بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
عندما ننظر إلى الهوة الشاسعة بين المحتوى الفعلي لكتاب الله وما نسب له المورث البشري من أفهام خاطئة ومخالفة يصل بعضها لدرجة التضاد فإننا ندرك وجود خلل كبير في أدوات تدبر القرآن ومن أبرز الأخطاء التي ارتكبت عبر العصور اللاحقة لزمن تنزيل القرآن ولا تزال هي محاولة فهم نصوص القرآن انطلاقا من المنطق اللغوي المعاصر بدل عرضها على قواعد اللغة الأم المتجلية في نصوص القرآن...وهو ما أدى إلى ظهور مجموعة من التناقضات والأحكام الظالمة التي قد تدفع بالبعض إلى التشكيك والارتداد وأخذ صورة سيئة عن الإسلام...والسبب بطبيعة الحال هو الإصرار على نفس فكرة الموروث المذهبي الخاطئة التي تدعي تنزيل القرآن بنفس ما أسموه باللغة العربية الفصحى أو لسان العرب المستحدثة في مراحل لاحقة كما سبق التوضيح في مقال
مفهوم عربية القرآنومن أبرز الأمثلة على هذا الإشكال قاعدة تعميم الأسماء المعرفة الذي حول ما تم تخصيصه لأفراد أو أشياء معينة إلى تعميم شامل لكافة الجنس وهو ما خلف مجموعة من المفاهيم الخاطئة والعنصرية والمعادية لبعض الشعوب والعقائد حيث صار الاعتقاد السائد لدى العديد باقتران تعريف أسماء بالألف واللام كالكفار المشركين اليهود النصارى الخ بالعموم المطلق وهنا وقع الإشكال واعتقد البعض بوجود أخطاء وتناقضات في نصوص القرآن
وكمثال تباين موقف القرآن من النصارى في نفس السور والسياقات حيث نجد من جهة دعوة صريحة في النصوص لعدم اتخاذ النصارى أولياء لتحالفهم مع اليهود ضد المؤمنين
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) سورة المائدة
لتعود وتخبرنا من جهة أخرى أنهم كانوا أقرب مودة للمؤمنين من اليهود وأن أعينهم كانت تفيض من الدمع عند سماع القرآن !
لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (82) وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83) سورة المائدة
وهناك العديد من الأمثلة...لكن في الحقيقة أن تعريف المخاطبين في القرآن لا يعني دائما العموم المطلق بل يبقى مجرد أداة لتعريف جنس وهوية المخاطبين الدينية أو العرقية حسب السياق لذلك نجد الخطاب متغيرا حسب موقف وأفعال المخاطبين أنفسهم وليس حسب هويتهم الدينية والعرقية وإلا فسيصير الجنس البشري كله كافرا !
وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا (67) سورة الإسراء
فمثلا عندما نهى الرحمن عن ولاية النصارى في النص الأول فلم يكن المقصود عموم النصارى بل فئة معينة كانت تعادي المؤمنين وتوالي اليهود ضدهم كما يتضح في تتمة السياق التي تخبرنا بحقيقة اضطهادهم للمؤمنين وسخريتهم من صلاتهم
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (57) وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (58) سورة المائدة
طبعا لا يمكن تعميم هذا الفعل على كل يهودي أو نصراني في كل زمان ومكان فمن الواضح هنا أن المقصود طوائف معينة منهم في زمن البعثة المحمدية ومن سار على نفس الدرب
أما النص الثاني فيتحدث بالخصوص على الجانب العقائدي للطائفتين اليهودية والنصرانية وبالأخص رجال الدين وكيف تدفع تعاليم النصرانية المتواضعة أتباعها خصوصا القسيسين والرهبان إلى الإيمان بالقرآن أكثر من اليهود الذين يدفعهم دينهم الفاسد إلى عداوة المؤمنين...وهو ما يبدو جد منطقي وطبيعي لانتصار القرآن لعقيدة النصارى على حساب عقيدة اليهود بتصديقه وتأييده لنبوءة المسيح نقطة الاختلاف الرئيسية بينهما
وهناك مثال آخر أكثر وضوحا يستشهد به العديد على كفر ونفاق الأعراب
أما النص الثاني فيتحدث بالخصوص على الجانب العقائدي للطائفتين اليهودية والنصرانية وبالأخص رجال الدين وكيف تدفع تعاليم النصرانية المتواضعة أتباعها خصوصا القسيسين والرهبان إلى الإيمان بالقرآن أكثر من اليهود الذين يدفعهم دينهم الفاسد إلى عداوة المؤمنين...وهو ما يبدو جد منطقي وطبيعي لانتصار القرآن لعقيدة النصارى على حساب عقيدة اليهود بتصديقه وتأييده لنبوءة المسيح نقطة الاختلاف الرئيسية بينهما
وهناك مثال آخر أكثر وضوحا يستشهد به العديد على كفر ونفاق الأعراب
الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (97) سورة التوبة
لكننا بعد نصين فقط سنجد تأكيد على إيمان وصلاح طائفة منهم
وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (99) سورة التوبة
وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (99) سورة التوبة
وقد استغلت نصوص سورة التوبة بالذات لتبديل حكم وشريعة الله في ما يخص أحكام القتال باستغلال نفس هذه النقطة لتعميم بعض الأحكام الخاصة بطوائف معينة من المشركين على كافة المشركين في كل زمان ومكان وأخص بالذكر ما سمي بآية السيف التي نسخت وألغت جميع آيات السلم وحرية العقيدة في القرآن على حد زعمهم
فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) سورة التوبة
وهو ما سيتجلى بطلانه عند دراسة السياق الذي تم فيه تخصيص الحكم ولفظ المشركين على طوائف معينة قامت بنكث معاهدات السلام التي تربطها بالمؤمنين
فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) سورة التوبة
وهو ما سيتجلى بطلانه عند دراسة السياق الذي تم فيه تخصيص الحكم ولفظ المشركين على طوائف معينة قامت بنكث معاهدات السلام التي تربطها بالمؤمنين
بَرَاءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (1) فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ وَأَنَّ اللهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ (2) فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (13) سورة التوبة
و الدليل على عدم شمول الحكم عموم المشركين رغم تعريفهم بالألف واللام هو استثناء من استقام منهم للمؤمنين وأوفى بعهده
إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (4) كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (7) سورة التوبة
و للأسف تم تشريع العديد من الأحكام والشرائع الجائرة التي لا تمت للإسلام بصلة بناء على نصوص مبتورة ومحرفة المعنى كالاستشهاد بقول
وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36) سورة التوبة
للدعوة لقتل جميع المشركين بدون استثناء
فوجب إزالة اللبس وتوضيح هذه النقطة البالغة الأهمية لأهميتها القصوى في تصحيح العديد من المفاهيم المغلوطة التي ساهمت في نشأة شرائع ما أنزل الله بها من سلطان لازلنا نجتر ويلاتها إلى يومنا هذا
فوجب إزالة اللبس وتوضيح هذه النقطة البالغة الأهمية لأهميتها القصوى في تصحيح العديد من المفاهيم المغلوطة التي ساهمت في نشأة شرائع ما أنزل الله بها من سلطان لازلنا نجتر ويلاتها إلى يومنا هذا
ويبقى العلم لله سبحانه وتعالى
إن أخطأت فمن نفسي وإن أصبت فمن العزيز العليم