مبدأ الإكراه في الدين في قصص الأولين

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ


عندما يدب اليأس في قلوب منتقدي الإسلام ويعجزون عن إيجاد دليل قرآني واحد يدعو لإكراه الناس على إعتناق الإسلام يلجؤون إلى تفاسير وأحاديث سلف المذاهب في محاولة لجعلها حجة على كتاب الله وعندما يصطدمون بمن ينكر هذه الروايات معززا موقفه بدلائل واضحة عل بطلانها ومخالفتها الصريحة لمبدأ حرية العقيدة في القرآن الذي سبق التطرق إليه في أكثر من مقال
حد الردة تشريع ديكتاتوري بشري
أكذوبة الدعوة إلى الإسلام بالسيف
تبرئة الدين الإسلامي من الجرائم المنسوبة إليه
لا يجدون من سبيل سوى اللجوء إلى بعض قصص الأولين كقصة النبي سليمان مع ملكة سبأ و مقولته الشهيرة
إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31) سورة النمل
خطاب شبيه برسائل محمد التراث لملوك زمانه ومقولته الشهيرة أسلم تسلم لكن هذا كفيل بإثبات حجية الإكراه في الدين في المعتقد الإسلامي ؟ فحتى لو فرضنا جدلا أن الله تعالى أمر النبي سليمان بإكراه الناس في الدين في وقت من الأوقات ما علاقة ذلك بالرسالة النهائية التي نزلت في زمن محمد والتي ذكرت بصريح العبارة 
فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (22) سورة الغاشية
وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (99) سورة يونس
خصوصا عندما تصدر هذه الإنتقادات من أناس يتبنون نفس مبدأ عدم سريان أحكام العنف والقتال في العهد القديم على كل زمان و مكان وخصوصا أن الملك والسلطان الذي أعطاه الله تعالى لنبيه سليمان لم يؤتى لأحدا من بعده
قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (35) سورة ص
و بالتالي لا يمكن الإقتداء بكل ما قام به في سيرته وجعله من ثوابت الدين الإسلامي ويبقى السؤال الحقيقي هل إستعمل بالفعل سليمان سلطانه لإكراه الناس في الدين أو لإقامة الحجة والبرهان على صحة دين لله ؟ الجواب في سياق سورة النمل 
فما يجب إدراكه في قصص القرآن أنها مجرد تذكير لقصص التوراة والإنجيل و تكون في الغالب مختصرة مع بعض الإشارات الواضحة كمعلومة كفر ملكة سبأ وقومها
وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ (43) سورة النمل
الذي قد يراه البعض مجرد وصف لعدم إيمانهم بالله حسب التعريف التقليدي لأصحاب المذاهب لكن لو أخذنا الأمور من المنظور القرآني الذي قام بالتمييز بوضوح بين الكافر والغافل
 ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ (131)  سورة الأنعام
ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ (17) سورة سبأ
كما سبق التوضيح في مقال
مصير الغير مؤمنين في الإسلام
فسيتضح جليا أن مملكة سبأ تدخل في إطار الأقوام المنذرة قرآنيا كما يوضح سياق سورة سبأ
لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (16) ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ (17) وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ (18) فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (19) وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (20) وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (21) سورة سبأ
وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا (59) سورة الكهف
كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (44) سورة المؤمنون
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ (72) فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (73) إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (74) سورة الصافات
مصداقا لقوله تعالى 
وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (15) سورة الإسراء
و بالتالي فنحن أمام قوم منذرين كافرين ملزمين بالسجود لله
وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24) أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25) سورة النمل
لكن هل هذا يعطي الحق لسليمان لإكراههم على دين الله الذي لا إكراه فيه ؟
لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ (256) سورة البقرة
