بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
لا يخفى على أحد دور و أهمية تحديد مواقيت بداية و نهاية الليل و النهار قرآنيا في تحديد أوقات مختلف العبادات كما أرادها رب العالمين مواقيت تظن الغالبية الساحقة من أتباع المذاهب أنها من المسلمات التي لا تقبل الجدل مما يمنعهم من البحث عن الحقيقية كما جاءت في كتاب الله
يحدد أصحاب المذاهب نهاية النهار و بداية الليل بإختفاء قرص الشمس تحت خط الأفق و تحدد بداية النهار و نهاية الليل بما يسمى بالفجر الصادق الذي يبتدئ مع بداية ظهور الضوء الأبيض في الأفق الشرقي حوالي ساعة و نصف قبل ظهور قرص الشمس حقيقة لا يختلف عليها إثنان بإستثناء الشيعة الذين حددوا نهاية النهار و بداية الليل مع مغيب و إختفاء الشفق الأحمر الذي يعقب إختفاء قرص الشمس بحوالي عشرة دقائق
لكن يبقى السؤال ما مدى موافقة ذلك للنصوص القرآنية ؟
للوصول إلى الحقيقة يجب البدأ من أبسط و أوضح الأشياء و الحقائق
هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (67) سورة يونس
التي تؤكد أن النهار هو وصف للفترة الزمنية من اليوم التي يستطيع فيها الإنسان إبصار ما حوله من أشياء عكس الليل الذي يغشاها
وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2) سورة الليل
أي يحجب رؤيتها
وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (76) سورة الأنعام
لذلك وصف الليل هنا بأنه يجن أي يخفي الأشياء عن أعين الناس بدليل أن جل الأسماء المشتقة من فعل جن كالجان أو الأجنة
الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى (32) سورة النجم
تشير إلى الأجسام و المخلوفات الخفية أو المتخفية
و بناء على ذلك فإن كل من بداية النهار و نهايته تتزامنان على التوالي مع بداية القدرة على إبصار ما حولنا من أشياء و مع نهايتها و العكس بالنسبة لليل بطبيعة الحال الذي يبتدئ لحظة عدم القدرة على الإبصار و ينتهي لحظة بداية ظهور الضوء الذي يسمح برؤية الأجسام و تمييز بعضها عن بعض حيث كانت أبسط طريقة لمعرفة دخول وقت النهار في زمن الرسول و أكثرها فعالية هي وضع خيطين من الثوب واحد أبيض و الآخر أسود يدرك المرأ وقت دخول النهار و نهاية الليل عند القدرة على التمييز بينهما
أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187) سورة البقرة
فالمنطقي و الطبيعي إذن أن ينتهي النهار و يبتدئ الليل بعدم القدرة على التمييز بينها لكن أصحاب المذاهب كان لهم رأي آخر و إخترعوا لأنفسهم مفاهيم مغايرة لليل و النهار حين فسروا بيان الخيط الأبيض من الأسود ببيان الضوء الأبيض في الأفق من سواد الليل و الذي لا يسمح برؤية الأشياء و حددوا نهاية النهار و بداية الليل بإختفاء قرص الشمس أو الشفق الأحمر في الأفق
و في الحقيقية يعد بيان الخيط الأبيض من الأسود مجرد وصف لبداية ظهور الضوء الناتج عن بداية سقوط أشعة الشمس على الغلاف الجوي التي تؤدي إلى تغيير لونه من الأسود إلى الأزرق و تسمى هذه الفترة بالساعة الزرقاء
و هذا موقع خاص لتحديد مواقيت هذه الظاهرة في مختلف بقاع العالم
و هي فترة تختلف مدتها حسب الفصول و المناطق تتلوها فترة إضاءة شبه كاملة قبل ظهور قرص الشمس و تسبق نفس هذه الفترة الساعة الزرقاء في المساء بعد إختفاء قرص الشمس مما يجعل المدة الفاصلة بين بداية النهار و ظهور قرص الشمس و بين بداية إختفاء هذا الأخير في المساء و نهاية النهار ما بين 40-50 دقيقة في الغالب لكنها قد تطول أو تنقص حسب الفصول و المناطق و لعل أقرب وصف لهذه الفترة الزمنية قرآنيا هو طرفي النهار
وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114) سورة هود
الذي خصه الله تعالى لذكره و عبادته بشكل واضح في نص الآية و الذي حدد نهايته بطلوع الشمس و غروبها
فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (39) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ (40) سورة ق
فالله حدد لنا ثلاث أوقات لعبادته في الآيتين معا و إن كان هناك توافق تام بين الآيتين في كل من ميقات الليل و طرف النهار الأول الذي ينتهي مع طلوع الشمس فيبقى الإشكال في الطرف الثاني الذي يبتدئ مع غروب الشمس حسب ما توصلت إليه لحد الساعة لكنه يعود و ينتهي مع نفس الغروب حسب نص الآية الثانية ! و بطبيعة الحال يستحيل أن يكون هناك تناقض في كتاب الله بل سوء فهم و إستخدام للمفردات القرآنية في غير محلها لكن قبل الخوض في ميقات طرف النهار الثاني دعونا نبدأ من طرفه الأول و ندرس بعض الظواهر الطبيعية المقترنة به في القرآن
طلوع الشمس
إرتبطت كلمة الطلوع و مشتقاتها كالإطلاع في لسان القرآن بالرؤية المقترنة بظهور و بيان الأجسام
وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ (38) سورة القصص
قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (54) فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ (55) سورة الصافات
فمن البديهي أن طلوع الشمس هو وصف لبيانها و ظهورها كجسم في السماء
فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (39) سورة ق
و ذلك من خلال ظهور قرصها في الأفق معلنا نهاية طرف النهار الأول
شروق الشمس
ظل الإعتقاد السائد لقرون طويلة أن شروق الشمس مجرد ترادف لغوي و وصف آخر لطلوعها لكن عند العودة لنصوص القرآن نصطدم بحقيقة أخرى تؤكد أن الصلاة تأدى في وقت الشروق
إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ (18) سورة ص
شيء غريب عندما ندرك جيدا أن طلوع الشمس يعد بمثابتة نهاية لطرف النهار الأول و في نفس الوقت لموعد الصلاة كما سبق التوضيح ؟ و عند تدبر نص الآية
وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (69) سورة الزمر
تتضح الرؤية أكثر و يتجلى بوضوح أن المعنى الحقيقي للشروق هو الإضاءة و التي ليست بالضرورة مشروطة بظهور الجسم المضيء كما هو الشأن في طرف النهار الأول عندما تضيء الشمس الأرض دون ظهور قرصها
فنستنج إذن أن معنى شروق الشمس هو بداية إضاءتها للأرض و تعد تسمية طرف النهار الأول مجرد وصف لوقت شروق الشمس الذي يبتدئ مع بيان الخيط الأبيض من الأسود و ينتهي عند طلوع و ظهور قرص الشمس
دلوك الشمس
بما أن طرف النهار الأول ينتهي مع طلوع الشمس فالطبيعي و المنطقي أن يبتدئ طرفه الثاني مع عكس هذه الظاهرة أي عند بلوغ قرص الشمس الحد الأدنى في السماء و إلتصاقه بالأفق معلنا بداية عملية الغروب
و قد سميت هذه الظاهرة في لسان القرآن بدلوك الشمس
أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78) وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79) سورة الإسراء
و التي يبتدئ معها طرف النهار الثاني و ميقات الصلاة و ينتهي مع غسق الليل أي ظلمته التي تحجب رؤية الأشياء بالإضافة لوقتي الفجر أي طرف النهار الأول و نافلة الليل و هي نفس أوقات الصلاة التي ذكرت في باقي النصوص
أفول الشمس
نعود الآن إلى إشكالية إقتران غروب الشمس بنهاية طرف النهار الثاني
فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (39) سورة ق
و الذي يجعل توقيت هذا الأخير لا يتعدى بضعة دقائق المدة الزمنية بين دلوك الشمس و إختفاء قرصها الذي يوصف بالغروب حسب المعنى اللغوي المعاصر لكن يبقى السؤال المطروح هنا هل هو نفس معناه في لغة القرآن الأصلية ؟ الأكيد أن القرآن قد إستعمل مفردة أخرى للإشارة لإختفاء قرص الشمس و بقية الأجرام السماوية
وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78) سورة الأنعام
فأفول الشمس هو الوصف الأدق لعملية إختفاء قرصها
و هو عكس ظاهرة طلوع الشمس أي ظهور قرصها
و إذا كان الأفول هو عكس الطلوع فما هو عكس الشروق يا ترى ؟
غروب الشمس
الغروب هو عكس الشروق حقيقة تتجلى بوضوح في عدة آيات
رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا (9) سورة المزمل
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258) سورة البقرة
فكما سبق التوضيح فإن معنى الشروق هو الإضاءة و أن شروق الشمس هو بداية إضاءتها للأرض الغير مشروطة بظهور قرصها مما يوحي أن معنى الغروب هو عكس ظاهرة الشروق و الإضاءة أي إختفاء النور و إنطفائه و بالتالي فالمعنى الحقيقي لغروب الشمس هو إختفاء نورها و إنطفائه الذي يبتدأ مع عملية الأفول و يستمر شيئا فشيئا
حتى حلول غسق الليل أي حلول الظلام التام وهنا تتضح الرؤية و يتوافق نص هذه الآية
فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (39) سورة ق
مع بقية النصوص و الذي يأمر بالصلاة قبل طلوع الشمس أي قبل ظهور قرصها في السماء و قبل الغروب أي قبل إنقضاء ضوئها من المساء و حلول الظلام التام
و الله تعالى أعلم
شكرا لك معلوماتك قيمة جدا شكرا لك
ردحذفشكرا على المقال والإلهام.
ردحذف
ردحذفتحليل جيد و مقنع رغم اني أراك جانبت الصواب في مسألة اعتبار مكة غير التي نعرف
شكرا على الكلمة الطيبة أخي الكريم لكن لا يجب التسرع في الحكم على مسألة موقع المسجد الحرام قبل الاطلاع على مختلف المقالات والأدلة المرتبطة بالموضوع وكمثال
حذفhttp://onlycoran.blogspot.com/2015/03/blog-post_31.html
مشكور .. ولكن ماذا تقول في آية "اني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب" ، فيتضح منها بأن وقت الصلاة هو قبل أن تتوارى الشمس وتختبىء وراء الحجاب، أي قبل أفولها.
ردحذفالحجاب هو حجاب الليل وليس حجاب الافق
حذف