عدم منطقية الدلائل المعتمدة لإثبات حجية السنة في القرآن

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ


عندما تنصت لمزاعم دعاة ما يسمى بالسنة النبوية ونبرة الثقة التي يتحدثون بها يخيل لك أن المتشبثين بكتاب الله الذين يصفونهم بمنكري السنة مجرد كفرة جهلة متعالين عن الحقيقية القرآنية الساطعة التي لن يختلف عليها إلا من جحد وسفه نفسه ...هكذا يحاولون إقناع أتباعهم الذين تدفعهم العاطفة لتصديق كل ما يطمئن قلوبهم بصحة دين الآباء وقبول الدلائل القرآنية المزعومة على حجيته دون الالتفات لمدى ضعفها وهزالتها مقارنة بحجم الادعاء
نعم الدليل يجب أن يكون بنفس عظمة الادعاء وعندما نتحدث عن ما يسمى بالسنة النبوية فإننا نتحدث عما يصفه أتباعها بنصف الوحي الذي لا يمكن أن يفهم القرآن والدين من دونه مما يجعلها أكثر أهمية من القرآن  نفسه من الناحية العملية وبالتالي يستحيل منطقيا أن لا يأتي ذكرها بشكل صريح لا يقبل الجدل ولا يدع مجالا للشك في كتاب الله المبين لكل شيء في الدين 
وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ (89) سورة النحل
باعتراف المفسرين السنيين أنفسهم
تفسير الجلالين
{ ونزلنا عليك الكتاب } القرآن { تبيانا } بيانا { لكل شيء } يحتاج إليه الناس من أمر الشريعة
فكيف يغفل عن تبيان نصف الشريعة المزعوم ويتركه للظن والاختلاف ؟ فهل يستطيع مؤمن واحد أن ينكر تنزيل الكتاب على النبي محمد في ظل وجود مثل هذه النصوص القاطعة ؟
إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ (105) سورة النساء
إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (2) سورة الزمر
هل هناك من المؤمنين من سيفكر ولو للحظة أن القرآن لم يوحي إلى النبي محمد ؟
وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ (19) سورة الأَنعام
بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (3) سورة يوسف
هل هناك مجال للشك في وجود الصلاة والزكاة
وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) سورة البقرة
والحج 
وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا (97) سورة آل عمران
والصيام
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ (183) سورة البقرة
بطبيعة الحال لا لأن النصوص قطعية وغير قابلة للجدل ولا يمكن إن يكفر بها إلا الجاحد المعاند وهذا من فضل ورحمة الله الذي لم يترك عقائده وعباداته للظن والاستنتاج ويترك عباده عرضة للاختلاف والشقاء
مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (2) سورة طه 
لكن من اتبع السنة فإنه بالتأكيد سيضل ويشقى ويظل في معاناة وتناقض دائمين...وهذا ما يدركه دعاة الملة السنية في قناعتهم عندما يعترفون عند نقدهم لأديان الغير بعدم حجية العقائد المبنية على الاستنتاج كألوهية يسوع الغير معلنة بشكل واضح وصريح في الأناجيل المسيحية حيث تجدهم أول المطالبين بالدليل الحرفي الذي لا يقبل الجدل وبنص يعلن فيه يسوع بصريح العبارة أنا الله فاعبدوني 
في اقصى تجليات التناقض والكيل بمكيلين فلا يمكنك أن تقول للآخرين لا أقبل العقائد المبنية على الاستنتاج ثم تعود وتعتمد أقصى درجات الاستنتاج لإثبات حجية أهم عقيدة لديك مع العلم أن النصوص المسيحية التي استنتجت منها ألوهية يسوع تبقى أقرب بكثير إلى صدق مزاعم أصحابها
يوحنا إصحاح 14
9 قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «أَنَا مَعَكُمْ زَمَاناً هَذِهِ مُدَّتُهُ وَلَمْ تَعْرِفْنِي يَا فِيلُبُّسُ! اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى الآبَ فَكَيْفَ تَقُولُ أَنْتَ أَرِنَا الآبَ؟ 10 أَلَسْتَ تُؤْمِنُ أَنِّي أَنَا فِي الآبِ وَالآبَ فِيَّ؟ الْكلاَمُ الَّذِي أُكَلِّمُكُمْ بِهِ لَسْتُ أَتَكَلَّمُ بِهِ مِنْ نَفْسِي لَكِنَّ الآبَ الْحَالَّ فِيَّ هُوَ يَعْمَلُ الأَعْمَالَ. 11 صَدِّقُونِي أَنِّي فِي الآبِ وَالآبَ فِيَّ وَإِلاَّ فَصَدِّقُونِي لِسَبَبِ الأَعْمَالِ نَفْسِهَا.
