بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
من الأشياء الملفتة للإنتباه عند قراءة ودراسة نصوص القرآن تغير الخطاب الإلهي في النصوص بين أوامر عامة للمؤمنين وأخرى مخصصة لشخص الرسول والبعض الآخر لشخص النبي إختلاف يمر عليه غالبية الناس مرور الكرام ويرى فيه البعض الآخر مجرد تنوع في طريقة الخطاب القرآني
لكن تجاربنا السابقة مع كتاب الله علمتنا أن كل إختلاف في طريقة الخطاب أو في المصطلحات المستعملة إلا ومن ورائه تبيان حقيقة معينة
أول سؤال يتبادر إلى الأدهان هل الأوامر الموجهة لشخص الرسول في القرآن ملزمة للعموم المؤمنين ؟ وهل جميع الأوامر الموجهة لمحمد في القرآن موجهة إليه كرسول ؟ خصوصا أن كتاب الله لم يلزم المؤمنين بطاعته سوى في صفته كرسول
قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (32) سورة آل عمران
تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ (13) سورة النساء
وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ (36) سورة الأحزاب
التي لم يخاطب بها سوى مرتين في جميع نصوص القرآن وفي سورة المائدة بالذات وهو ما يثير شيئا من الحيرة للوهلة الأولى لكن إذا ظهر السبب بطل العجب
فعدم ورود عبارة يا أيها الرسول في غير سورة المائدة
يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ (41) يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ (67) سورة المائدة
لم يأتي من باب الصدفة بل يوحي بعدم إكتمال صفة الرسول حتى إكتمال الرسالة مع إعلان إكتمال الدين في بداية نفس السورة
الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا (3) سورة المائدة
التي كانت بالتأكيد آخر سورة منزلة من القرآن لكن في نفس الوقت لا ينفي ذلك صفة الرسالة عن صاحبها في بقية السور وكمثال صريح قوله تعالى
وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (68) سورة الأنعام
الذي على الرغم من كونه أمر موجه لشخص الرسول لفظيا فقد إعتبر في نص لاحق حكما ملزما لبقية المؤمنين
وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (140) سورة النساء
مما يؤكد أن كل أمر قرآني موجه لشخص الرسول فهو موجه في نفس الوقت لعموم المؤمنين وبالأخص من عاصره منهم و كان خاضعا لنفس الظروف كتلك التي تسمح بقيام الليل
يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4) سورة المزمل
إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ (20) سورة المزمل
و التي تبقى ملزمة للمؤمن حسب الإستطاعة فلا أعتقد أن الله تعالى سيلزم بقيام الليل المؤمن الذي يعيش في المناطق التي يغيب فيها الليل لأيام وشهور وهو ما يفسر عدم تقييد الأمر لعموم المؤمنين بإقامة الصلاة بأوقات الليل و النهار
فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78) سورة الحج على على خلاف شخص الرسول
وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ (114) سورة هود
أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78) سورة الإسراء
و هنا يتجلى بوضوح معطى بالغ الأهمية أن الأوامر التشريعية المقتصرة على شخص الرسول لا تكون ملزمة لعموم المؤمنين في كل زمان ومكان عكس الأوامر الموجهة لفظيا في نصوص القرآن لعموم المؤمنين
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208) سورة البقرة
لكن هذا المعطى ليس هو السبب الوحيد لهذا الإختلاف فلو أمعنا النظر في هذا الأمر الموجه لفظيا لشخص الرسول
وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (68) سورة الأنعام
سنجده حكما عاما على جميع المؤمنين في كل زمان و مكان لغياب أي إستثناء منطقي يلغي هذا الأمر المشابه لأمر الله اللفظي لعموم المؤمنين
وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (108) سورة الأنعام
و يبقى السؤال المطروح هنا لماذا إختص الله تعالى شخص الرسول بالخطاب في المثال الأول ثم توجه بالخطاب لعموم المؤمنين في المثال الثاني ؟ ببساطة لأن النبي غير معني بالأمر الثاني لعدم قيامه بسب لمعتقدات الغير لسماحته وأخلاقه العالية
وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4) سورة القلم
فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ (159) سورة آل عمران
و إلتزامه بأوامر ربه
ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (125) سورة النحل
عكس بعض المؤمنين الذين يلجؤون إلى هذا الأسلوب الإستفزازي في الجدال الديني إلى يومنا هذا على خلاف الأمر الأول الذي يوحي أن النبي كان يجالس بالفعل كفار قومه رغم إستهزاءهم بآيات الله قبل أن ينزل الأمر الإلهي لينهاه عن ذلك مثلما نهاه عن إتباع من يلهيه عن إقامة الصلاة في أوقاتها
وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28) سورة الكهف
وعن طرده لبعض المؤمنين
وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (52) سورة الأنعام
وعن مد عينه لما أنعم الله به على غيره
وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى (131) سورة طه
والأمثلة كثيرة وتبقى هذه الأوامر في نفس الوقت سارية المفعول على عموم المؤمنين على خلاف الأوامر الغير مرتبطة بشخص الرسول كضعف بعض المؤمنين أثناء الحروب
فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ (35) سورة محمد
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3) إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ (4) سورة الصف
والذي لم يكن شأن الرسول في أي حال من الأحوال
لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21) وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (22) سورة الأحزاب
و إعتداء البعض الآخر على الأفراد المسالمين أثناء الحروب
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا (94) سورة النساء
و هنا أيضا تبقى الأمثلة كثيرة وأوضحها على الإطلاق الأمر بتقصير الصلاة أثناء الحروب الذي لم يشمل الرسول بحكم التقصير
وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا (101) سورة النساء
نظرا لإقامته للصلاة للطائفتين المقصرتين معا وبالتالي عدم تقصيره لصلاته
إِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ (102) سورة النساء
إلى هنا تبدوا الأمور واضحة ولا خلاف في شمول الرسالة المحمدية لكل من الأوامر الموجهة لعموم المؤمنين وتلك الموجهة لشخص الرسول لكن ماذا عن الأوامر الموجهة لشخص النبي ؟
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (9) سورة التحريم
هل تدخل في إطار رسالته التي تستلزم الطاعة
وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ (64) سورة النساء
أم أنها مقتصرة على فترة و ظروف معينة ؟
أبرز ملاحظة في النصوص المخاطبة لشخص النبي أنها ذكرت في سور معدودة على رؤوس الأصابع سورة الأحزاب
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (1) سورة الأحزاب
والأنفال
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ (65) سورة الأنفال
والتوبة
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73) سورة التوبة
والممتحنة
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ (12) سورة الممتحنة
والتحريم
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1) سورة التحريم
والطلاق
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ (1) سورة الطلاق
ويبقى القاسم المشترك بين أغلب هذه السور نزولها في فترة حرب و عدم إستقرار
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (9) سورة التحريم
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (1) سورة الممتحنة
أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (13) سورة التوبة
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (65) سورة الأنفال
إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا (11) سورة الأحزاب
وكمثال عندما كانت المؤمنات عرضة للتحرش في بلاد المهجر مما إستلزم تنزيل حكم يفرض لبس زي خاص يعرفن به من دون بقية النساء
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (59) سورة الأحزاب
فهل يمكن إعتبار هذا الحكم خاص بفترة معينة من البعثة المحمدية أم حكم ساري المفعول في كل مكان تكون فيه المؤمنات عرضة للتحرش ؟ الجواب في الحكم الموالي
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (1) سورة الطلاق
ألم يوصف هنا الأمر الموجه لشخص النبي بحدود الله التي تستلزم الطاعة بنفس وصف حكم طاعة الرسول
تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ (14) سورة النساء
فمن البديهي إذن أن الأوامر الموجه لشخص النبي تبقى جزء لا يتجزأ من الرسالة وأصلا ما الحكمة في ذكر أوامر خارجة عن إطار الرسالة في نصوص القرآن ؟ لكنها في نفس الوقت لم تذكر عبثا بل جاءت كما يوحي السياق والسور التي ذكرت فيها للتعبير عن مرحلة مؤقتة تعذر على الرسول خلالها تبليغ رسالته للناس
يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ (67) سورة المائدة
بسبب حرب و إضطهاد الكفار حينها و منعهم للرسول والمؤمنين من تبليغ رسالتهم حيث أمروا أن يبلغوها
وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (92) سورة الأنعام
و هو معطى بالغ الأهمية ينفي وجود أحكام خارجة عن نطاق الرسالة في نصوص القرآن ويقطع الطريق في نفس الوقت أمام فكرة طاعة النبي التي يتخذ منها البعض حجة لإثبات حجية ما يسمى بالسنة النبوية والتي يفترض حتى في حالة وجودها أن تكون جزء لا يتجزأ من الرسالة التي يقتصر دور صاحبها على تبليغها
قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (54) سورة المائدة
و يبقى إدراك أسباب تنوع الخطاب القرآني من المفاتيح الأساسية لفهم النصوص و السياقات و كشف العديد من الحقائق القرآنية
لكن تجاربنا السابقة مع كتاب الله علمتنا أن كل إختلاف في طريقة الخطاب أو في المصطلحات المستعملة إلا ومن ورائه تبيان حقيقة معينة
أول سؤال يتبادر إلى الأدهان هل الأوامر الموجهة لشخص الرسول في القرآن ملزمة للعموم المؤمنين ؟ وهل جميع الأوامر الموجهة لمحمد في القرآن موجهة إليه كرسول ؟ خصوصا أن كتاب الله لم يلزم المؤمنين بطاعته سوى في صفته كرسول
قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (32) سورة آل عمران
تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ (13) سورة النساء
وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ (36) سورة الأحزاب
التي لم يخاطب بها سوى مرتين في جميع نصوص القرآن وفي سورة المائدة بالذات وهو ما يثير شيئا من الحيرة للوهلة الأولى لكن إذا ظهر السبب بطل العجب
فعدم ورود عبارة يا أيها الرسول في غير سورة المائدة
يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ (41) يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ (67) سورة المائدة
لم يأتي من باب الصدفة بل يوحي بعدم إكتمال صفة الرسول حتى إكتمال الرسالة مع إعلان إكتمال الدين في بداية نفس السورة
الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا (3) سورة المائدة
