بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
بعد أن ظلت شخصية إسرائيل في الظل طيلة القرون الماضية لتسليم أغلب الناس بأنها مجرد تسمية للنبي يعقوب وبعد سقوط القناع وانكشاف خطأ أغلب ما جاء في الموروث المذهبي وأنه مجرد مرآة لمرويات اليهود بدأت الناس في التساؤل عن هوية هذه الشخصية الغامضة الذي ذكرت باختصار شديد في القرآن وفي نفس الوقت تم الإسهاب في الحديث عن ذريتها ؟ وبدل أن تكون الأبحاث خالصة لوجه ودين الله أبت الأيدي السياسية إلا أن تتدخل في الموضوع مرة أخرى لتسخير النصوص لإدانة عرق بني إسرائيل (اليهود حسب اعتقادهم) ونسبهم لشخص مجرم وقاتل ووصفهم بالشجرة الخبيثة والنسل الفاسد الخ
وانطلاقا من الطرح بالذات بدأت تلوح النظريات الواحد تلو الأخرى إسرائيل شخص عاش قبل آدم هو زوج آدم الذي دخل معه الجنة هو ابن آدم القاتل أو المقتول شخص ركب مع نوح في السفينة الخ والتي بغض النظر عن اختلافها في التفاصيل فإنها تعتمد بالأساس على ثلاثة نقاط أساسية
ذكر القرآن لوجود سلالة موازية لذرية نوح ممن حملوا معه في السفينة
تخصيص الخطاب القرآني لكل من بني آدم وبني إسرائيل من دون باقي الذريات
وبالأخص ربط جريمة قتل ابن آدم لأخيه ببني إسرائيل
يعود الاختلاف في هوية إسرائيل بالأساس إلى ما يراه البعض تناقضا في نصوص القرآن فمن جهة لدينا نص صريح يوحي بأنه لم ينجو من الطوفان سوى ذرية نوح
وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (75) وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76) وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ (77) سورة الصافات
ومن جهة أخرى لدينا نصوص توحي بالعكس ونجاة ما دونهم من المؤمنين
حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ (40) سورة هود
من آراذل القوم
وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ (27) سورة هود
وانطلاقا من هذا النص ونصوص أخرى
قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ (48) سورة هود
وبالأخص من نص سورة الإسراء الذي يؤكد انتماء بني إسرائيل لسلالة من حمل مع نوح في السفينة
وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (2) ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ (3) سورة الإسراء
خرج العديد من الباحثين بقناعة انتماء بني إسرائيل لسلالة موازية وغير منتمية لذرية نوح وإنما لمن نجوا معه في الفلك معتبرين تأكيد نص سورة الصافات على بقاء ذرية نوح غير متعارض مع نجاة غيرهم...لكن المشكلة في مثل الأطروحات المتسرعة أنها تتجاهل في الغالب تتمة السياق الذي لم يستثني من الغرق سوى ذرية نوح
وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ (77) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (82) سورة الصافاتلنجد أنفسنا أمام السؤال المحير هل يعقل أن يكون هناك تناقض بين نصوص القرآن ؟ أم أن الخلل في فهم من لم يقوموا بالتمييز بين مصطلح الأهل المقتصر على الأقارب المعاشرين
قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ (40) سورة هود
ومصلح الذرية الشامل للذرية البعيدة التي لم يعاشرها نبي الله نوح
وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ (77) سورة الصافات
فما يجب إدراكه أن كل معلومة موضوعة في القرآن إلا وذكرت لهدف معين وليس لمجرد الذكر وعندما أشار القرآن إلى طول مدة دعوة النبي نوح لقومه من دون باقي الأنبياء
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (14) سورة العنْكبوت
فليس فقط لتوضيح الفرق بين وحدتي العام والسنة وطبيعة السنين قبل الطوفان التي كان بالإمكان تبيانها بأكثر من طريقة بل للإشارة أيضا إلى العمر الغير الاعتيادي للنبي نوح الذي حتى لو سلمنا بقياس السنة في زمن ما قبل الطوفان بالدورة القمرية الواحدة فستظل مدة ألف سنة المرادفة لاثنان وثمانون عام شمسي جد طويلة بالنسبة للمدة التي اقتصرت على دعوته لقومه وإذا أضفنا عليها الخمسين عام المستثناة استثناء منقطع لعدم منطقية تحديد المدة باستثناء خمسين عام من ثمانين بدل ذكر ثلاثين عام مباشرة فسيتجاوز عمر نوح مبدئيا المئة وثلاثون عام والذي يبقى جد مرتفع حتى بالنسبة لأمل الحياة في زمننا المعاصر الذي تطورت فيه الظروف الصحية والمعيشية بشكل كبير فما بالك بالإنسان البدائي ؟ وهو ما يوحي بالفعل بتعمير نوح لفترة طويلة قبل الطوفان سمحت بامتداد ذريته عبر عدة أجيال لتشكل نسبة مهمة من مجتمعه المعاصر في زمن الطوفان...فحمل جزء منها في الفلك إلى جانب أهله المعاصرين وهو ما ينفي وجود سلالة ثانية ناجية من دون ذرية نوح التي تبقى هي نفسها ذرية آدم