في الحقيقة لا يمكن وصف إعتناق دين ما بالإكراه إلا إذا كانت القناعة الداخلية مخالفة للدين المعلن 
مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ (106) سورة النحل
و بطبيعة الحال لم يكن ذلك حال ملكة سبأ التي آمنت و أسلمت لربها 
قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (44) سورة النمل
بعد إقتناعها بآياته عند رؤيتها لعشرها العظيم الذي تركته آمنا مستقرا في مملكتها 
قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ (41) فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (42) وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ (43) قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (44) سورة النمل
فقصة سليمان مع ملكة سبأ كانت قصة إقناع وليس قصة إكراه إستعمل فيها سليمان ملكه العظيم
ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ (37) سورة النمل
 قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39) قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ (40) سورة النمل
لتسخير الظروف الملائمة لتحقيق هذه الآية البينة والدليل على ذلك علمه المسبق بإستسلام ومجيء قوم سبأ 
 قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38) سورة النمل
الذي بالتأكيد كان من وحي ربه وليس من تلقاء نفسه مما يؤكد في نفس الوقت علمه المسبق بعدم إكراه وقتال أهل سبأ بإسم الدين وهو ما يختلف كليا عن الروايات المنسوبة للرسول محمد التي جعلت من مقولة أسلم تسلم بداية لسلسلة طويلة من الحروب الدموية التي إستمرت لمدة قرون ولا تزال مستمرة إلى يوم هذا بإسم وهم الخلافة
فإذا كانت طريقة الإقناع هاته مقتصرة على نبي الله سليمان نظرا لما أوتي من ملك وحجة ففي المقابل سيرى العديد في دعوة النبي موسى لقومه لدخول و قتال سكان الأرض المقدسة 
يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (21) سورة المائدة
دعوة صريحة للإكراه و إحتلال الدول بإسم الدين وتبقى المصيبة الأكبر هي وصف التخلي عن هذا الواجب بالإرتداد وهنا لن تنفع محاولة نفي دعوة النصوص للقتال كون تتمة السياق لا تترك مجالا للشك
قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (23) سورة المائدة
 تبقى المشكلة الدائمة في مثل هذه القراءات هي إعتمادها المطلق على أفكار مسبقة مستمدة من تاريخ بشري مزيف تم تصميمه على مقاس المصالح السياسية للبعض
فعندما قام أصحاب المذاهب بتتبعهم الأعمى لروايات اليهود ورؤيتهم للأشياء لم يخطر في بالهم أنه سيأتي اليوم الذي ستصبح فيه أقوالهم حجة على ذريتهم و شاهد على المشروعية الدينية للإحتلال اليهودي لبلدانهم
حتى “القرآن” اعترف بيهودية أرض اسرائيل
كيف لا وتفاسيرهم تشهد لبني إسرائيل الذين تم تعريفهم باليهود حسب منقطهم بأحقيتهم عليها 
تفسير بن كثير
{ التي كتب الله لكم } أي التي وعدكموها الله على لسان أبيكم إسرائيل أنه وراثة من آمن منكم، 
تفسير الطبري
{ اُدْخُلُوا الْأَرْض الْمُقَدَّسَة الَّتِي كَتَبَ اللَّه لَكُمْ } يَعْنِي بِهَا : كَتَبَهَا اللَّه لِبَنِي إِسْرَائِيل
تفسير القرطبي
{ التي كتب الله لكم } أي فرض دخولها عليكم ووعدكم دخولها وسكناها لكم. ولما خرجت بنو إسرائيل من مصر أمرهم بجهاد أهل أريحاء من بلاد فلسطين  
و التي لا تكتفي فقط بإعطاء شرعية للإحتلال الإسرائيلي بل تعتبر قتال الفلسطينيين لإحتلال أرضهم جهاد مقدس يوصف من تركه بالمرتد فلماذا كل هذا اللوم وهذا الحقد والدعاء المتواصل لخروج اليهود من أرض أعطاهم الله إياها حسب منطق أسلافهم ؟! بل سنجد في هذه التفاسير مشروعية لحلم اليهود بإنشاء إسرائيل الكبرى
تفسير القرطبي
{ الْأَرْض الْمُقَدَّسَة } غَيْر أَنَّهَا لَنْ تَخْرُج مِنْ أَنْ تَكُون مِنْ الْأَرْض الَّتِي بَيْن الْفُرَات وَعَرِيش مِصْر لِإِجْمَاعِ جَمِيع أَهْل التَّأْوِيل وَالسِّيَر وَالْعُلَمَاء بِالْأَخْبَارِ عَلَى ذَلِكَ 
و تبقى المصيبة الكبرى لمثل هاته التفاسير هي إعتمادها المطلق على منطق نصوص العهد القديم وإبتعادها الكلي عن نصوص القرآن التي تؤكد أن الله تعالى كتب على قوم موسى دخول الأرض المقدسة كمسلمين  و ليس كيهود أو حتى كأبناء لإسرائيل
وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (84) سورة يونس
و أصلا لا يوجد نص واحد في القرآن ولا في نصوص الأسفار المنسوبة لنبي الله موسى في العهد القديم تصفه وقومه باليهود طبيعي فاليهود مجرد طائفة إسرائيلية منحرفة عن الدين الإسلامي كما سبق التوضيح في مقال
اليهود ليسوا شعب الأنبياء
فمشروعية بني إسرائيل على الأرض المقدسة في زمن موسى كانت مشروعية دينية وليست عرقية لكن هل هذا كافي لتبرير إحتلال الدول بإسم الدين ؟ الشيء الأكيد أن التجرد من الأفكار المسبقة المبنية على الروايات اليهودية يفتح المجال لفهم أدق لكتاب الله وبالأخص عندما نمعن النظر في جواب قوم موسى
قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24) سورة المائدة
قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ (22) سورة المائدة
لماذا طالب قوم موسى من نبيهم إنتظار خروج هؤلاء القوم الجبارين من أرض الميعاد لو كانت بالفعل هي أرضهم ؟ أي منطق هذا الذي يجعل المحتل ينتظر خروج ورحيل إبن البلد من بلده ليحتلها ! بإستثناء إذا كانوا هم المحتلين الظالمين وهو ما يوحيه وصفهم بالجبروت
قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ (22) سورة المائدة
الذي إرتبط عندما يتعلق بالإنسان بالظلم و الطغيان 
كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (35) سورة غافر
وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (59) سورة هود
كعقوق الوالدين
وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا (14) سورة مريم
 وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) سورة مريم
و قتل النفس التي حرم الله
أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ (19) سورة القصص
و الذي نفاه رب العزة عن رسوله الكريم
وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ (45) سورة ق
مما يوحي بجبروتهم على أهل الأرض المقدسة والذي صادف إحتلالهم لها دعوة بني إسرائيل للدخول إليها والذي جعله رب العزة إبتلاء وإمتحان لإختبار إيمانهم
كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216) سورة البقرة
 أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142)  سورة آل عمران
يفرض عليهم الدفاع على المستضعفين مثلما فرض ذلك على المؤمنين في زمن النبي محمد
وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا (75) سورة النساء
و بالأخص عندما يتعلق الأمر بالإعتداء على الأراضي المقدسة وأهلها
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ (217) سورة البقرة
طبعا سلف المذاهب تجاهلوا هذه النقطة وإتبعوا خرافات اليهود التي أعطت تفسير غريب لمفهوم الجبروت عندما جعلته وصفا للعمالقة 
تفسير بن كثير
{ يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة } أي المطهرة. عن ابن عباس قال: هي الطور وما حوله، وكذا قال مجاهد وغير واحد المراد بالأرض المقدسة: بيت المقدس وما حوله، ويقال لها: إيليا، وتفسيرها: بيت اللّه. ويعني بالجبارين: قوماً كانوا فيها من العماليق وهم بنو عملاق بن لاوذ
الأسطورة التي إخترعها اليهود لتبرير جبن أسلافهم وخوفهم من القتال في سبيل الله مثلما تجاهلوا هوية الأرض المقدسة الحقيقية بنسبها لما يسمى ببيب المقدس رغم بيان القرآن لأقدس بيت فوق الأرض 
هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (15) إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (16) سورة النازعات
رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ (37) سورة البقرة
و الذي يعد الحج إليه
وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97) سورة آل عمران
 و قتال من يصد عنه واجب ديني مقدس
 يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ (21) سورة المائدة 
لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا (27) سورة الفتح
 وهنا يتضح جليا أن لا فرق بين دوافع القتال في زمن تنزيل القرآن وبين حجيته في قصص الأنبياء السابقين و الذي يبقى بالأساس وسيلة للدفاع عن النفس والأعراض والمستضعفين
أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا (246) سورة البقرة
و الله تعالى أعلم