مفهوم أدنى في القرآن

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ


من بين المفاهيم الخاطئة التي نسبها شيوخ السلف للقرآن الكريم و التي تحولت في عصرنا الحالي لحجة ضد كتاب الله حصر تفسير كلمة أدنى في القرب
و لعل الآية التي أسالت المداد بخصوص هذه المسألة هي الآية الثالثة من سورة الروم
الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3)  سورة الروم
حيث قاموا بتفسير أدنى على أنها أقرب الأرض 
تفسير الجلالين
{ في أدنى الأرض } أي أقرب أرض الروم إلى فارس بالجزيرة التقى فيها الجيشان والبادي بالغزو الفرس 
تفسير الطبري
{ فِي أَدْنَى الْأَرْض } مِنْ أَرْض الشَّام إِلَى أَرْض فَارِس
ولكن بعد إكتشاف العلم الحديث أن أخفض منقطة من اليابسة على سطح كوكبنا تقع في سواحل  البحر الميت حيث عرفت بالفعل معارك للرومان في نفس الفترة التي زعموا فيها بعثة الرسول 
تراجع جل العلماء المعاصرين مجبرين عن التفسير القديم و إعترفوا أن أدنى تعني الإنخفاض و ليس القرب لكن بعد فوات الأوان فكل خصوم الإسلام إتهموا علماء الإعجاز العلمي بلي عنق الآيات و تزييف الحقائق لتتوافق مع المكتشفات الحديثة و أن هذا التصحيح كان يجب حدوثه قبل الإكتشاف و ليس بعده و هي ملاحظة في محلها
لكن ما يهم كل باحث عن الحقيقة هو معرفة المفهوم الحقيقي لأدنى و أقصى في القرآن للوصول إلى المعنى الحقيقي المراد في النص و لن يتأتى ذلك سوى بالرجوع لمفهوم هاتين المفردتين في باقي الآيات القرآنية
المشكلة أن هناك عدة آيات تحتمل أكثر من معنى واحد
فمثلا بالنسبة لأقصى
وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20)  سورة يس
وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20)  سورة القصص
قد تنطبق على كل من أعلى المدينة أو أبعدها
سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1)  سورة الإسراء
نفس الملاحظة بالنسبة للمسجد الأقصى الذي قد يعني المسجد الأعلى مرتبة أو مكانا أو المسجد الأبعد مكانا
أما بالنسبة لكلمة أدنى فقد جاءت أكثر تفصيلا فإن كان ذكرها في بعض الآيات يقبل أكثر من إحتمال
وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21)  سورة السجدة
سواء العذاب الأقل أو العذاب الأقرب 
 فهناك في المقابل آيات أكثر دقة حيث نجد كلمة أدنى من خلالها تدل على ثلاث معاني مختلفة
حيث جاءت مرادفة للقلة عكس الكثرة
 أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (7)  سورة المجادلة
وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (61)  سورة البقرة
و جائت مرادفة أيضا لكلمة أقرب
ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (108)  سورة المائدة
أقرب أن يأتوا بالشهادة
وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا (3)  سورة النساء
أقرب أن لا تعولوا
تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا (51)  سورة الأحزاب
أقرب أن تقر أعينهن
كما جاءت مرادفة للإنخفاض و النزول  حينما أمرت نساء المؤمنين بإنزال جلابيبهن 
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (59)  سورة الأحزاب
و الغريب أننا نجد في نفس الآية معنى أخر لأدنى و هو القرب 
ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9)  سورة النجم
هنا أيضا تصف الآية نزول جبريل ثم تدليه ليقترب من الرسول لأنه لا يمكن أن يسبق إقتراب جبريل تدليه من الأفق الأعلى أما تفسير قاب قوسين أو أدنى فيقبل كل من أقل و كذلك أقرب 
مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا (13) وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا (14)  سورة الإنسان
أي نازلة عليهم ظلال الجنة و هنا سيتبين ماذا سعي المفسرين على حصر مفهوم أدنى في القرب و لو تطلب الأمر تغيير معنى عليهم إلى منهم و الظل إلى الشجر ؟
