و مكان ؟ هل من واجب كل مؤمن في زمننا الحالي قيام نصف الليل ما لم تمنعه الظروف المذكورة في الآية  ؟ لماذا لا نجد آية واحدة تأمر المؤمنين بصيغة الجمع بإقامة الصلاة في الليل أو النهار أو قبل طلوع الشمس و غروبها ؟ هل أراد عالم غيب السماوات و الأرض أن يعفينا من التقيد بهذه الأوقات حرفيا ؟ و هل يعني هذا أننا أصبحنا غير ملزمين بهذه الأوقات نصلي متى نشاء ؟
الحقيقية أنه كلما إزدادت دراستنا لكتاب الله كلما فوجئنا بشدة دقته و زاد يقينا بأنه بالفعل تبيان و تفصيل لكل شيء و هذا ما سنلمسه في هذه الآيات التي على خلاف سابقاتها جاءت متنوعة في الخطاب بين تخصيص الأمر بالصلاة للرسول محمد
 وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (25)  سورة الإنسان 
و شموله لجميع المؤمنين
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42)  سورة الأحزاب
لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (9)  سورة الفتح
مما يوحي أن المؤمنين ملزمين في كل زمان و مكان بإقامة الصلاة في البكرة و الأصيل و غير ملزمين بأدائها في الأوقات المرتبطة بحركة الشمس و الليل و النهار ببساطة لأن البكرة و الأصيل و الغدو و العشي أوقات غير مرتبطة بالضرورة بحركة الشمس و إنما بأوقات الإستيقاظ من النوم و التوجه إلى الأشغال و العودة منها و التي كانت تتزامن في بيئة البعثة المحمدية مع طلوع الشمس و غروبها لكن هذا لا يعني أنها ستتزامن معهما في السويد أو في القطب الشمالي مثلا فلكل قوم أوقات خاصة بالغدو و الآصال حسب الظروف المناخية و المعيشية و الدليل في هذه النصوص التي تعطينا التعريف الدقيق لمعنى مصطلح الغدو الذي يشير للذاهب
وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ (12)  سورة سبأ
وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (121)  سورة آل عمران
فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ (21) أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ (22) فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ (23) أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (24) وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ (25)  سورة المدثر
و الذي كان يطلق على وقت الفجر موعد توجه قوم الرسول لأشغالهم
و من الأمثلة الواضحة على عدم إرتباط هذه الأوقات بحركة الشمس مثال الدار الآخرة التي لا وجود فيها للشمس
مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا (13)  سورة الإنسان
جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا (61) لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (62)  سورة مريم
إذن فنحن ملزمون بالتقيد بهذه الأوقات حسب المنطقة التي نعيش فيها فإذا كانت أوقاتها مطابقة أو قريبة لأوقات المنطقة التي ضرب لنا بها القرآن المثل و هذا حال أغلب مناطق العالم فيجب الإلتزام الحرفي بالأوقات المذكورة في القرآن أما إذا وجدنا أنفسنا في منطقة مختلفة الأوقات فعلينا تطبيق النصوص التي تأمر بأداء الصلاة في الغدو و الأصيل مع المحافظة على توقيت الصلاة الذي ضرب لنا مثلا في نصوص القرآن أي ما بين 40-50 دقيقة الذي يبقى بالنسبة لي أهم معيار في الصلاة كونه يسمح بتلاوة عدد معين من الآيات القرآنية و ليس عبثا أن صلاة التراويح المذهبية تقدر بنفس المدة تقريبا كما سبق التوضيح في موضوع
آثار الصلاة القرآنية عند أصحاب المذاهب
أما إذا تجاوزت مدة طرفي النهار 50 دقيقة فلا داعي لتمديد وقت الصلاة و يمكن الإكتفاء بتأدية المدة المقدرة في القرآن في أي فترة من طرفي النهار أما إذا نقصت مدة الطرف عن 40 دقيقة فجيب إكمال ما تبقى من المدة المقدرة في القرآن و لو تجاوزت مدة طرفي النهار و الله تعالى أعلم
فكما نرى فكل شيء تم تفصيله في القرآن فقط يجب الثقة و التسليم بهذه الحقيقية و عدم البحث عن الحلول خارج نصوصه و الذي يبقى هدف الشياطين الأسمى لدفع الناس للتشريع من تلقاء أنفسهم و تغيير أحكام الله و ذلك بعرضهم المتواصل للشبهات و من بينها شبهة الصيام التي لا تقل خطورة عن شبهة الصلاة 
أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187)  سورة البقرة
