تصحيح بعض الأفكار المغلوطة في قصة النبي سليمان

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

من أكثر القصص المثيرة للجدل في القرآن قصة نبي الله سليمان و ما تحمله من تفاصيل غريبة دفعت العديد من المشككين لتصنيفها في مصاف الخرافات الدينية لكن تبقى مشكلة هؤلاء الدائمة هي سطحيتهم في البحث و إعتمادهم المطلق على قراءة سلف المذاهب البدائية لنصوص القرآن التي تعكس منطقهم و درجة علمهم المعاصر و التي لا يمكن إعتبارها في أي حال من الأحوال حجة على النص القرآني 
كلنا يعلم قصة سليمان مع النملة و الهدهد التي تخبرنا بكلامه مع الحيوانات و علمه بأدق تفاصيل لغتهم أحد أكبر المعجزات التي إختصه الله بها طبعا هذا ما تم تلقيننا إياه عن طريق تفاسير و روايات و مصطلحات لغوية أصبحت جزء لا يتجزأ من لغتنا الحالية التي تبقى مجرد مرآة تعكس لنا فهم سلف المذاهب للكلمات القرآنية
أول ملاحظة أن القرآن لم يذكر كلام النبي سليمان مع الحيوانات أو فهمه للغتهم الخاصة بل إكتفى بذكر تعلمه للغة الطير التي وصفها بمنطق الطير
 وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16)  سورة النمل 
و تشتق كلمة منطق من فعل نطق الذي يشير إلى الكلام و اللغة
وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)  سورة النجم
و بالتالي فمن ناحية المبدأ يجب أن يقتصر فهم النبي سليمان على لغة الطيور فقط و بالتالي فمن المستبعد أن يكون المقصود بالنمل في لغة القرآن حشرة النمل التي توارثنا تعريفها بالنملة في لغتنا الحالية

و إذا علمنا أن حشرة النمل ليس لديها أحبال صوتية و أن طريقة تواصل أفرادها تتم عن طريق إفراز الفرمونات

فإن المرأ يتساءل كيف سمع سليمان قولها هل عن طريق حاسة السمع أم الشم ؟!
حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18) فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (19)  سورة النمل
و الأغرب من ذلك أن هذا النملة كانت تعرف سليمان بالإسم !
ثاني ملاحظة أن تعلم لغة الطير لم يكن مقتصرا على النبي سليمان لوحده بل على قومه أيضا كما ذكرت هذه الآية بوضوح
 وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16)  سورة النمل 
و التي تخبرنا بفضل الله على نبيه سليمان و قومه بتعليمهم لغة الطير نعمة ورثها من أبيه داوود في حقيقية الأمر
وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (15) وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16)  سورة النمل 
أول من سخر له الله تعالى مخلوق الطير كما توضح هذه الآيات
وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10)  سورة سبأ
فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ (79)  سورة الأنبياء
اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (17) إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ (18) وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ (19)  سورة ص
ففي الأخير يتضح أن  داوود هو أول من سخرت له الطير و كانت تحشر في مجلسه قبل سليمان 
وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ (19)  سورة ص
وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17)  سورة النمل
الذي ورثه في الملك و بالتالي ورث حكمه على الطير
مثلما يتضح أن كلام سليمان مع الطير لم يكن معجزة خارقة إختصه الله تعالى بها بل علم تعلمه مع قومه للتواصل مع مخلوق الطير 
لكن يبقى السؤال المطروح هنا من المقصود بالطير في قصة داوود و سليمان ؟ هل يعقل أن بني إسرائيل كانوا يتحدثون مع الطيور في يوم من الأيام ! طيب لماذا توقف هذا العلم فجأة و لم يتوارث عبر الأجيال مثلما كان الشأن مع صهر الحديد 
وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10)  سورة سبأ
و صناعة الدروع 
فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ (79) وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ (80)  سورة الأنبياء
اللذان علمهما الله تعالى لداوود قبل أن يعلمهما بدوره لقومه و للبشرية جمعاء
هل يعقل أن يصف الله تعالى هذا الطير اللطيف
وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (20)  سورة النمل

