موقف القرآن من الزواج من الغير المسلمين ؟

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ


ما هو موقف الإسلام من الزواج من غير المسلمين ؟ سؤال أصبح يطرح نفسه بقوة أكثر من أي وقت مضى في زمن فرضت فيه الظروف إختلاط المؤمنين بغير المسلمين أو (الكفار) كما يحلو لأصحاب المذاهب تسميتهم 
بالنسبة لأصحاب المذاهب الذين أجمعوا أمرهم منذ قرون و اعتادوا أن يحلوا لأنفسهم ما يحرمونه على نساءهم فالأمور محسومة و النص القرآني غاية في الوضوح و البساطة 
الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ (5) سورة المائدة
و بالتالي لا مجال للبحث و التمحيص في هوية الذين أوتوا الكتاب المذكورين فيه طالما تم حصر هذا المصطلح في جل نصوص القرآن سواء تلك التي قامت بمدحهم أو ذمهم في عموم اليهود و النصارى متجاهلين أسلوب الخطاب القرآني الذي يحدد هوية المخاطبين في النصوص حسب السياق و ليس بناء على الأسماء المعرفة كما تم التوضيح في مقال
تصحيح الفهم المغلوط لخطاب القرآن للأمم الغير مسلمة
 و بما أن النص لم يذكر سوى المحصنات من الذين أوتوا الكتاب فلا يوجد نصيب لنساء المؤمنين من المحصنين من الذين أوتوا الكتاب لكن يبقى السؤال المطروح هنا هو ما محل ذكر المحصنات المؤمنات من الأعراب في نص مخصص لتحليل طيبات الغير سواء تعلق الأمر بالمؤمنين أو بالذين أوتوا الكتاب 
الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ (5) سورة المائدة
ما الحكمة في ذكر تحليل زواج المؤمنين من المؤمنات المعلوم مسبقا قبل هذا السياق ؟ فمن البديهي هنا أن الخطاب و الأمر بتحليل نساء المؤمنين كان موجها للذين أوتوا الكتاب مما ينفي حرمته المزعومة في دين المذاهب الذي وضع أصحابه في مشكلة أكبر عند تعارض إستباحتهم الزواج من نساء الكفار و المشركين من اليهود و النصارى مع حكم الله الصريح 
 فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ (10) سورة الممتحنة
وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ (221) سورة البقرة
حيث وجدوا في سياسة الترقيع الحال الأنسب لحل مثل هذه المشاكل من خلال إدعاءهم بإقتصار التحريم على المشركات والكافرات من عبدة الأوثان التي لم تعبد أصلا في مجتمع البعثة المحمدية

