هل حرم الإسلام التبني ؟

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ


يعد تحريم التبني من أكثر الإحكام الإسلامية المثيرة للجدل و الريبة ليس فقط لتحريمه لأحد أهم الضروريات الإجماعية حسب منطق البعض لكن بالخصوص للظرف الذي جاء فيه هذا التشريع و الذي يعتبره المشككون مجرد حكم متهور جاء في لحظة ضعف لتلبية نزوات محمد الشخصية المتمثلة في رغبته في الزواج من زوجة زيد إبنه بالتبني
أبرز ما يلاحظ في أحكام الأدعياء المنزلة في نصوص القرآن هو خرقها لعادتين مترسختين في مجتمع البعثة المحمدية آنذاك بتحريمها لتبني الأدعياء بالإضافة لتحليل الزواج من نسائهم السابقات مما سبب حرجا كبيرا للنبي محمد مع أفراد مجتمعه
وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (37)  سورة الأحزاب
و يبقى السؤال المطروح هنا لو إفترضنا أن محمد كان نبيا كذابا سخر القرآن لأهوائه الشخصية ألم يكن الأسهل له تحليل الزواج من نساء الأبناء بصفة عامة و مخالفة مجتمعه في حكم واحد عوض مخالفتهم مرتين على التوالي بتحريم التبني ثم تحليل الزواج من نساء الأدعياء ؟ 
لكن يبقى السؤال الحقيقي هو هل حرم الإسلام بالفعل ظاهرة التبني كما زعم فقه المذاهب ؟ 
و لأننا أمة لا تدرس كتاب ربها حق الدراسة و تكتفي بتفاسير السلف كلما صادفتها أحد المفردات الغريبة أو المبهمة في كتاب الله فقد تم التسليم بأن مفهوم الأدعياء في لغة القرآن هم الأبناء بالتبني
مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (4)  سورة الأحزاب 
دون التأكد من الأمر في بقية نصوص القرآن الذي لا يمكن إدراك معاني مصطلحاته الحقيقية إلا من خلال دراسة شاملة لجميع سوره آياته و هو ما سيتجلى بوضوح في الآية الموالية
ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (5)  سورة الأحزاب
التي أمرت المؤمنين بدعوة أدعيائهم لآبائهم الأصليين لكن المشكلة هنا أن نصوص القرآن أوضحت لنا في أكثر من موضع أن مصطلح الأب لا يقتصر على الوالد المنجب بل كل من ساهم في التربية
وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (38)  سورة يوسف
أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133)  سورة البقرة
و يبقى أبرز مثال هو وصف النبي إبراهيم لمتبنيه آزر بالأب في عدة مواضع قرآنية
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (74)  سورة الأنعام
و الذي إستغفر له عند هجرته التي كانت في شبابه 
قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا (47) وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا (48)  سورة مريم
قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (59) قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ (60)  سورة الأنبياء
وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ (70) وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ (71)  سورة الأنبياء
قبل أن يتبرأ منه عندما تبين له أنه عدو لله 
وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (114)  سورة التوبة
لنكتشف في الأخير عند إستغفار النبي إبراهيم لوالديه الحقيقيان في شيخوخته
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ (39) رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ (40) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ (41)  سورة إبراهيم
أن أزر لم يكن والده الحقيقي و هو ما يطرح التساؤل التالي لماذا أمر القرآن الذي يستلزم أنه تبيان لكل شيء دعوة الأدعياء لآبائهم بدل والديهم ؟ و الأهم من ذلك لماذا إختصت آية تفصيل المحارم بتحريم حلائل الأبناء الذين من الأصلاب و لم تختص على سبيل المثال البنات من الأصلاب ؟
حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (23)  سورة النساء
أليس هذا تأكيد على تحليل حلائل الأبناء الذين ليسوا من أصلاب آبائهم و في نفس الوقت تأكيد على بنوتهم لهم ؟ و الذي لم يستطع أصحاب المذاهب إنكاره في تفاسيرهم
تفسير الجلالين
( وحلائل ) أزواج ( أبنائكم الذين من أصلابكم ) بخلاف من تبنيتموهم فلكم نكاح حلائلهم
تفسير بن كثير
{ وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم } أي وحرمت عليكم زوجات أبنائكم الذين ولدتموهم من أصلابكم، يحترز بذلك عن الأدعياء الذين كانوا يتبنونهم في الجاهلية. قال ابن جريج: سألت عطاء عن قوله: { وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم} قال: كنا نحدّث - واللّه أعلم - أن النبي صلى اللّه عليه وسلم لما نكح امرأة زيد قال المشركون بمكة في ذلك فأنزل اللّه عزّ وجلّ: { وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم } ونزلت: { وما جعل أدعياءكم أبناءكم } ، ونزلت: { ما كان محمد أبا أحد من رجالكم }
أبناء و في نفس الوقت ليسوا أبناء ! قمة التخبط و اللامنطق
فهناك تبيان واضح بين خطاب القرآن المتقبل لظاهرة التبني في سورة النساء و بين هذه الآية
مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (4)  سورة الأحزاب
التي لم تلغي حكم التبني في حقيقة الأمر بل جاءت كرد و إستنكار لبعض أحكام مجتمع الرسول التي لم ينزل بها الله من سلطان كوصف القوم لنسائهم بأنهن أمهاتهن و وصف الأدعياء بالأبناء و الذين حسب ما يتبين من نفس السياق
وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (37)  سورة الأحزاب
أنهم كانوا عبارة عن عتقاء أنعم الله عليهم بالعتق من العبودية فأصبحوا ينتسبون لعائلات عتقائهم قبل أن ينزل حكم الله ليحرم ذلك و يأمر بنسبهم لآبائهم الحقيقيين
 ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (5)  سورة الأحزاب
و من هنا يتبين أن لا علاقة لحكم للأدعياء بحكم التبني الذي لا توجد إشارة واحدة في القرآن على تحريمه و يبقى العلم الكامل لله سبحانه و تعالى
هذا حال جل الأحكام المذهبية المنتسبة للإسلام أحكام مبنية على السطحية و التسرع في قراءة النصوص لتخلف من ورائها العديد من العقبات و المشاكل الإجتماعية و تتحول مع مرور الوقت إلى شبهات و أسلحة فعالة للطعن في الإسلام

تعليقات

  1. السلام علبكم يا اخي العزيز أنا مستفيد جدا بمقالاتك كنت أطلب منك كتابة مقال حول موضوع الظهار. هل يمكن أن تشرح هذه المسألة في إطار القرآن فقط دون اللجوء إلى الروايات؟ "اللاتي يتظاهرون منهن " كيف يكون " انت علي كظهر امي " إن أمكن ، أرجو أن تكتب مقالاً عن الظهار. في أمان الله

    ردحذف

إرسال تعليق