بالجندي الذي لا قبل لأهل سبأ بمثله 
وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17)  سورة النمل
ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ (37)  سورة النمل
فمن الواضح أن القرآن يصف لنا مخلوقات ذكية و متطورة كانت تشكل قوة ضاربة للنبي سليمان مخلوقات على درجة عالية من العلم
وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24) أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (26)  سورة النمل
فهل هذه أقوال حيوان بسيط أم مخلوق عاقل و مكلف ؟ و قد دفع بيان هذه الآيات العديد من المفسرين الجدد إلى نسب هوية الهدهد و الطير في القصة إلى البشر لكن المشكلة هنا أن النصوص فصلت بشكل واضح و صريح بين الإنس و الطير كمخلوقات مختلفة 
وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17)  سورة النمل
بالإضافة إلى ذكر إختلاف منطق و لغة الطير عن لغة سليمان و قومه الذين إعتبروا تعلمها من أكبر الفضائل الإلهية 
 وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16)  سورة النمل 
فمن الواضح أن الآيات تتحدث عن مخلوقات متطورة لا تقل علما و حكمة عن الإنس و الجن إن لم تكن أكثر
قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38) قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39) قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40)  سورة النمل
فمن الذي كان عنده علم من الكتاب ؟ هل كان ينتمي فصيلة للإنس أم الجن أم الطير ؟
في إعتقادي الشخصي أن المقصود بالطير في قصة سليمان مخلوقات فضائية سخرها الله تعالى لسليمان بالإضافة للجن فعندما نلقي نظرة على  آثار مختلف الحضارات القديمة نجد إشارات عدة توحي بزيارة مخلوقات متطورة لكوكب الأرض في الماضي و تأثيرها على عدد كبير من هذه الحضارات 

فما الذي يمنع ذلك مع أعظم ملك في تاريخ البشرية ؟ مخلوقات كانت تأتي من السماء و تتنقل فيها مثل الطيور فكانت تعتبر من الطير بالنسبة لساكنة الأرض
نعود الآن لهوية النمل في القرآن التي كما ذكرت من جد المستبعد أن تكون هي حشرة النمل المتعارفة لدى الجميع و لنتخيل القصة بصورة مختلفة عن تلك التي صورتها تفاسير الأولين و لنغير مشهد الجيش الممتطي للخيول بجيش يمتطي وسائل نقل متطورة  تفوق وسائلنا الحديثة فيمرون على قوم يلقبون بالنمل و من روع المشهد تقول إحداهم أدخلوا مساكنكم ليحطمنكم سليمان و جنوده الذين كانوا معروفين لدى جل سكان المنطقة فسمع قولها بواسطة تكنولوجيا الطير المتطورة التي كانت تسمح بحمل عرش ملكة سبأ من بلدة لأخرى في رمشة عين 
قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40)  سورة النمل
من مكان يستحيل على البشر سماعها فشكر ربه على هذه النعمة التي أنعمها عليه
و يبقى هذا التفسير أكثر واقعية من قصة الحشرة الناطقة
لكن تبقى قصة البساط السحري لسلميان

أكبر تجلي لعقلية السلف الخرافية التي كانت تجهل كل شيء عن حقيقية الأنبياء و التي فسرت تسخير الريح للسفن الشراعية 
وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (32) إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (33)  سورة الشورى
على أنه تسخير لحمل النبي سليمان على البساط السحري 
وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ (81) سورة الأنبياء
وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ (34) قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (35) فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (36)  سورة الأنبياء 
فيجب إعادة قراءة نصوص القرآن بدقة و واقعية عوض نسب تصورات السلف الخرافية للنص القرآني و جعلها حجة على القرآن