حقيقة الشياطين و القرناء

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ


من الغيبيات التي طال الجدال و الإختلاف حولها بين الناس تحديد هوية الشياطين و القرناء المذكورين في القرآن و طريقة إغوائهم للبشر و تنفيذ مخطط و وعد إبليس الذي قطعه على نفسه بإغواء بني آدم و كحال كل معلومة نسعى للوصول لعلمها الحق وجب الرجوع إلى الأصل أي كتاب الله و بالضبط مع بداية القصة التي تعود بنا إلى لحظة عصيان إبليس لأمر الله و رفضه للسجود لآدم
و حتى تتضح الرؤية أكثر يمكن العودة لموضوع
من هم الجن ؟
لإدراك هوية إبليس و الملائكة الذين أمرهم الله تعالى بالسجود لآدم و الذين لم يكونوا في حقيقة الأمر سوى فصيل من الملائكة كانوا مكلفين بحكم و تسير الأرض قبل إستخلاف الإنسان لهم
وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30)  سورة البقرة
و قد أطلق القرآن على فصيلتهم إسم الجان 
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (26) وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ (27) وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (28) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (29) فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (30) إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (31)   سورة الحجر 
و وصف أفرادها بالجن
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (50)  سورة الكهف
و من بينها إبليس و ذريته الذين وصفوا بالشياطين
يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (27)  سورة الأعراف
و الشيطان في حقيقة الأمر ليس بمخلوق أو فصيل بل هو وصف ينطبق على جميع الفصائل المكلفة كالجن و الإنس
وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112)  سورة الأنعام
و يرمز به للتضليل عن سبيل الله تعالى لذلك نجد تزامن بداية وصف إبليس بالشيطان مع بداية وسوسته للإنسان 
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا (61) قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا (62) قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا (63) وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (64)  سورة الإسراء
و بالظبط  مع آدم و زوجته في الجنة 
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى (116) فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (117) إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى (119) فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى (120) فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى (122)  سورة طه
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34) وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36)  سورة البقرة
و لتحقيق مسعاه بإغواء البشرية كان لزاما عليه خلق جنود يطبقون خطته على أرض الواقع بإغواء الناس و إبعادهم قدر الإمكان عن رسالة الله تعالى و إشغالهم بشهوات الدنيا و لعل أبرز خدعة إستخدمها لدفعهم لنسيان الله و التخلي عنه نهائيا هو إقناعهم بعدم وجود يوم الحساب حقيقة أقنع بها ذريته من الجن قبل الإنس
قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا (2) وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا (3) وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا (4) وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (5) وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (6) وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا (7)  سورة الجن
فالجن ليسوا أغبياء حتى يلقوا بأنفسهم إلى التهلكة في نار جنهم من أجل عيون إبليس ؟ فقد قام بخداعهم و إقناعهم بعدم وجود يوم للحساب حيث يدفعهم للكفر و إتباع سبيله فقام بتكوين حزب من شياطين الجن و بطبيعة الحال إستعمل نفس الطريقة مع الإنس فخلق أجيال من الكفرة بالله و اليوم الآخر كلما ظهر رسول ليهدي البشر كلما كانوا له عدوا و لتسير حزب شياطين الإنس قام إبليس بخلق مثيل له في الإنس 
 وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا اللَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ (29)  سورة فصلت
فمن الواضح هنا أنه بالإضافة لإبليس هناك شيطان من الإنس لعب دورا مماثلا لإبليس في إغواء البشر و في غالب الظن أنه هو المقصود في نص الآيتين كذلك
 وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176)  سورة الأعراف