تفسير بن كثير
هذا تحريم من اللّه عزّ وجلّ على المؤمنين أن يتزوجوا المشركات من عبدة الأوثان، ثم إن كان عمومها مراداً وأنه يدخل فيها كل مشركة من كتابية ووثنية، فقد خص من ذلك نساء أهل الكتاب بقوله: { والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب } عن ابن عباس في قوله: { ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن } استثنى اللّه من ذلك نساء أهل الكتاب، وقيل: بل المراد بذلك المشركون من عبدة الأوثان، ولم يرد أهل الكتاب بالكلية،
و زعمهم بتخصيص حكم سورة المائدة المشرع للزواج من الذين أوتوا الكتاب 
الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ (5) سورة المائدة
و نسخه
تفسير الطبري
ثُمَّ نُسِخَ تَحْرِيم نِكَاح أَهْل الْكِتَاب بِقَوْلِهِ : { يَسْأَلُونَك مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَات } إلَى . { وَطَعَام الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب حِلّ لَكُمْ وَطَعَامكُمْ حِلّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَات مِنْ الْمُؤْمِنَات وَالْمُحْصَنَات مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ }
لحكم الله العام في سورتي الممتحنة و البقرة ضاربين بعرض الحائط السبب الرئيسي لتحريم الله تعالى لهذا النوع من الزواج
وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221) سورة البقرة
نعم الله تعالى يبين آياته للناس و أن سبب تحريم الزواج من الكفار و المشركين يعود بالأساس لدعوتهم المستمرة للنار و تأثيرهم المتواصل على أفعال من عاشرهم من المؤمنين خصوصا عندما يشاركونهم في الأموال و الأولاد حتى لا يكون لمن تزوج منهم حجة على الله يوم القيامة ليبقى السؤال المطروح لشيوخ المذاهب ألا يدعوا اليهود و المسيحيون الذين تصفونهم بالكفار إلى النار ؟ لماذا لا ترون في زواج المسلم من المسيحية دعوة للنار و ترونه في زواج المسيحي من المسلمة ؟ لماذا لا تضعون شروط و إستثناءات لزواج المسلمة من الكتابي مثلما فعلتم في زواج المسلم مع الكتابية تمنعه من التدخل في عقيدتها بناء على مبدأ القوامة الحجة التي إستند عليها البعض لتبرير تحريم هذا الزواج ؟
لكن الحقيقة أن العكس هو الصحيح و أن ما جاء في سورتي البقرة و الممتحنة 
فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ (10) سورة الممتحنة
وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ (221) سورة البقرة
يعد تخصيص لحكم سورة المائدة
الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ (5) سورة المائدة
 المقتصر على المسلمين من الذين أوتوا الكتاب
الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (52) وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (53) سورة القصص
الذين تم محوهم من تاريخ و فقه المذاهب رغم إسهاب القرآن في ذكرهم
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) سورة البقرة
 لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114) سورة آل عمران
فنلتفكر قليلا لو كان حكم سورة المائدة شاملا لجميع أهل الكتاب بما فيهم المشركين كما زعم أصحاب المذاهب فإنه بالتاكيد سيحل طعامهم أيضا
الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ (5) سورة المائدة
لكن من المفارقات العجيبة أن محللي الزواج من المسيحيات بناء على هذا النص لم يعتمدوه لتحليل طعام المسيحيين
يقول تعالى في كتابه
وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85) سورة آل عمران
مما يجعل كل من إبتغى غير الإسلام دينا داعيا للنار 
أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِِ (221) سورة البقرة
مانعا لسبيل الهداية سواء كان أميا أو كتابيا
فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (20) سورة آل عمران
و هو ما ينفي كليا زعم شيوخ المذاهب بخصوص إباحة القرآن للزواج من نساء الكفار و المشركين من اليهود و النصارى
 مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (67) سورة آل عمران
فلا أدري بأي حق سمحوا لأنفسهم بتحليل الزواج ممن يتبعون ملة من يسعون لإطفاء نور الله
وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30) اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31) يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) سورة التوبة
و المصيبة الأكبر أن هناك من يدعو للزواج حتى ممن ينكر وجود الله جاعلا معيار السلم و عدم العدوان فوق معيار جرم تكذيب دين الرحمن و الدعوة إلى النار 
و إذا أخذنا بعين الإعتبار عدم إنطباق وصف الذين أوتوا الكتاب على اليهود و المسيحيين في زمننا الحالي لفقدان كتب الأنبياء الذين يدعون إتباعهم كما سبقت الإشارة في مقال
هل هناك توراة و إنجيل في عصرنا الحالي ؟ 
و تبديلهما بنصوص و دين شيطاني
وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101) وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ (102) سورة البقرة
 فلم يعد هناك أدنى شك في حرمة الزواج من هؤلاء المشركين الأميين
وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (78) سورة البقرة
طبعا أنا لا أكفر عموم اليهود و المسيحيين الحاليين لإستحالة الكفر بشيء لم يعد له وجود و لعدم إنصاف لوم من كفر برسالة ملطخة بدين المذاهب بعيوبه التي لا تعد و لا تحصى و قد سبق لي التطرق بالتفصيل لحالة هؤلاء الغافلين في مقال
مصير الغير مؤمنين في الإسلام
مما يفرض على من يريد الزواج منهم أو من غيرهم من أتباع باقي الملل الغير إسلامية كالبوذية و الهندوسية و الزرادشتية ألخ بمحاولة إقناعهم بالرسالة الصحيحة للقرآن بالحجة و البرهان فإن أسلموا صاروا حلا له و إن كفروا فلا يجوز الزواج منهم و الله تعالى أعلم

تعليقات