وبطبيعة الحال عندما تحيد الفكرة الرئيسية عن حقيقة النص القرآني فسيترتب عن ذلك المزيد من الأخطاء التي ستوحي بتناقض كتاب الله كتأكيد القرآن على انتماء أنبياء بني إسرائيل لذرية النبي نوح
وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ (85) سورة الأَنعام
الذي دفع أصحاب نظرية العرق الموازي إلى نفي انتمائهم لبني إسرائيل والزعم بأن الله كان يرسل أنبياء بني نوح وبني إبراهيم إلى بني إسرائيل متجاهلين وصف بني إسرائيل بقوم أنبياء مثل موسى وهارون
وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (114) وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (115) سورة الصافات
ومدعين أن بني إسرائيل كانوا فقط جزء من قوم موسى وهارون رغم عدم ذكر القرآن لخروج
فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (47) سورة طه
وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ (90) سورة يونس
واستعباد غيرهم
وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (22) سورة الشعراء
فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ (47) سورة المؤمنون
دون الحديث عن الدافع لمحاولة قتل فرعون لموسى
يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ (47) وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ (49) سورة البقرةوَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا (9) سورة القصص
وعن سبب دخوله متخفيا لمدينة فرعون
وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ (15) سورة القصص
واعتباره استعباد بني إسرائيل إساءة له
وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (22) سورة الشعراء
لو لم يكن من بني إسرائيل
يقولون أن الله أرسل إليهم
لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا (70) سورة المائدة
وفيهم
وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ (20) سورة المائدة
ولكن ليس منهم ؟؟؟
أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ (246) وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا (247) سورة البقرة
أصلا لماذا سيختار الله الشجرة الملعونة والخبيثة
وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ (30) وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (32) سورة الدخانويؤتيهم الحكم والنبوءة والكتاب ويفضلهم على العالمين !
وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (16) سورة الجاثية
وكحال كل من يحاول فرض فكرة معينة على النصوص فيبقى الحل الأسهل هو اللجوء لأسلوب الاصطفائية بغية التعميم وإقناع المتلقي بفساد الجنس برمته
لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ (70) سورة المائدة
قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللهِ مَنْ لَعَنَهُ اللهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (60) سورة المائدة
وتجاهل كل ما ينفي ادعائهم
وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (23) وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24) سورة السجدة
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ (10) سورة الأَحقاف
كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ (14) سورة الصف
الأسلوب الذي يمكن استعماله لإدانة أي عرق أو قوم آخرين
الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ (97) سورة التوبة
وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ (99) سورة التوبة
بل حتى محاولتهم الاستشهاد بمعيار كفر الأكثرية
كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32) سورة المائدة
هو أول من يدين ما يصفونه بالجنس المختار أو شجرة الأنبياء الطيبة المتمثل في نسل نوح وإبراهيموَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (26) سورة الحديد
وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ (71) سورة الصافات
وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ (102) سورة الأَعراف
أو نسل آدم بصفة عامة حسب نظريات البعض
قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا (62) سورة الإسراء
فلا وجود لجنس ملعون اللعنة والغضب نتاج عمل الإنسان وليس نتاج العرق المنتسب إليه
نأتي الآن لأدلتهم الأكثر موضوعية وجدية ومن بينها السؤال الذي حير العديد لماذا اختص القرآن بني إسرائيل بالذات بالخطاب إلى جانب بني آدم من دون باقي السلالات ؟ لماذا لا نجد أي ذكر لبني نوح أو بني إبراهيم أو بني إسماعيل الخ في القرآن ؟ وبالتالي فلا يمكن أن يكون الأمر سوى إشارة إلى قدم السلالة الإسرائيلية وقربها من جيل آدم بل يرى البعض منهم أنه دليل على انفصالها عن سلالة آدم وأن إسرائيل ليس من بني آدم من الأساس...سؤال مشروع يستحق التوضيح لكنه لا يعني بالضرورة صحة الطرح لأن المظاهر تكون في العديد من الأحيان خادعة والحقيقة أبسط بكثير مما نتصور وأن السبب الحقيقي لمخاطبة ذرية إسرائيل بعبارة يا بني إسرائيل ببساطة كونهم الوحيدين الذين ظلوا محتفظين بهويتهم وتسميتهم حتى زمن البعثة المحمدية عكس باقي الذريات التي تشتت وانسلخت واندمجت مع أقوام أخرى...وهو ما يتجلى في العديد من النصوص القرآنية المخاطبة بالفعل لقوم كانوا يدعون بني إسرائيل في زمن البعثة
يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ (40) وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ (41) سورة البقرة
وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (83) وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (84) ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ (85) سورة البقرة
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ (101) سورة الإسراء
لكن لو أمعنا النظر في النصوص المخاطبة لبني آدم والتي ورد السواد الأعظم منها في سياق سورة الأعراف كتتمة لقصة آدم سنلاحظ أنها نصوص عامة وغير محصورة في زمان ومكان أو قوم معينين
قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (24) قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ (25) يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ (26) يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ (27) يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا (31) يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (35) سورة الأَعراف
لا توجد نصوص مخصصة لقوم اسمهم بني آدم في زمن البعثة المحمدية ولا في زمن الأنبياء السابقين تأمرهم باتباع وتصديق كتاب ورسل الله مثل بني إسرائيل
وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ (6) سورة الصف
لا توجد نصوص تأمر بسؤال قوم يدعون بني آدم
سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ (211) سورة البقرةأو تخبر بأن القرآن كان آية لهم
أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ (197) سورة الشعراء
أو أنه نزل ليحكم بينهم
إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (76) سورة النمل
ببساطة لأنه لم يعد هناك قوم اسمهم بني آدم أو بني نوح أو بني إبراهيم في زمن تنزيل القرآن لكن في المقابل عندما تتحدث النصوص بصفة عامة عن الفصيلة المكلفة سواء في البدء أو في الآخرة فلم يشر لغير بني آدم
وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (59) أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) سورة يس
السلالة الشاملة لبني إسرائيل وغيرهم ولو كان بالفعل نسل إسرائيل منفصلا أو مختلفا عن نسل آدم فأضعف الإيمان أن يخاطبهما الرحمن كسلالتين مختلفتين في أحد نصوص القرآن
وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ (172) سورة الأَعراف
فيقول
وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ وَبَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ
وبالتالي فلا يمكن اعتبار خطاب بني إسرائيل في القرآن دليلا على قدم السلالة أو اختلافها عن سلالة آدم أو نوح بل على العكس فإن ذلك يوحي بحداثتها نسبيا وأكبر دليل على أن الأمر مجرد مخاطبة للقرآن بلسان القوم
وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ (4) سورة إِبراهيم
والتسميات التي كانت متعارفة في زمن التنزيل وليس إرادة في إظهار اختلاف الأعراق هو عدم تسمية الأميين من قوم محمد ببني إسرائيل
هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ (2) سورة الجمعة
رغم إيحاء النصوص بانحدارهم من قوم النبي موسى
فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ (48) سورة القصص
الذي ظلوا في شك في من رسالته حتى بعثة النبي محمد
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (110) سورة هود
والذي احتفظ فريق منهم بكتابه حتى زمن تنزيل القرآن
وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ قُلِ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (91) سورة الأَنعام
وبطبيعة الحال إذا كان قوم محمد من ذرية قوم موسى
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ (5) سورة إِبراهيم
فهم بالتأكيد من بني إسرائيل
وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (2) سورة الإسراء
ومع ذلك لم يوصفوا أو يخاطبوا في أي نص قرآني ببني إسرائيل ليس لعدم انتمائهم لنسل إسرائيل بل بسبب فقدانهم للتسمية والهوية الإسرائيلية بعد انفصالهم وانشقاقهم في زمن موسى عن الذين هادوا الذين احتفظوا بالتسمية لأنفسهم ومثل هذه النصوص غير شاهد
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ (10) سورة الأَحقاف
