بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
عندما نلقي نضرة في معتقدات مختلف المذاهب المنتسبة للإسلام نجد أن هدفها الأسمى فوق هذه الأرض هي إنشاء دولة إسلامية موحدة تحكم العالم بإسم و شريعة مذهبها و إذا ألقينا نظرة في تاريخ و حاضر البشرية سنجد أن نفس فكرة السيطرة على العالم بإسم معتقد معين هي التي كانت وراء جل الحروب و الويلات التي عاشها الإنسان عبر العصور
و على نقيد جميع هذه الإيديولوجيات و التي و إن إختلفت في الأفكار و الأهداف المعلنة و الطرق المستخدمة فإنها تجتمع على نفس فكرة السيطرة على العالم بواسطة فكر معين فيبقى الإسلام في صورته الحقيقية الخالصة هو الدين الوحيد الذي جاء ليحرر البشر من سلطان الكذب و الظلم و العبودية و يهديهم إلى صراط الحقيقة و السلام
و يبقى الفرق بين الإسلام وباقي الإيديولوجيات أنه لم يأتي ليحكم الناس بإسم فكر معين بل جاء ليدفع الناس ليختاروا بمحض إرادتهم الحكم بحكم الله بواسطة أسلوب الإقناع من خلال تقديم الحجة و البرهان
قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (104) سورة الأنعام
مع إعطائهم الحرية التامة في قبولها و العمل بها أو رفضها
وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29) سورة الكهف
لكنه في المقابل و على نقيض جميع الإيديولوجيات البشرية أكد إستحالة توحد البشر على كلمة واحدة
وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (99) سورة يونس
و أن الإختلاف فطرة إلهية حتمية لا مفر منها
وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119) سورة هود
وبالتالي كل من يسعى لجمع العالم على فكر موحد فهو يخالف الفطرة الإلهية و يسعى للسيطرة بإسم الدين لا غير
و هو ما يتجلى بوضوح عند العودة لسياق الأحداث القرآنية الخالية من أي أمر إلهي لإنشاء ما يسمى بالدولة أو الخلافة أو الإمامة الإسلامية لا من بعيد و لا من قريب فجل الدلائل تشير إلى توحد مجموعة من القبائل تحت راية مبدأ و دين واحد و ليس تحت راية دولة و ملك معين فالرسول محمد كان ممثلا لكلمة و حكم الله فوق الأرض ليس فقط في جيله بل في جميع الأجيال و على جميع الملوك المسلمين إلى يوم الدين و نستطيع تشبيه ذلك بملك طالوت لبني إسرائيل الذي كان تحت سلطة و حكم الله المتمثل في نبيه الذي يدعى حسب الرواية اليهودية المسيحية بصاموئيل
أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246) وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (247) سورة البقرة
و حسب المعلومات القرآنية المتوفرة فلا توجد أية إشارة على ملك الرسول و حكمه الشخصي على دولة إسلامية موحدة مثلما كان الشأن بالنسبة للملكين داوود و سليمان اللذان جمعا بين الملك و النبوءة و الدليل إقتصار القرآن على الأمر بطاعة الرسول و ليس طاعة شخص محمد
فهناك فرق بين حكم الملك الذي يقبل الخطأ و حكم الرسول الذي هو في حقيقة الأمر حكم الله
مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا (80) سورة النساء
المتمثل في ما بلغ من وحي
قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (54) سورة النور
و الذي يجب العودة إليه في حالة الإختلاف بين الملك و العباد
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59) سورة البقرة
فبغض النظر عن تفاسير و أسباب النزول أصحاب المذاهب الكذابة التي حاولت التوفيق بين النصوص القرآنية و سيرتهم الكاذبة التي نسبت أولياء الأمر هنا لشخص من الأنصار
قال البخاري عن ابن عباس: { أطيعوا اللّه وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} ، قال نزلت: في عبد اللّه بن حذافة بن قيس بن عدي إذ بعثه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في سرية، وقال الإمام أحمد عن علي قال: بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سرية واستعمل عليهم رجلاً من الأنصار،
رغم ذكر الأولياء جاء بصيغة الجمع فإن أي شخص سيقرأ هذا النص بحيادية سيدرك أن المقصود بأولياء الأمر هنا هم الحكام المؤمنين الذين يحكمون بحكم الله و رسوله و الذين حاولوا نسبهم للصحابة في آية أخرى
{ وإذا جاءهم أمر } عن سرايا النبي صلى الله عليه وسلم ما حصل لهم { من الأمن } بالنصر { أو الخوف } الهزيمة { أذاعوا به } أفشَوه نزل في جماعة من المنافقين أو في ضعفاء المؤمنين كانوا يفعلون ذلك فتضعف قلوب المؤمنين ويتأذى النبي { ولو ردوه } أي الخبر { إلى الرسول وإلى أُولي الأمر منهم } أي الرأي من أكابر الصحابة أي لو سكتوا عنه حتى يخبروا به
و يبقى السؤال هنا لماذا ذكرت الآية أولي الأمر منهم و ليس أولي الأمر من المؤمنين لو كان المقصود ما يسمى بالصحابة ؟ لأن المقصود هنا بأولياء الأمر هم الأولياء على فئة من المؤمنين و ليس كل المؤمنين لأن الإسلام لم يكونوا دولة واحدة تحت سلطان ولي واحد حقيقة تتجلى بوضوح في نص الآية
وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10) سورة الحجرات
فمن المقصود هنا أفراد دولة واحدة أم قبيلتين مختلفتين ؟ فلم يجد المفسرون هنا أيضا من سبيل سوى إختراع هذه القصة السخيفة
قوله تعالى: { وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ...} الآية. [9].
أخبرنا محمد بن أحمد بن جعفر النحوي، قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن سنان المقري، قال: أخبرنا أحمد بن علي الموصلي، قال: حدَّثنا إسحاق بن [أبي] إسرائيل، قال: أخبرنا معتمر بن سليمان، قال: سمعت أبي يحدث عن أنس، قال:
قلت يا نبي الله، لو أتيت عبد الله بن أبيّ. فانطلق إليه النبي صلى الله عليه وسلم فركب حماراً وانطلق المسلمون يمشون، وهي أرض سَبِخَةَ، فلما أتاه النبي صلى الله عليه وسلم قال: إليك عني، فوالله لقد آذاني نَتْنُ حمارك! فقال رجل من الأنصار: [والله] لَحِمارُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، أطيب ريحاً منك. فغضب لعبد الله رجل من قومه، وغضب لكل واحد منهما أصحابه، ففكان بينهم ضرب بالجريد والأيدي والنعال، فبلغنا أنه أنزلت فيهم: { وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا} . رواه البخاري عن مُسدَّدَ، ورواه مسلم عن محمد بن عبد الأعلى؛ كلاهما عن المعتمر.