كلمة أخلد تشير إلى الخلد و لم تذكر في القرآن كله سوى في هذه الآية مما يوحي أنها تتحدث عن شخص بقي خالدا في الأرض إلى يوم يبعثون و الفرق بين الخلود فوق الأرض و في الدار الآخرة أن هذا الأخير أبدي 
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا (57)  سورة النساء
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا (168) إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (169)  سورة النساء
عكس خلود الأرض الذي ينتهي مع يوم القيامة فلا يعقل أن يرمي الكفار اللوم على شخص واحد عاش فترة وجيزة على إضلال جميع الإنس إن لم يكن قاد عاش و ساهم في إضلال جميع الأجيال 
و قد أشارت النصوص السالفة الذكر إلى معلومة بالغة الأهمية كذلك أن إبليس قد أتبع العبد الذي إنسلخ من آيات الله حيث إستخدمت فعل أَتْبَعَ و ليس اتَّبَعَ في الإشارة إلى التتبع الحسي من مكان إلى مكان مثل تتبع فرعون و جنوده لبني إسرائيل
وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90)  سورة يونس
 و ليس التتبع المعنوي الذي يشير في غالب الوقت إلى الإتباع الفكري و الذي نلمسه في تتبع البشر لإبليس و ليس العكس
وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (20)  سورة سبأ
مما يوحي أن إبليس قد تتبع العبد الذين إنسلخ من آيات الله من مكان إلى مكان و الذي يوحي بتعقب إبليس لآدم و بنيه من الجنة التي الأرض
فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36)  سورة البقرة
و قد تجسد تتبع الشيطان لهم في أول جريمة قام بها أحد أبناء آدم 
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (29) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30) فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31)  سورة المائدة
التي كانت بمثابة نسخة طبق الأصل لمعصية إبليس و المتمثلة في الغيرة من تفضيل الله لإبن آدم الذي تقبل قربانه مثل ما غار إبليس من تفضيل لله لآدم عليه و كذلك التكبر و حب النفس لدرجة الرمي بها إلى التهلكة بإقدام إبن آدم القاتل على قتل أخيه رغم إدراكه أن ذلك سينتج عنه غضب الله عليه و الخلود في في نار جهنم شأنه شأن إبليس فإبليس هنا صنع مثيلا له من الإنس في الصفات و الأفعل و المنطق و الأهم من هذا كله أنه يتقاسم معه اللعنة الإلهية و الغريب أننا عندما نطلع على تتمة القصة في التوراة اليهودية
سفر التكوين إصحاح 4
10 فَقَالَ: «مَاذَا فَعَلْتَ؟ صَوْتُ دَمِ اخِيكَ صَارِخٌ الَيَّ مِنَ الارْضِ. 11 فَالْانَ مَلْعُونٌ انْتَ مِنَ الارْضِ الَّتِي فَتَحَتْ فَاهَا لِتَقْبَلَ دَمَ اخِيكَ مِنْ يَدِكَ! 12 مَتَى عَمِلْتَ الارْضَ لا تَعُودُ تُعْطِيكَ قُوَّتَهَا. تَائِها وَهَارِبا تَكُونُ فِي الارْضِ». 13 فَقَالَ قَايِينُ لِلرَّبِّ: «ذَنْبِي اعْظَمُ مِنْ انْ يُحْتَمَلَ. 14 انَّكَ قَدْ طَرَدْتَنِي الْيَوْمَ عَنْ وَجْهِ الارْضِ وَمِنْ وَجْهِكَ اخْتَفِي وَاكُونُ تَائِها وَهَارِبا فِي الارْضِ فَيَكُونُ كُلُّ مَنْ وَجَدَنِي يَقْتُلُنِي». 15 فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: «لِذَلِكَ كُلُّ مَنْ قَتَلَ قَايِينَ فَسَبْعَةَ اضْعَافٍ يُنْتَقَمُ مِنْهُ». وَجَعَلَ الرَّبُّ لِقَايِينَ عَلامَةً لِكَيْ لا يَقْتُلَهُ كُلُّ مَنْ وَجَدَهُ. 
نجد أن الله بعد نعله لإبن آدم القاتل جعل له علامة حتى لا يقتل و بقي تائها في الأرض و لم تحدد النصوص متى توفي على خلاف بقية شخصيات سفر التكوين و ظل مصيره مجهول ؟
فسواء كان إبن آدم هو مثيل إبليس  أم لا  رغم أن كل الدلائل تشير إلى ذلك فالأكيد أن إبليس و حليفه من الإنس قد كونا حزب من شياطين الإنس و الجن هدفه الأساسي إضلال الناس و إبعادهم دين الله و ذلك عن طريق محاربة الرسل و ما جاؤوا به من رسالات 
وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112)  سورة الأنعام
و قد أشرا القرآن إلى هذا التحالف و الحزب بعبارة معشر في إشارة للمعاشرة الدائمة بينهم و قد ذكرت هذه العبارة ثلاث مرات في القرآن
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (128) وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (129) يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (130)  سورة الأنعام
يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ (33) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (34) يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ (35)  سورة الرحمن