وتبقى كل هذه الأدلة في كفة ونص سورة المائدة الذي قام بالربط بين بني إسرائيل وجريمة قتل ابن آدم لأخيه في كفة أخرى
فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30) مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا (32) سورة المائدة
والذي يعد أقوى أدلتهم وأشهرها على الإطلاق والذي دفعني شخصيا للإيمان لمدة طويلة بأن إسرائيل هو ابن آدم القاتل كيف لا وقد تم فرض الحكم المترتب عن جريمته على بني إسرائيل بالذات والذي اعتبره صاحب النظرية إجراء لمنع ذرية الجاني من اتباع سنة أبيهم في القتل...لكن يبقى السؤال المطروح هنا هل بالفعل اختص الرحمن بني إسرائيل بهذا الحكم دون بقية الأمم أم أننا حملنا النص أكثر مما يحتمل ؟
أول إشكال في هذه الطرح هو تعارضه مع المبدأ القرآني الحريص على عدم إسقاط الذنوب على غير مقترفيها
وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (164) سورة الأَنعام
وبالأخص على عدم محاسبة الأبناء بذنوب الآباء أحد أهم الفوارق بين حكم الله وكلام البشر المنسوب للرحمن
سفر العدد إصحاح 14
18 الرَّبُّ طَوِيلُ الرُّوحِ كَثِيرُ الإِحْسَانِ يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَالسَّيِّئَةَ لكِنَّهُ لا يُبْرِئُ. بَل يَجْعَلُ ذَنْبَ الآبَاءِ عَلى الأَبْنَاءِ إِلى الجِيلِ الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ.
التي سبق التطرق إليها بالتفصيل في مقال
وبالتالي فمن جد المستبعد أن يختص الرحمن أبناء الجاني بالحكم المترتب عن جريمة أبيهم التي لا دخل لهم فيها والذي يستلزم منطقيا أن يشمل جميع أفراد مجتمعهم المعاصر (بني آدم) كما هو الشأن في جل الدساتير عبر العصور التي سنت فيها القوانين على العامة لردع الجريمة في المجتمع دون النظر إلى هوية مقترفيها
الإشكال الثاني أن فرض مثل هذا الحكم يستلزم بعثة رسول مبلغ في نفس الحقبة الزمنية (الأجيال الأولى لبني آدم) الذي زعم صاحب البحث الأصلي أنه نبي الله إدريس معتمدا بالأساس على الموروث المذهبي المروج لفكرة بعثة إدريس قبل نوح رغم إيحاء النصين الوحيدين اللذان ذكر فيهما ببعثته بعد إسماعيل
وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ (85) سورة الأنبياء
وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (54) وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (56) سورة مريم
وبالأخص إشارة القرآن إلى عدم بعثة أنبياء قبل نوح
إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ (163) سورة النساء
ليبقى السؤال المطروح هنا متى كتب الله هذا الحكم على بني إسرائيل هل في زمن النبي نوح أم من بعده ؟ ألا يبدو الحكم متأخرا حتى في حالة فرضه في زمن بعثة النبي نوح المتأخر عن حقبة آدم بفترة طال فيها الأمد حتى نسي الناس عقيدة التوحيد والإسلام
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ (23) فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ (24) سورة المؤمنون
ويبقى السؤال الحقيقي هل بالفعل تم تخصيص هذا الحكم لبني إسرائيل من دون سواهم أم تم إخراج النص من سياقه لتمرير فكرة معينة ؟ وحتى لا نذهب بعيدا وفي نفس السياق ونفس السورة ودائما في إطار الأحكام المفروضة على بني إسرائيل
إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا (44) وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ (45) سورة المائدة
فهل هذا يعني اقتصار حكم القصاص في القتلى والجروح على بني إسرائيل من دون غيرهم ؟ أم أن سياق سورة المائدة الذي خصص فيه السواد الأعظم من الحديث لبني إسرائيل
وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا (12) وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا (20) مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ (32) لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا (70) وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ (72) لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ (78) وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ (110) سورة المائدة
والخطاب القرآني بصفة عامة الموجه في المقام الأول لبني إسرائيل
إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (76) سورة النمل
هو من جعل الحديث في بعض الأحكام يبدو مقتصرا عليهم دون أن ينفي فرض نفس هذه الأحكام على بقية الأقوام المنذرة بما في ذلك الحكم المترتب عن قتل ابن آدم لأخيه والذي وجب العودة إلى نصوص العهد القديم لفهم مغزاه الحقيقي لكن ليس للنسخة العربية التي أساءت الترجمة
سفر التكوين إصحاح 4
10 فَقَالَ: «مَاذَا فَعَلْتَ؟ صَوْتُ دَمِ اخِيكَ صَارِخٌ الَيَّ مِنَ الارْضِ.