فما هذا الإستخفاف بالعقول هل يعقل أن يصف عراك بسيط بالأيدي و النعال بالإقتتال ثم يأتي الأمر بقتال الطائفة الباغية ؟ يعني ستقوم حرب و تزهق أنفس من أجل عراك بسيط بالنعال ؟
فهناك حرب نشبت بين قبيلتين مؤمنتين في زمن الرسول فأمر الله تعالى بالإصلاح بينهم و قتال المعتدين منهم إن لم يتوقفوا عن العدوان مما يعطي فكرة واضحة عن المجتمع القبلي الذي رغم خضوعه للدين الإسلامي بقيت كل قبيلة محتفظة بحكمها الخاص و قد كان بعضهم يتخلف عن القتال مع الرسول
سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (11) سورة الفتح
سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا (15) سورة الفتح
فهل سيقول الجنود لملك الدولة شغلتنا تجارتنا و أموالنا عن القتال ؟
فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ (83) سورة التوبة
وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101) سورة التوبة
فعبارة ممن حولكم من الأعراب توحي بتوجيه الخطاب إلى فئة المؤمنين التي كان ينتمي إليها الرسول و الأعراب وصف بقية القبائل المجاورة المعتنقة للإسلام
ففكرة الدولة الإسلامية العالمية الموحدة لم تكن في يوم من الأيام هدف و شريعة و واجب ديني و إنما فكرة سياسية تسعى لإستخدام الدين كوسيلة للسيطرة على العالم و منع أي نوع من أنواع المعارضة من أتباع نفس الديانة و للأسف تحولت هذه الفكرة إلى شريعة مقدس عند أصحاب المذاهب مما ساهم في العديد من الحروب عبر التاريخ و ينذر بالمزيد مستقبلا
و على نقيد جميع هذه الإيديولوجيات و التي و إن إختلفت في الأفكار و الأهداف المعلنة و الطرق المستخدمة فإنها تجتمع على نفس فكرة السيطرة على العالم بواسطة فكر معين فيبقى الإسلام في صورته الحقيقية الخالصة هو الدين الوحيد الذي جاء ليحرر البشر من سلطان الكذب و الظلم و العبودية و يهديهم إلى صراط الحقيقة و السلام
و يبقى الفرق بين الإسلام وباقي الإيديولوجيات أنه لم يأتي ليحكم الناس بإسم فكر معين بل جاء ليدفع الناس ليختاروا بمحض إرادتهم الحكم بحكم الله بواسطة أسلوب الإقناع من خلال تقديم الحجة و البرهان
قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (104) سورة الأنعام
مع إعطائهم الحرية التامة في قبولها و العمل بها أو رفضها
وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29) سورة الكهف
لكنه في المقابل و على نقيض جميع الإيديولوجيات البشرية أكد إستحالة توحد البشر على كلمة واحدة
وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (99) سورة يونس
و أن الإختلاف فطرة إلهية حتمية لا مفر منها
وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119) سورة هود
وبالتالي كل من يسعى لجمع العالم على فكر موحد فهو يخالف الفطرة الإلهية و يسعى للسيطرة بإسم الدين لا غير
و هو ما يتجلى بوضوح عند العودة لسياق الأحداث القرآنية الخالية من أي أمر إلهي لإنشاء ما يسمى بالدولة أو الخلافة أو الإمامة الإسلامية لا من بعيد و لا من قريب فجل الدلائل تشير إلى توحد مجموعة من القبائل تحت راية مبدأ و دين واحد و ليس تحت راية دولة و ملك معين فالرسول محمد كان ممثلا لكلمة و حكم الله فوق الأرض ليس فقط في جيله بل في جميع الأجيال و على جميع الملوك المسلمين إلى يوم الدين و نستطيع تشبيه ذلك بملك طالوت لبني إسرائيل الذي كان تحت سلطة و حكم الله المتمثل في نبيه الذي يدعى حسب الرواية اليهودية المسيحية بصاموئيل
أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246) وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (247) سورة البقرة
و حسب المعلومات القرآنية المتوفرة فلا توجد أية إشارة على ملك الرسول و حكمه الشخصي على دولة إسلامية موحدة مثلما كان الشأن بالنسبة للملكين داوود و سليمان اللذان جمعا بين الملك و النبوءة و الدليل إقتصار القرآن على الأمر بطاعة الرسول و ليس طاعة شخص محمد
فهناك فرق بين حكم الملك الذي يقبل الخطأ و حكم الرسول الذي هو في حقيقة الأمر حكم الله
مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا (80) سورة النساء
المتمثل في ما بلغ من وحي
قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (54) سورة النور
و الذي يجب العودة إليه في حالة الإختلاف بين الملك و العباد
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59) سورة البقرة
فبغض النظر عن تفاسير و أسباب النزول أصحاب المذاهب الكذابة التي حاولت التوفيق بين النصوص القرآنية و سيرتهم الكاذبة التي نسبت أولياء الأمر هنا لشخص من الأنصار
تفسير بن كثير
رغم ذكر الأولياء جاء بصيغة الجمع فإن أي شخص سيقرأ هذا النص بحيادية سيدرك أن المقصود بأولياء الأمر هنا هم الحكام المؤمنين الذين يحكمون بحكم الله و رسوله و الذين حاولوا نسبهم للصحابة في آية أخرى
تفسير الجلالين
و يبقى السؤال هنا لماذا ذكرت الآية أولي الأمر منهم و ليس أولي الأمر من المؤمنين لو كان المقصود ما يسمى بالصحابة ؟ لأن المقصود هنا بأولياء الأمر هم الأولياء على فئة من المؤمنين و ليس كل المؤمنين لأن الإسلام لم يكونوا دولة واحدة تحت سلطان ولي واحد حقيقة تتجلى بوضوح في نص الآية
وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10) سورة الحجرات
فمن المقصود هنا أفراد دولة واحدة أم قبيلتين مختلفتين ؟ فلم يجد المفسرون هنا أيضا من سبيل سوى إختراع هذه القصة السخيفة
اسباب النزول - أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي
أخبرنا محمد بن أحمد بن جعفر النحوي، قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن سنان المقري، قال: أخبرنا أحمد بن علي الموصلي، قال: حدَّثنا إسحاق بن [أبي] إسرائيل، قال: أخبرنا معتمر بن سليمان، قال: سمعت أبي يحدث عن أنس، قال:
قلت يا نبي الله، لو أتيت عبد الله بن أبيّ. فانطلق إليه النبي صلى الله عليه وسلم فركب حماراً وانطلق المسلمون يمشون، وهي أرض سَبِخَةَ، فلما أتاه النبي صلى الله عليه وسلم قال: إليك عني، فوالله لقد آذاني نَتْنُ حمارك! فقال رجل من الأنصار: [والله] لَحِمارُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، أطيب ريحاً منك. فغضب لعبد الله رجل من قومه، وغضب لكل واحد منهما أصحابه، ففكان بينهم ضرب بالجريد والأيدي والنعال، فبلغنا أنه أنزلت فيهم: { وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا} . رواه البخاري عن مُسدَّدَ، ورواه مسلم عن محمد بن عبد الأعلى؛ كلاهما عن المعتمر.
فما هذا الإستخفاف بالعقول هل يعقل أن يصف عراك بسيط بالأيدي و النعال بالإقتتال ثم يأتي الأمر بقتال الطائفة الباغية ؟ يعني ستقوم حرب و تزهق أنفس من أجل عراك بسيط بالنعال ؟
فهناك حرب نشبت بين قبيلتين مؤمنتين في زمن الرسول فأمر الله تعالى بالإصلاح بينهم و قتال المعتدين منهم إن لم يتوقفوا عن العدوان مما يعطي فكرة واضحة عن المجتمع القبلي الذي رغم خضوعه للدين الإسلامي بقيت كل قبيلة محتفظة بحكمها الخاص و قد كان بعضهم يتخلف عن القتال مع الرسول
سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (11) سورة الفتح
سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا (15) سورة الفتح
فهل سيقول الجنود لملك الدولة شغلتنا تجارتنا و أموالنا عن القتال ؟
فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ (83) سورة التوبة
وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101) سورة التوبة
فعبارة ممن حولكم من الأعراب توحي بتوجيه الخطاب إلى فئة المؤمنين التي كان ينتمي إليها الرسول و الأعراب وصف بقية القبائل المجاورة المعتنقة للإسلام
ففكرة الدولة الإسلامية العالمية الموحدة لم تكن في يوم من الأيام هدف و شريعة و واجب ديني و إنما فكرة سياسية تسعى لإستخدام الدين كوسيلة للسيطرة على العالم و منع أي نوع من أنواع المعارضة من أتباع نفس الديانة و للأسف تحولت هذه الفكرة إلى شريعة مقدس عند أصحاب المذاهب مما ساهم في العديد من الحروب عبر التاريخ و ينذر بالمزيد مستقبلا
تعليقات
إرسال تعليق