تفسير الجلالين
{ ودانية } قريبة عطف على محل لا يرون، أي غير رائين { عليهم } منهم { ظلالها } شجرها { وذللت قطوفها تذليلا } أُدنيت ثمارها فينالها القائم والقاعد والمضطجع.
 و ستتبين هذه الكذبة بسهولة في الآية
وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (27) فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28) وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (29) وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30)  سورة الواقعة
فلا وجود لظل قريب و لا بعيد هناك ظل ممدود ليس كظل الأرض تتسبب فيه الأشجار لأن في الجنة لا وجود للشمس أصلا كما ذكرت الآية السابقة
فالخلاصة التي يمكن إستنتاجها من دراسة معنى كلمة أدنى في جل الآيات أنها تدل على النزول و الإنخفاض كلما إرتبط مفهومها بالمكان كخفض الجلابيب إنخفاض جبريل و إنخفاض الظلال في الجنة لذلك فالمنطقي و الأقرب للواقع هو تفسير أدنى الأرض بأخفض الأرض و بالتالي يمكن للمسلم التأكد تماما من صحة صحة هذه النبوءة العظيمة التي تؤكد صدق القرآن و رسالة محمد ليس لأن الروم حاربوا فيها بداية القرن السابع الميلادي لكن كون أحداث البعثة المحمدية تدور في نفس المنطقة تقريبا كما سبقت الإشارة في موضوع
وكذلك لأن الروم تواجدوا و حاربوا فيها في عدة فترات تاريخية فلا يمكن أن تكون هذه مجرد صدفة عابرة ؟
لكن كيف إرتكب المفسرون الأوائل مثل هذا الخطأ و هل كان خطئهم هذا عن جهل أم عن قصد ؟
 فعلماء المذاهب قبل هذا الإكتشاف العلمي لم يكن في وسعهم تغيير أقوال سلفهم لأن ذلك سيمس مفاهيم أخرى ستغير عدة تفسيرات و مفاهيم عن أحداث تاريخية سابقة من بينها هذه الآية المنسوبة لمعركة بدر 
إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (42)  سورة الأنفال 
حيث تم تفسير الأدنى و الاقصى هنا بالقرب و البعد حتى تطابق الآية من ما نسجوه من أحداث في روايات الثرات
تفسير بن كثير
يقول تعالى مخبراً عن يوم الفرقان: { إذ أنتم بالعدوة الدنيا } أي أنتم نزول بعدوة الوادي الدنيا القريبة إلى المدينة { وهم } أي المشركون نزول { بالعدوة القصوى } أي البعيدة من المدينة إلى ناحية مكة { والركب } أي العير الذي فيه أبو سفيان بما معه من التجارة، { أسفل منكم } أي مما يلي سيف البحر
تفسير الجلالين
{ إذ } بدل من يوم { أنتم } كائنون { بالعُدوة الدنيا } القربى من المدينة وهى بضم العين وكسرها جانب الوادي { وهم بالعدوة القصوى } البعدى منها { والركب } العير كائنون بمكان { أسفل منكم } مما يلي البحر 
لكن لو طبقنا مفهوم الأدنى و الأقصى الحديث الذي يتمشى من الإعجاز العلمي فستتحول تضاريس المعركة إلى جبل شاهق يوجد في منطقة جبلية جاء الكفار من عدوته العليا حيث كانوا فوق المؤمنين الذين كان في عدوته السفلى و من أسفل الجبل جاء فوج أخر من الكفار على متن لخيولهم و هذا ما ينطبق بالحرف على معركة الأحزاب و ليس معركة بدر التي حاولوا أن ينسبوا لها هذه الأحداث
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (9) إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10)  سورة الأحزاب
فأي إستراتيجية عسكرية تجعل ركب الكفار أسفل من المؤمنين و بقية جنود العدو في العدوة الأبعد ؟
و قد حاولوا عدم ربط معركة الأحزاب بالآية الأولى حتى لا تنكشف أكذوبة الخنادق الترقيعية التي إخترعوها لجعل تضاريس ما يسمونه حاليا بالمدينة مطابقة مع الوصف القرآني
و لأن الوصف الحقيقي للآية كان سيظهر تضاريس لا توجد بتاتا في ضواحي ما يسمونه حاليا بالمدينة المنورة 
فسعيهم لإخفاء الحقائق القرآنية على الناس و طمسها جعلهم في نفس الوقت يطمسون أحد أهم إعجازات القرآن البينة

تعليقات