و الدليل على أن عبارة معشر تشير لشياطين الجن و الإنس أن القرآن لم يستخدمها سوى في الآيات التي تتوعد طوائف الجن و الإنس المخاطبة فيها بالهزيمة و العذاب و يبقى السؤال كيف تقوم هذه الطائفة بتنفيذ مخططاتها على أرض الواقع و كيف تضل العباد ؟
يعتقد الناس أن إضلال إبليس للعباد يكون عن طريق تكليف قرين من الجن يرتبط بكل شخص منذ ولادته حتى مماته مهمته الوحيدة هي إضلاله بناء على معتقدات التراث المذهبي الذي يتحفنا في كل مرة ببعده الشديد عن الفهم القرآني السليم 
لكن الحقيقة أن الإنسان هو من يقترن بالشيطان و ليس العكس فلكما إتبع طريق الله تعالى كلما إبتعد عن الشياطين و كلما إتبع الهوى و طريق المعصية كلما صار له قرناء 
وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا (38)  سورة النساء
 وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (25)  سورة فصلت
أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (83)  سورة مريم
وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37)  سورة الزخرف
هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222)  سورة الشعراء
فكما يلاحظ في نصوص الآيات فإن هؤلاء الشياطين لا يقترنون سوى بمن إبتعد عن ذكر الله تعالى أما من إتبع سبيله فليس لهم عليه سلطان
فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (100)  سورة النحل
وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ (98) حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100)  سورة المؤمنون
و كما يتضح في الآية الأخيرة فإن المقصود بها هم شياطين الإنس حيث ذكرت لنا مصيرهم و أقوالهم لحظة الموت مما يؤكد أن مفهوم القرين ليس محصور في الجن فحسب بل حتى الإنس كما تبين بقية الآيات
قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (51) يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (52) أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ (53) قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (54) فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ (55) قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (56) وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (57)  سورة الصافات
حيث تصف لنا مصير أحد قرناء الإنس يوم القيامة و الذي كان يأمر بالكفر و إنكار يوم الحساب في الحياة الدنيا
وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14)  سورة البقرة
 هنا أيضا تذكر لنا الآية شياطين من الإنس كان يتردد المنافقون بينهم و بين المؤمنين حيث كانوا يظهرون ولائهم الكاذب للمؤمنين و كفرهم و إستهزائهم بهم في حضرة هؤلاء الشياطين الذين كانوا يزيدونهم ضلالا  و طغيانا
فالإقتران بالشياطين يبدأ بأقرب المقربين الذين يدفعون الشخص إلى المعصية في كل مناسبة و ينهونه عن ذكر الله 
وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15)  سورة لقمان
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14)  سورة التغابن
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (23)  سورة التوبة
و ينتهي بالإقتران بإبليس و أعوانه من الجن و الإنس عن طريق إتباع السبل التي صنعوها لإضلال العباد و ما أكثرها خصوصا في عصرنا الحالي
 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91)  سورة المائدة
فالإقتران بإبليس هو ببساطة الإبتعاد عن دين الله لأن في الأخير يبقى هذا هو هدف الشيطان الأسمى مع كل شخص منا و الذي من أجله سخر كل جنوده و وسائل إغوائه  فلسنا مرتبطين بقرناء غير مرئيين نلصق فيهم جميع أخطاءنا فكل ما نقوم به من ذنوب هو من صنع أيدينا و نتحمل مسؤوليته لوحدنا 
وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (50) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (51)  سورة الأنفال
دور إبليس و جماعته هو تسخير السبل لجعل العالم الذي من حولنا كله إغراء و حث على المعصية لكن يبقى القرار الأول الأخير بيد الإنسان

تعليقات

  1. هل الشيطان بإمكانه الخلق ؟ أتمنى التوضيح.

    ردحذف
    الردود
    1. ما المقصود بالخلق ؟ الخلق أنواع هناك من يقدر عليه العباد
      إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا (17) سورة العنْكبوت
      وهناك من ينفرد به الرحمن ويإذن لبعض عباده بالقيام به
      وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي (110) سورة المائدة

      حذف

إرسال تعليق