المفهوم العام للإيمان

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ



يعد مصطلح الإيمان من الأدوات البالغة الأهمية في فهم العديد من النصوص القرآنية لكنه للأسف لم يأخذ حقه من التدبر في النص القرآني حيث تم اختزاله في الجانب العقائدي و تجاهل أوجهه الأخرى التي لا تقل أهمية فلو سألنا أي شخص عن مفهوم الإيمان فستنحصر إجابته على الإيمان بالله واليوم الآخر والكتاب والنبيين الخ و ذلك راجع للثقافة الدينية الخاطئة التي ترسخت في عقول الناس عبر العصور والتي منعتهم من رؤية باقي اصطلاحات الكلمة ومدى تأثيرها في فهم العديد من النصوص القرآنية التي يمر عليها العديد من الناس دون الانتباه والتساؤل عن الاختلاف بين الإيمان بحقيقة ب... والإيمان ل...
قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ (61) سورة التوبة
ولماذا يقال يؤمن أو يؤمنون بالله في نصوص معينة ؟
قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (121) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (122) قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (123) سورة الأَعراف
ويؤمن أو يؤمنون لأنبيائه في نصوص أخرى ؟
فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (70) قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى (71) سورة طه
في هذا الموضوع ستتجلى مدى أهمية اعتماد قاعدة اللفظ المشترك في القرآن للتمييز بين المعاني المختلفة لنفس اللفظ اللغوي وذلك من خلال العودة إلى السياق الذي ورد فيه اللفظ خصوصا عندما يتعلق هذا الأخير بوصف رب العالمين
هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) سورة الحشر
وصف حير مفسري السلف المشبعين بفكرة الإيمان العقائدي وجعلهم يتضاربون في الأقوال 
تفسير بن كثير
{ المؤمن} قال ابن عباس: أي أمن خلقه من أن يظلمهم، وقال قتادة: أمن بقوله أنه حق. وقال ابن زيد: صدّق عباده المؤمنين في إيمانهم به، 
تفسير الجلالين
{ المؤمن } المصدق رسله بخلق المعجزة لهم
تفسير الطبري
{ الْمُؤْمِن } أَمَّنَ بِقَوْلِهِ إنَّهُ حَقّ 
{ الْمُؤْمِن } قَالَ : الْمُؤْمِن : الْمُصَدِّق الْمُوقِن , آمَنَ النَّاس بِرَبِّهِمْ فَسَمَّاهُمْ مُؤْمِنِينَ , وَآمَنَ الرَّبّ الْكَرِيم لَهُمْ بِإِيمَانِهِمْ صَدَّقَهُمْ أَنْ يُسَمَّى بِذَلِكَ الِاسْم . 
وَقَوْله : { الْمُؤْمِن } يَعْنِي بِالْمُؤْمِنِ : الَّذِي يُؤَمِّن خَلْقه مِنْ ظُلْمه .
و يبقى التفسيران الأول والأخير الأقرب للواقع بتفسيرهما لوصف الله بالمؤمن بإعطائه الأمان لعباده الصالحين
 فالإيمان (اللفظ المشتق من مصطلح الأمن) بصفة عامة هو وصف لتحقيق مبدأ الأمن والأمان مع الآخرين لذلك نجد أن أول من سمي بالمؤمن هو الله سبحانه وتعالى الوصف المجسد لطريقة معاملته لعباده المبنية على صفات يتجسد فيها مبدأ الأمن والأمان كالوفاء بالوعود
 وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (6) سورة الروم
والصدق 
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا (122) سورة النساء
والعدل 
وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (47) سورة الكهف
الخ من الصفات الربانية التي تجعل العبد يثق في ربه و يطمئن على مصيره إن كان من الصالحين المتقين ويمكن وصف هذا النوع من الإيمان بالإيمان التعاملي أو السلوكي و الذي لا يشترط الإيمان العقائدي تماما مثلما لا يشترط أن يكون المؤمن عقائديا مؤمنا في تعامله مع الآخرين وكمثال أبناء النبي يعقوب الذي كان لا يؤمن لأبنائه بمعنى لا يثقف فيهم رغم إيمانهم العقائدي بسبب سلوكهم و لجوئهم لأساليب كالخيانة والكذب
قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ (11) سورة يوسف
قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ (17) سورة يوسف
عكس النبي محمد على سبيل المثال الذي كان يؤمن لمن حوله من المؤمنين أي يثق فيهم لأنهم كانوا مؤمنين عقائديا وسلوكيا وهو ما يتجلى بوضوح في نص سورة التوبة الذي يكتفي بالتميز بين الإيمانين العقائدي والتعاملي بل حتى بين المؤمنين تعامليا والذين وصفوا بالمؤمنين وبين المؤمنين عقائديا والذين وصفوا بالذين آمنوا
وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (61) سورة التوبة
الثقة التي اكتسبت من تجاربه السابقة معهم
وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100) سورة التوبة
بغض النظر عن المنافقين الذين كانوا يحومون حوله من أجل مصالحهم الشخصية
فببساطة الشخص المؤمن سلوكيا هو الشخص الصادق المصلح المسالم مع الأخرين والشخص الغير مؤمن هو الشخص الخائن الغدار الظالم للأخرين فمن الطبيعي أن تدفع أعمال الشخص الصادق المخلص السليم الفطرة للإيمان العقائدي الذي يتمثل في التصديق بحقيقة معينة وذلك بالثقة والاطمئنان على وجودها أو تحقيقها على أرض الواقع كالتصديق بوجود الله و بقدوم اليوم الآخر الخ 
وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26)  سورة المعارج
وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (61) سورة التوبة
مثلما ستدفع أعمال الشخص الغير مؤمن سلوكيا هذا الأخير إلى عدم الإيمان والتصديق بدين الفطرة السليمة
فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30) سورة الروم
وصراحة لا أرى أية  فائدة من الإيمان العقائدي إن لم يكن مصحوبا بالإيمان السلوكي وهو ما نبه إليه الخالق في قول
هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (158) سورة الأنعام
فالخير و عمل الصالحات يكون من خلال تطبيق وصايا القرآن التي تجعل الإنسان مؤمنا عقائديا وسلوكيا في نفس الوقت وليس الاكتفاء بادعاء الإيمان بالله ورسوله وبالقرآن دون العمل بوصايا هذا الأخير وتطبيقها على أرض الواقع
ويمكن اعتبار الفصل بين الإيمان العقائدي والتعاملي من أساسيات التدبر السليم للقرآن والتطبيق الصحيح للدين لأن الخلط بينهما قد يؤدي إلى طمس العديد من الحقائق القرآنية وتغيير أحكام بالغة الأهمية
ويبقى العلم لله سبحانه وتعالى
إن أخطأت فمن نفسي وإن أصبت فمن العزيز العليم