من النصوص القرآنية التي استنتج منها ما يسمى بالسنة النبوية والتي تكون في الغالب مجرد عبارات مقتطعة من سياقها ومن أشهرها على الإطلاق قول أطيعوا الرسول 
أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ (54) سورة النور
فحتى دون إعلانك للإنكار الكلي للسنة وبمجرد أن تبدأ في التشكيك في أحد الأحاديث المنسوبة للنبي محمد حتى يتصدى لك المدافعون عنها بمقولتهم الشهيرة ألم تقرأ القرآن وقول أطيعوا الرسول ؟ دون أن ينتبهوا ولو للحظة لمدى سطحية الادعاء وهزالة الحجة وقابلية المصطلح لأكثر من احتمال...فمن الذي يضمن لي أن طاعة الرسول هي ما جاء في ما يسمى بكتب الصحاح وليس في روايات الشيعة ؟ أو أنها فقط ما يسمى بالسنة العملية المتمثلة في ما يوصف بالعبادات المتواترة كما يدعي منكري السنة القولية (الروايات) ؟ بل قد تقتصر طاعة الرسول على أوامره المباشرة لمن عاصره من المؤمنين أو قد تكون طاعة الرسول هي طاعة القرآن فقط...فكما نرى فالاحتمالات عديدة والمصطلح قابل لأكثر من فهم وحتى لو سلمنا جدلا أن المقصود به أحاديث النبي المزعومة فسيظل الاختلاف قائما في تمييز الصحيح من الضعيف لاختلاف كتب الصحاح وآراء السلف نفسها في الأمر وبالأخص مع ظهور معايير جديدة لتصحيح الأحاديث في كل عصر
وبالتالي فنحن بعيدون كل البعد عن تحديد هوية ما يصطلح عليه بالسنة النبوية فما بالك بزعم حجيتها في القرآن...ولن يجدي نفعا الاعتماد على حل إجماع العلماء (الأولوية لرأي الأغلبية) الساقط قرآنيا
وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106) سورة يوسف
وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ (102) سورة الأَعراف
وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ (116) سورة الأَنعام
قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا (62) سورة الإسراء 
وبالتالي فنحن بدورنا نقول للمدافعين عنها لا نقبل العقائد المبنية على الاستنتاج
قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (111) سورة البقرة
ونطالب بتصريح علني في القرآن لا يدع مجالا للشك على حجية السنة بتعريفها في كتب التراث بدل أن نجده في الأحاديث المنسوبة للرسول
سنن أبي داوود
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه
صحيح الترمذي
عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ
التي لا تكفي شهادتها لنفسها عند من ينكرها
المشكلة الثانية التي تعترض الدلائل المزعومة على حجية السنة في القرآن هي مناقضة بعضها لبعض فمن جهة نجد التأكيد الشديد على أنها وحي إلهي منزل مثل القرآن بناء على فهمهم لقول
وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) سورة النجم
ومن جهة أخرى تجدهم يستثنون وحيها من عند الرحمن بدون شعور وكمثال حصرهم لما أنزل الله في قول
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ (61) سورة النساء
في القرآن حتى يتسنى لهم نسب السنة لعبارة إلى الرسول لينفوا بدون شعور تنزيل السنة من عند الرحمن ونفس المغالطة المنطقية تتكرر عند محاولة الفصل بين طاعة الله لحصرها في القرآن وطاعة الرسول لحصرها في السنة 
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ (33) سورة محمد
وهو ما ينفي وحيها من عند الخالق لنفي طاعة الله عند الحكم بالسنة...وهو ما يسقطهم في تناقض آخر لاستحالة طاعة الرسول دون طاعة الله تعالى
مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا (80) سورة النساء
والأكثر تناقضا أن نفس النصوص التي تأمر بطاعة الرسول هي نفسها من تؤكد اقتصار دوره على تبليغ
قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (54) سورة النور
 الرسالة المنزلة 
يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ (67) سورة المائدة
مما يعني أن طاعة الرسالة بمثابة طاعة الإله المرسل والرسول المبلغ سواء كانت قرآنا أو قرآنا أو سنة
طبعا هم مجبرون على ذلك لإيجاد حجية لما ليس له حجية في نصوص القرآن 
لكن يبقى المشكل الأكبر في أطروحات وتفاسير مدعي حجية السنة هو تعارضها الواضح مع صريح القرآن وعلى سبيل المثال استشهادهم بقول 
وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) سورة النجم
للزعم بأن كل كلام النبي محمد كان وحيا إلهيا ليوهموا الناس أن كل ما نطق به خارج وحي القرآن هو السنة لنكتشف في مواضع قرآنية أخرى أن النبي نطق بغير ما يرضي الله
وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ (37) سورة الأحزاب
 من المغالطات المنطقية التي يلجأ إليها مدعي حجية السنة في القرآن في جدالاتهم مع منكريها الاستشهاد بالنصوص والحجج التي تثبت حجية السنة حسب زعمهم كرد على حجج المنكرين القرآنية بدل محاولة تفنيد هذه الأخيرة فعلى السبيل عندما تستشهد لهم بتأكيد القرآن على تبيان نصوصه لكل شيء 
وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ (89) سورة النحل
يكون ردهم أن القرآن يأمر أيضا بطاعة الرسول...أو المطالبة بتفاصيل ما يصفونه بالعبادات المتواترة أو السنة العملية من القرآن كأن الاكتفاء بإثبات بطلان عقيدة إنكار السنة سيحل المشكلة ويثبت حجية للسنة ويلغي الدلائل القرآنية النافية لها التي تضع القرآن محل تناقض ! مع العلم أن الأولوية عند تعارض فهم النصوص القرآنية للنصوص القطعية التي لا تقبل الجدل وليس للنصوص الظنية القابلة لأكثر من احتمال 
هذه هي حجج السنة المزعومة في القرآن التي إن رفضتها تصير مرتدا كافرا زنديقا محاربا لله ورسوله حلال الدم...فهل بالفعل الدليل بحجم الادعاء وحجم العقوبة في حالة الرفض أم أن الجبل تمخض فولد فأرا ؟