خصوصا أن هذه الآية التي شملت بالأمر عموم المسلمين قد ربطت مواعيد بداية و نهاية الصيام بحركة الشمس و تعاقب الليل و النهار بنص لا يقبل الجدل و هنا سيطفوا للسطح سؤال مهم لماذا لم يقتصر الأمر في هذه الآية على شخص الرسول لإعفاء عموم المسلمين الذين يقطنون في المناطق التي لا تخضع لمواقيت الليل و النهار كما كان الشأن في آيات الصلاة ؟ الجواب في نص الآية نفسها التي لو تمعنا فيها جيدا سنجدها تختص المؤمنين المعاصرين لزمن البعثة الذين كانوا يختانون أنفسهم قبل نزول هذا الحكم
أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187)  سورة البقرة
بالإضافة إلى أن الآية تدخل في سياق إبتدأ بتوجيه أمر تشريعي لعموم المؤمنين بتأدية فريضة الصيام 
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)  سورة البقرة
كما كان الشأن بالنسبة للآيات التي أمرت بتأدية الصلاة كفريضة
وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (56)  سورة النور
و أصلا لم يتطرق كتاب الله لفريضة الصيام إلا في هذا السياق و في أربع آيات فقط مما يدل على ثانوية هذه العبادة التي تم تضخيمها بشكل مبالغ فيه في شريعة المذاهب المنتسبة للإسلام حقيقة تم التطرق إليها بالتفصيل في موضوع
الصيام عبادة تم تضخيمها
طبعا و حتى إن كان الصيام مجرد فريضة ثانوية لا ترقى لمصاف الركائز الأساسية للإسلام كالصلاة أو الزكاة فوجب بيان موقف القرآن من الحالات التي تبدو متعارضة مع ما شرع في نصوصه و هنا وجب البحث في الإستثناءات التي تعفي المؤمن من الصيام
أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184)  سورة البقرة
حيث إعتبر كل من السفر و المرض رخصة لتأجيل وقت الصيام لكن يبقى الملفت في الآية أنها تركت الخيرة لمن يطيقون الصيام بين صيامه أو فديته بإطعام الفقراء نص واضح لا يقبل الجدل لكن محرفي السلف كان لهم رأي آخر حين نسب الذين لم يقتنعوا منهم بنسخ هذا الآية
تفسير بن كثير
وقال السُّدي: لما نزلت هذه الآية: { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } كان من شاء صام ومن شاء أفطر وأطعم مسكيناً فكانوا كذلك حتى نسختها: { فمن شهد منكم الشهر فليصمه }
هذا الحكم للذين لا يطيقون الصيام
تفسير بن كثير
{ فمن شهد منكم الشهر فليصمه } وقال ابن عباس: ليست منسوخة، هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فيطعمان مكان كل يوم مسكيناً "أخرجه البخاري عن عطاء عن ابن عباس" وعن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } في الشيخ الكبير الذي لا يطيق الصوم ثم ضعف، فرخص له أن يطعم مكان كل يوم مسكينا،
غريب مع أن تتمة الآية تقول بالحرف و أن تصوموا خير لكم ! فأي خير في صيام من لا يطيق الصيام ؟ و كيف يستقيم ذلك مع قوله تعالى ؟
أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184) شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)  سورة البقرة
و بطبيعة الحال إذا كانت فدية الذي يطيقونه هي إطعام الفقراء فإن ذلك يعفي من لا يطيقه من الفدية و في نفس الوقت من فريضة الصيام  و هنا تتجلى حقيقة واضحة للعيان أن الصيام عبادة غير ملزمة على جميع المؤمنين يبقى فقط تحديد الحالات التي تدخل في إطار عدم القدرة 
و تبقى أهم قاعدة في الصيام و في كافة العبادات هي اليسر
شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)  سورة البقرة
 و عدم تحميل النفس ما لا طاقة لها به كما هو الشأن في المناطق التي تمتد فيها أوقات الصيام لعدد معين من الساعات
المساكين كتب عليهم العسر طوال حياتهم بسبب أهواء أشخاص لم تتجاوز نظرتهم للعالم منطقة الشرق الأوسط و الدول المجاورة لها لكن مع ذلك كان بإمكان سكان هذه المناطق الصيام في نفس مواقيت و ظروف بقية سكان الأرض لو لم يتلاعب سلف المذاهب بالتقويم الإسلامي الحقيقي الذي حدده خالق السماوات و الأرض بناء على الفصول و دوران الأرض حول الشمس و تبديله بما يسمى بالتقويم القمري كما سبق التوضيح في موضوع
أوقات الصيام كما جاءت في القرآن
و تبقى المنطقة الوحيدة التي يستحيل الإلتزام فيها بوقت الصيام المذكور في القرآن هي منطقتي القطبين الشمالي و الجنوبي التي تغيب و تطلع الشمس فيهما مرة وحيدة في العام فيمتد الليل و النهار لمدة 6 أشهر و يبقى السؤال المطروح هنا هل الظروف المناخية الصعبة بهما تسمح بالصيام أصلا ؟ ألا يدخل الصيام بهما في دائرة العسر و عدم القدرة ؟
الحقيقة أن كتاب الله لم يترك أي شيء بدون جواب فقط يجب البحث في المكان المناسب و إستعمال السبل الصحيحة 

تعليقات