مفهوم الصلاة في لغة القرآن

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ



تعد الصلاة أحد أهم ركائز الدين الإسلامي إن لم تكن أهمها على الإطلاق حقيقة تتجلى بوضوح في مختلف سور القرآن التي تحث في عشرات المواضع على إقامة الصلاة أكثر من أي أمر تشريعي آخر فلا غرابة أن نجد إجماع كلي لأتباع رسالة القرآن بجميع مللهم على هذه الحقيقة 
و نظرا للأهمية الكبرى التي تحظى بها الصلاة في دين الله فإننا ملزمون بالتدبر الدقيق لمختلف معاني لفظها اللغوي في كتاب الله أكثر من أي تشريع آخر حتى يتسنى لنا الإحاطة بجميع أوجهها و أن لا نكتفي بمعنى الصلاة الكلاسيكي المتعارف عند إصحاب المذاهب الذي تم تعريفه لغويا بالدعاء و شرعا بعبادات ذات طقوس معينة
الصلاة لغة و شرعا
الصلاة لغة: الدعاء.
وشرعاً: عبادة ذات أقوال وأفعال مخصوصة، مفتتحة بالتكبير، مختتمة بالتسليم.
تعريف ستتجلى عيوبه بسرعة 
تفسير الطبري
وَقَوْله : { هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَته } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : رَبّكُمْ الَّذِي تَذْكُرُونَهُ الذِّكْر الْكَثِيرَ , وَتُسَبِّحُونَهُ بُكْرَة وَأَصِيلًا , إِذَا أَنْتُمْ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ , الَّذِي يَرْحَمكُمْ , وَيُثْنِي عَلَيْكُمْ هُوَ , وَيَدْعُو لَكُمْ مَلَائِكَته , 
و يبقى السؤال المطروح هنا لمن يدعوا الله ؟؟؟
فيجب إعادة النظر في فهمنا لمعنى الصلاة إنطلاقا من مفهومها اللغوي الحقيقي في لغة القرآن الذي يشير في حقيقة الأمر إلى إقامة الصلة و الإتصال 
فعندما يخبرنا الله تعالى أنه يصلي علينا و ملائكته ليخرجنا من الظلمات إلى النور فإن المقصود بالصلاة هنا هو إقامة الصلة و الإتصال بين الله و ملائكته مع البشر عن طريق الوحي و الإرشاد المتواصل إلى الحق 
هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (43)  سورة الأحزاب
هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (9)  سورة الحديد
و ليس معناه أن الله يدعو لنا و ملائكته الذين يبقى دعاءهم و إستغفارهم للمؤمنين مجرد جزء من صلاتهم عليهم
تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (5)  سورة الشورى
الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7)  سورة غافر
نفس الشيء بالنسبة لصلاة الله و ملائكته على النبي محمد
إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56)  سورة الأحزاب
فرغم تأكيد الله تعالى في الآية على صلاته على نبيه الكريم و دعوته للمؤمنين للقيام بنفس الشيء إلى أن أصحاب المذاهب المشبعين بفكرة أن الصلاة هي الدعاء يصرون على تجاهل أمر الله فيقومون بتحويل الأمر الموجه إليهم إلى الله و مطالبته بالصلاة على النبي التي أخبرهم أنه يقوم بها أصلا ! 
لكن لو إعتمدنا على السياق الذي جاء الأمر بالصلاة سنجده يشير بالصلاة على النبي إلى حسن المعاملة و النصرة 
النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا (6)  سورة الأحزاب
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا (53) إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (54) لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا (55) إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56) إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا (57)  سورة الأحزاب
فإبختصار الصلاة هي أقامة الصلة سواء تعلق الأمر بين الأفراد و بين الله و ملائكته و عباده و تبقى الصلاة بمعنى الدعاء
وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (52)  سورة الأنعام
وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28)  سورة الكهف
 أو ما يسمى بالصلاة المفروضة مجرد جزء من الصلاة العامة لله التي تتمثل في إقامة الدين لرب العالمين
قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (161) قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162)  سورة الأنعام
 و كمثال وصف الشريعة و الأحكام التي جاء بها النبي شعيب بالصلاة
وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (85) بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (86) قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (87)  سورة هود
فيجب تمييز معاني كلمة الصلاة بين مختلف الآيات القرآنية و ذلك بالإعتماد على سياق الآيات حتى نعطي جميع آيات الله حقها من التدبر و حتى لا نسيء فهم أحكام الله و دينه العظيم

تعليقات