هل نزل القرآن على العرب ؟

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ


من المسلمات التاريخية و الدينية المترسخة لدى أغلب الناس أن القرآن نزل على شعب العرب و بلغة العرب و على لسان نبي العرب بإختصار أصبح ينظر للإسلام على أنه دين العرب و حتى إن إعتنقه غيرهم فيستلزمهم أن يستعربوا إن صح التعبير كما حدث مع أغلب الشعوب التي إعتنقت الإسلام و لو بشكل متفاوت
لكن الغريب في الأمر أن القرآن لم يشر لا من قريب و لا من بعيد لقوم يدعون بالعرب و للعربية النبي محمد ! مع العلم أن القرآن إختص بذكر مختلف أعراق و أسماء و أوصاف الأقوام المخاطبين في نصوصه 
كثيرا ما نسمع مقولة أن النبوءة إنتقلت من بني إسرائيل إلى العرب عند بعثة الرسول محمد إدعاء سيبدو غريبا لكل من درس القرآن بعيون محايدة حين يجد نفسه أمام خطاب متواصل لبني إسرائيل في جميع مراحل تنزيل القرآن الذي إختصهم بالذكر في 41 مناسبة مقابل تجاهل كلي للعرب الذين لم يأتي ذكرهم في كتاب الله و لو لمرة واحدة فعندما نطلع على مثل هذه الآيات
إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (76)  سورة النمل
يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40) وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41)  سورة البقرة
فإن المرأ يتساءل هل أنزل القرآن على العرب أم على بني إسرائيل ؟
فإذا كان أسلوب الخطاب العاطفي قد أتى بأكله مع أتباع الرسالة المحمدية طوال هذه القرون فيستحيل أن ينطوي على كل باحث محايد يحترم المنطق و العقل و لا يعترف سوى بلغة الدليل و البرهان و لا يقبل بنسب رسالة القرآن لقوم لم يتوجه إليهم بالخطاب و لو في آية واحدة كما كان الشأن مع قريش على سبيل المثال
لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4)  سورة قريش
فلا أحد يستطيع هنا إنكار وجود قبيلة قريش زمن نزول القرآن بغض النظر عن هويتهم الحقيقية تماما مثلما لا يمكن إنكار تواجد طوائف مثل الذين هادوا و اليهود و النصارى و الصابئين و حتى المجوس زمن نزول القرآن 
لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (82)  سورة المائدة
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (17)  سورة الحج
لكن عندما يأتي أحدهم و يزعم أن القرآن كان موجها في المقام الأول إلى العرب الذين أسهب في ذكر أوصافهم كالذين لا يعلمون 
قَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113)  سورة البقرة
وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (118)  سورة البقرة
و الأميين 
هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2)  سورة الجمعة
فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (20)  سورة آل عمران
 الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157) قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158)  سورة الأعراف
بل حتى وصف البدو منهم حسب تفسير أصحاب المذاهب لمطلح الأعراب بغض النظر عن صحته من عدمها
الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (97) وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (98) وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (99)  سورة التوبة
و نسي أن يخبرنا عن هويتهم القومية فهذا ما لا يقبله عقل و لا منطق خصوصا عندما نجد في الروايات المنسوب للرسول محمد التي يفترض أنها تخاطب نفس الأقوام و تروي لنا أحداث نفس الفترة الزمنية قد أسهبت في ذكر العرب و هذه بعض الأمثلة
مسند أحمد
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ وَلَا لِأَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى ، خَيْرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ 
صحيح البخاري
اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعُهُ فَقَالَ ائْتُونِي بِكَتِفٍ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَا تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَدًا فَتَنَازَعُوا وَلَا يَنْبَغِي عِنْدَ نَبِيٍّ تَنَازُعٌ فَقَالُوا مَا لَهُ أَهَجَرَ اسْتَفْهِمُوهُ فَقَالَ ذَرُونِي فَالَّذِي أَنَا فِيهِ خَيْرٌ مِمَّا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ فَأَمَرَهُمْ بِثَلَاثٍ قَالَ أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَأَجِيزُوا الْوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ وَالثَّالِثَةُ خَيْرٌ إِمَّا أَنْ سَكَتَ عَنْهَا وَإِمَّا أَنْ قَالَهَا فَنَسِيتُهَا قَالَ سُفْيَانُ هَذَا مِنْ قَوْلِ سُلَيْمَانَ 
صحيح البخاري
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ حَدَّثَتْهُ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ  أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا فَزِعًا يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدْ اقْتَرَبَ فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ الْإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا 
التي تظهر مدى الأهمية التي تكتسيها القومية العربية في خطاب الرسول المفترض و الذي على خلاف نصوص القرآن نستشعر أنه كان موجها في المقام الأول للعرب 
و تبقى حجة أصحاب المذاهب الوحيدة لإثبات عربية المخاطبين في نصوص القرآن هي شهادة نصوصه على عربية لغته
نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195)  سورة الشعراء
على الأقل حسب وجهة نظرهم و تفسيرهم لمعنى اللسان العربي و إذا علمنا أن مفهوم اللسان في لغة القرآن لا يقتصر على اللغة و يشمل جميع طرق الخطاب كالصدق 
وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا (50)  سورة مريم
أو طريقة النطق
وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي (28) سورة طه
و بالأخص عندما نطلع على بعض أوجه عربية القرآن الأخرى كوصفه بالحكم العربي
وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ (37) سورة الرعد
فإن الإنسان يتساءل هل العربية وصف لطريقة خطاب القرآن أم للغة المخاطبين في نصوصه ؟ و هل يعقل أن يعطي القرآن كل هذه الأهمية للغة القوم و أميتهم مقابل تجاهل كلي لهويتهم و قوميتهم ؟ و حتى لو سلمنا بتفسير السلف لعربية القرآن باللغة فإن ذلك لا يثبت عربية القوم المخاطبين في نصوصه لغياب الإثبات في نصوص القرآن
فهناك إحتملان لا ثالث لهما أن محيط قوم الرسول كانوا يتحدثون بلغة العرب رغم أنهم لم يكونوا عربا أو أن العرب لم يكن لهم وجود زمن نزول القرآن و يبقى الإحتمال الأخير هو الأقرب إلى الواقع و الصواب و الله تعالى أعلم

تعليقات

  1. مقالك هذا يقودني للسؤال من الأساس هل القرآن تحدّث عن مفاهيم مثل الوحدة؟ او الانقسام؟ او القومية مثلاً؟ هل تحدّث عن مفاهيم سياسية؟…

    ردحذف
  2. https://m.ahewar.org/s.asp?aid=719856&r=0

    تحية طيبة أخي الكريم، ما رأيك بمضمون المقال عموماً

    ردحذف
    الردود
    1. أخي الفاضل لقد سبق لي التطرق لهذه المعطيات من زاوية مختلفة في أكثر من مقال وتسليط الضوء عن النقاط التي أغفلها المستشرقون
      من هو محمد الهاشمي ؟
      http://onlycoran.blogspot.com/2017/02/blog-post.html
      حقيقة الصراع السني الشيعي
      http://onlycoran.blogspot.com/2017/10/blog-post_25.html
      والتي تؤيد جميعها فكرة عدم بعثة النبي محمد في الحقبة الزمنية المنسوبة إليه
      تساؤلات بخصوص حقبة الأنبياء الزمنية ؟
      http://onlycoran.blogspot.com/2021/07/blog-post_21.html
      ويبقى العلم لله
      تقبل تحياتي

      حذف

إرسال تعليق