بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
كثير ما نسمع من أعداء الإسلام شبهة أن إله الإسلام أو بالأحرى كاتب القرآن على حد وصفهم كان يغير رأيه و قراراته حسب الظروف و تطور الأحداث المعاصرة له معتبرين ذلك دليلا قاطعا على أن القرآن ليس كلام الله معتبرين أن أبرز مثال و دليل على ذلك هو تعارض النصوص بين التأكيد على عدم تغيير الله لكلامه و بين تغيره و نسخه لأقواله لاحقا
طبعا مثل هذه الشبهات تنشأ أولا من سوء فهم للغة القرآن و الخلط بين المفردات بالإضافة إلى عدم إحترام سياق الآيات حيث تم الخلط بين مفاهيم كل من تبديل قول الله
مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (29) سوة ق
الذي لا يبدل حسب القرآن
و تبديل كلمات الله
لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64) سورة يونس
التي لا تبدل أيضا
و تبديل آيات الله
وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101) سورة النحل
التي تبدل كما يتجلى بوضوح في نص الآية
فتم إدعاء أن الله غير رأيه في القرآن و أصبح يبدل أقواله و كلماته بعدما أكد عكس ذلك في نصوص قرآنية سابقة ؟
و تبقى أول خطوة يجب القيام بها في كل بحث علمي منصف و محترم هو تفسير معاني كل مفردة على حدة على ضوء النصوص القرآنية و ليس بناء على ما إستجد من لغة ؟ خطأ يقع فيه العديد و سبق التنبيه إليه في أكثر من مناسبة
والبداية مع مفهوم القول الذي لا يمكن حصره في مفهوم النطق بالكلام فحسب بل يشمل أيضا الحكم بين الناس و بعبارة أدق النطق بالحكم بينهم كما يتجلى بوضوح في نص الآية
وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) سورة الأنعام
أما بالنسبة لمفهوم الكلمة فيجب التمييز بين المعنى الذي يشار به إلى جزء من الكلام كالجملة أو الكلمة
مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا (5) سورة الكهف
و بين المعنى الذي يشير إلى المشيئة و القرار
إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40) سورة المائدة
و هو نفس المعنى المستخدم في جل الآيات التي إرتبطت بكلمة أو كلمات الله
وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (19) سورة يونس
وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119) سورة آل عمران
أي تم قرار و مشيئة الله
وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ (137) سورة الأعراف
أما الآية فهي وصف لكل ما يقيم الله به الحجة على العباد سواء تعلق الأمر بالمعجزات
وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (132) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ (133) سورة الأعراف
أو العبر
فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (92) سورة يونس
أو العلم
أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ (197) سورة الشعراء
و هذه الأخيرة هي التي أكد الله على إمكانية تبدليها بغيرها
الآن و بعد أن أصبحت الأمور واضحة و جميع المعطيات بين أيدينا يمكننا الحكم بواقعية و موضوعية و البداية بذكر القرآن لعدم تبديل الله لقوله و الذي ذكر مرة وحيدة في القرآن و عندما نعود للسياق كاملا
أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (25) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ (26) قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (27) قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28) مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (29) سورة ق
الذي للأسف يتم تجاهله و إغفاله يتبين أن هذا الخطاب و النطق بالحكم يكون في الآخرة و ليس في الدنيا و نحن ندرك الفرق الشاسع بين دار الإختبار و دار القرار و فرق بين الحكم المؤقت و الحكم المؤيد
فحتى لو سلمنا جدلا أن الله يبدل قوله في الدنيا فهذا لا يعني أنه سيبدله في الآخرة فعندما يحكم على شخص ما بالدخول إلى النار فلن يتراجع عن قراره كما يوضح نص الآيات
وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ (47) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ (48) سورة غافر