بل إلى النسخة العبرية الأصلية التي ذكرت دماء القتيل بصيغة الجمع في حقيقة الأمر
ויאמר מה עשׂית קול דמי אחיך צעקים אלי מן־האדמה
سفر التكوين إصحاح 4
10 فَقَالَ: «مَاذَا فَعَلْتَ؟ صَوْتُ دَمَاءِ اخِيكَ صَارِيخِينَ الَيَّ مِنَ الارْضِ.
في إشارة صريحة إلى النسل الذي كان سيأتي من إبن آدم القتيل لو بقي على قيد الحياة والذي اعتبر قتله بمثابة قتل لجميع ذريته المستقبلية (الناس جميعا) بمنعهم من القدوم إلى الحياة
مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا (32) سورة المائدة
والعكس صحيح
وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا (32) سورة المائدة
وليس كما ذهب المفسرون الذين أسقطوا مصطلح الناس النسبي الذي قد يطلق على أية فئة من البشر كالمؤمنين
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ (13) سورة البقرة
أو الكفار
وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى (55) سورة الكهف
على عموم الإنس
تفسير بن كثير
{ أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا } أي من قتل نفساً بغير سبب من قصاص أو فساد في الأرض، واستحل قتلها بلا سبب ولا جناية، فكأنما قتل الناس جميعاً، لأنه لا فرق عنده بين نفس ونفس، ومن أحياها أي حرم قتلها واعتقد ذلك فقد سلم الناس كلهم منه بهذا الاعتبار،
ويبقى السؤال المطروح هنا من الذي سيدرك مدى عظمة الحكم والمثال المضروب الجيل الأول من بني آدم الذين كانوا شرذمة لا تتجاوز العشرات من الأفراد أم الأجيال المتأخرة الذين رأوا الأمم والشعوب الكبيرة التي خرجت من نسل أبناء آدم الأوائل وأدركوا العدد الهائل من الأنفس التي حرمت من الحياة بسبب هذه الجريمة ؟ فلهذا السبب ضرب الرحمن المثل لبني إسرائيل بأقدم جريمة قتل ليبين حجم الأنفس التي منعت من القدوم إلى الحياة بسببها وليس بسبب ارتباطهم أو ارتباط أبيهم المباشر بالحادثة...ليتضح في آخر المطاف أن هذا النص بالذات الذي طالما اعتبر دليلا قاطعا على قدم السلالة الإسرائيلية هو في حقيقة الأمر من أوضح الأدلة على العكس وعلى تأخر فرض الحكم عن أحداث الجريمة
فكما نرى فلا يوجد أي دليل قطعي وحاسم في هذه النظريات المبنية في الأساس على الاستنتاج الذي لا يمكن من خلاله قطع الشك باليقين والذي لم يصمد حتى أمام صريح النصوص القرآنية
وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ (77) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (82) سورة الصافات
ويبقى البحث عن هوية إسرائيل مستمرا حتى يطلعنا عليه علام الغيوب