فعندما يتحدث الله تعالى عن عدم تبديل قوله بين العباد في الآخرة فهو يتحدث عن عدم تغير رأيه بعد النطق بالحكم عليهم يوم القيامة و لا علاقة للأمر بأحكام الدنيا
فإن كان هناك تعارض فيبقى هو إدعاء أصحاب المذاهب أن الله سيبدل حكمه و قراره و يسمح للرسول محمد بالإخراج من جهنم من حكم الله عليهم بالدخول إليها ؟
لكن يبقى السؤال هل يبدل الله القول في الحياة الدنيا أيضا ؟ في الحقيقة الله لا يبدل حكمه لا في الآخرة و لا في الدنيا فلو قمنا بتدبر الآيات سنجد أن القول المتمثل في النطق بالحكم مجرد تنفيذ لكلمة الله أي قراره و مشيئته
وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (13) سورة السجدة
وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119) سورة هود
فقول الله و كلمته مرتبطان فيما بينها و لا يمكن تغيرهما لأن تغيرهما يعد بمثابة تغير لقرار و مشيئة الله اللذان لا يتغيران مع تبديل آياته و أحكامه للبشر فعندما أنزل الله القرآن على الناس فإنه بدل به بعض الشرائع التي كانت قبله و بالتالي فإنه بدل آية بآية و مع ذلك فإن كلمات الله لم تتغير
أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (114) وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (115) سورة الأنعام
و بالتالي فمشيئته لم تتغير بل على العكس فقد تمت و تحققت سيقول البعض أن مجرد تغيير حكم بحكم يعتبر تغيير للرأي ؟ لكن الحقيقية أن هذا ليس بتغيير للرأي بل تدرج في الأحكام كون البشرية لم تكن مستعدة حينها لتلقي الشريعة النهائية فهناك فرق شاسع بين تغير الحكم بسبب تغيير الرأي الناتج عن ظروف طارئة و بين تحديد أحكام خاصة بأقوام و أزمة معينة و التي نجد في نصوصها إخبار بإنتهاء مدة صلاحيتها لاحقا و ضرورة إتباع الحكم النهائي عند حلول ميقاته
الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157) سورة الأعراف
فالبعكس الأحكام المؤقتة و تبديل الآيات تبقى مجرد لبنات تدخل في إطار مشيئة الله الثابتة التي كانت تهدف منذ البداية للوصول إلى شريعة نهائية ثابتة للبشر و أن كل آية مؤقتة كان لها دور و هدف معين
وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (143) سورة البقرة
في إكمال الرسالة و الدين
حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3) سورة المائدة
طبعا مثل هذه الشبهات تنشأ أولا من سوء فهم للغة القرآن و الخلط بين المفردات بالإضافة إلى عدم إحترام سياق الآيات حيث تم الخلط بين مفاهيم كل من تبديل قول الله
مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (29) سوة ق
الذي لا يبدل حسب القرآن
و تبديل كلمات الله
لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64) سورة يونس
التي لا تبدل أيضا
و تبديل آيات الله
وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101) سورة النحل
التي تبدل كما يتجلى بوضوح في نص الآية
فتم إدعاء أن الله غير رأيه في القرآن و أصبح يبدل أقواله و كلماته بعدما أكد عكس ذلك في نصوص قرآنية سابقة ؟
و تبقى أول خطوة يجب القيام بها في كل بحث علمي منصف و محترم هو تفسير معاني كل مفردة على حدة على ضوء النصوص القرآنية و ليس بناء على ما إستجد من لغة ؟ خطأ يقع فيه العديد و سبق التنبيه إليه في أكثر من مناسبة
والبداية مع مفهوم القول الذي لا يمكن حصره في مفهوم النطق بالكلام فحسب بل يشمل أيضا الحكم بين الناس و بعبارة أدق النطق بالحكم بينهم كما يتجلى بوضوح في نص الآية
وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) سورة الأنعام
أما بالنسبة لمفهوم الكلمة فيجب التمييز بين المعنى الذي يشار به إلى جزء من الكلام كالجملة أو الكلمة
مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا (5) سورة الكهف
و بين المعنى الذي يشير إلى المشيئة و القرار
إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40) سورة المائدة
و هو نفس المعنى المستخدم في جل الآيات التي إرتبطت بكلمة أو كلمات الله
وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (19) سورة يونس
وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119) سورة آل عمران
أي تم قرار و مشيئة الله
وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ (137) سورة الأعراف
أما الآية فهي وصف لكل ما يقيم الله به الحجة على العباد سواء تعلق الأمر بالمعجزات
وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (132) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ (133) سورة الأعراف
أو العبر
فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (92) سورة يونس
أو العلم
أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ (197) سورة الشعراء
و هذه الأخيرة هي التي أكد الله على إمكانية تبدليها بغيرها
الآن و بعد أن أصبحت الأمور واضحة و جميع المعطيات بين أيدينا يمكننا الحكم بواقعية و موضوعية و البداية بذكر القرآن لعدم تبديل الله لقوله و الذي ذكر مرة وحيدة في القرآن و عندما نعود للسياق كاملا
أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (25) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ (26) قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (27) قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28) مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (29) سورة ق
الذي للأسف يتم تجاهله و إغفاله يتبين أن هذا الخطاب و النطق بالحكم يكون في الآخرة و ليس في الدنيا و نحن ندرك الفرق الشاسع بين دار الإختبار و دار القرار و فرق بين الحكم المؤقت و الحكم المؤيد
فحتى لو سلمنا جدلا أن الله يبدل قوله في الدنيا فهذا لا يعني أنه سيبدله في الآخرة فعندما يحكم على شخص ما بالدخول إلى النار فلن يتراجع عن قراره كما يوضح نص الآيات
وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ (47) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ (48) سورة غافر
فعندما يتحدث الله تعالى عن عدم تبديل قوله بين العباد في الآخرة فهو يتحدث عن عدم تغير رأيه بعد النطق بالحكم عليهم يوم القيامة و لا علاقة للأمر بأحكام الدنيا
فإن كان هناك تعارض فيبقى هو إدعاء أصحاب المذاهب أن الله سيبدل حكمه و قراره و يسمح للرسول محمد بالإخراج من جهنم من حكم الله عليهم بالدخول إليها ؟
لكن يبقى السؤال هل يبدل الله القول في الحياة الدنيا أيضا ؟ في الحقيقة الله لا يبدل حكمه لا في الآخرة و لا في الدنيا فلو قمنا بتدبر الآيات سنجد أن القول المتمثل في النطق بالحكم مجرد تنفيذ لكلمة الله أي قراره و مشيئته
وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (13) سورة السجدة
وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119) سورة هود
فقول الله و كلمته مرتبطان فيما بينها و لا يمكن تغيرهما لأن تغيرهما يعد بمثابة تغير لقرار و مشيئة الله اللذان لا يتغيران مع تبديل آياته و أحكامه للبشر فعندما أنزل الله القرآن على الناس فإنه بدل به بعض الشرائع التي كانت قبله و بالتالي فإنه بدل آية بآية و مع ذلك فإن كلمات الله لم تتغير
أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (114) وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (115) سورة الأنعام
و بالتالي فمشيئته لم تتغير بل على العكس فقد تمت و تحققت سيقول البعض أن مجرد تغيير حكم بحكم يعتبر تغيير للرأي ؟ لكن الحقيقية أن هذا ليس بتغيير للرأي بل تدرج في الأحكام كون البشرية لم تكن مستعدة حينها لتلقي الشريعة النهائية فهناك فرق شاسع بين تغير الحكم بسبب تغيير الرأي الناتج عن ظروف طارئة و بين تحديد أحكام خاصة بأقوام و أزمة معينة و التي نجد في نصوصها إخبار بإنتهاء مدة صلاحيتها لاحقا و ضرورة إتباع الحكم النهائي عند حلول ميقاته
الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157) سورة الأعراف
فالبعكس الأحكام المؤقتة و تبديل الآيات تبقى مجرد لبنات تدخل في إطار مشيئة الله الثابتة التي كانت تهدف منذ البداية للوصول إلى شريعة نهائية ثابتة للبشر و أن كل آية مؤقتة كان لها دور و هدف معين
وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (143) سورة البقرة
في إكمال الرسالة و الدين
حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3) سورة المائدة
تعليقات
إرسال تعليق