التي كانت بالتأكيد آخر سورة منزلة من القرآن لكن في نفس الوقت لا ينفي ذلك صفة الرسالة عن صاحبها في بقية السور وكمثال صريح قوله تعالى
وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (68) سورة الأنعام
الذي على الرغم من كونه أمر موجه لشخص الرسول لفظيا فقد إعتبر في نص لاحق حكما ملزما لبقية المؤمنين
وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (140) سورة النساء
مما يؤكد أن كل أمر قرآني موجه لشخص الرسول فهو موجه في نفس الوقت لعموم المؤمنين وبالأخص من عاصره منهم و كان خاضعا لنفس الظروف كتلك التي تسمح بقيام الليل
يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4) سورة المزمل
إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ (20) سورة المزمل
و التي تبقى ملزمة للمؤمن حسب الإستطاعة فلا أعتقد أن الله تعالى سيلزم بقيام الليل المؤمن الذي يعيش في المناطق التي يغيب فيها الليل لأيام وشهور وهو ما يفسر عدم تقييد الأمر لعموم المؤمنين بإقامة الصلاة بأوقات الليل و النهار
فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78) سورة الحج على على خلاف شخص الرسول
وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ (114) سورة هود
أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78) سورة الإسراء
و هنا يتجلى بوضوح معطى بالغ الأهمية أن الأوامر التشريعية المقتصرة على شخص الرسول لا تكون ملزمة لعموم المؤمنين في كل زمان ومكان عكس الأوامر الموجهة لفظيا في نصوص القرآن لعموم المؤمنين
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208) سورة البقرة
لكن هذا المعطى ليس هو السبب الوحيد لهذا الإختلاف فلو أمعنا النظر في هذا الأمر الموجه لفظيا لشخص الرسول
وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (68) سورة الأنعام
سنجده حكما عاما على جميع المؤمنين في كل زمان و مكان لغياب أي إستثناء منطقي يلغي هذا الأمر المشابه لأمر الله اللفظي لعموم المؤمنين
وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (108) سورة الأنعام
و يبقى السؤال المطروح هنا لماذا إختص الله تعالى شخص الرسول بالخطاب في المثال الأول ثم توجه بالخطاب لعموم المؤمنين في المثال الثاني ؟ ببساطة لأن النبي غير معني بالأمر الثاني لعدم قيامه بسب لمعتقدات الغير لسماحته وأخلاقه العالية
وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4) سورة القلم
فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ (159) سورة آل عمران
و إلتزامه بأوامر ربه
ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (125) سورة النحل
عكس بعض المؤمنين الذين يلجؤون إلى هذا الأسلوب الإستفزازي في الجدال الديني إلى يومنا هذا على خلاف الأمر الأول الذي يوحي أن النبي كان يجالس بالفعل كفار قومه رغم إستهزاءهم بآيات الله قبل أن ينزل الأمر الإلهي لينهاه عن ذلك مثلما نهاه عن إتباع من يلهيه عن إقامة الصلاة في أوقاتها
وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28) سورة الكهف
وعن طرده لبعض المؤمنين
وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (52) سورة الأنعام
وعن مد عينه لما أنعم الله به على غيره
وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى (131) سورة طه
والأمثلة كثيرة وتبقى هذه الأوامر في نفس الوقت سارية المفعول على عموم المؤمنين على خلاف الأوامر الغير مرتبطة بشخص الرسول كضعف بعض المؤمنين أثناء الحروب
فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ (35) سورة محمد
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3) إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ (4) سورة الصف
والذي لم يكن شأن الرسول في أي حال من الأحوال
لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21) وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (22) سورة الأحزاب
و إعتداء البعض الآخر على الأفراد المسالمين أثناء الحروب
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا (94) سورة النساء
و هنا أيضا تبقى الأمثلة كثيرة وأوضحها على الإطلاق الأمر بتقصير الصلاة أثناء الحروب الذي لم يشمل الرسول بحكم التقصير
وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا (101) سورة النساء
نظرا لإقامته للصلاة للطائفتين المقصرتين معا وبالتالي عدم تقصيره لصلاته
إِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ (102) سورة النساء
إلى هنا تبدوا الأمور واضحة ولا خلاف في شمول الرسالة المحمدية لكل من الأوامر الموجهة لعموم المؤمنين وتلك الموجهة لشخص الرسول لكن ماذا عن الأوامر الموجهة لشخص النبي ؟
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (9) سورة التحريم
هل تدخل في إطار رسالته التي تستلزم الطاعة
وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ (64) سورة النساء
أم أنها مقتصرة على فترة و ظروف معينة ؟
أبرز ملاحظة في النصوص المخاطبة لشخص النبي أنها ذكرت في سور معدودة على رؤوس الأصابع سورة الأحزاب
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (1) سورة الأحزاب
والأنفال
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ (65) سورة الأنفال
والتوبة
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73) سورة التوبة
والممتحنة
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ (12) سورة الممتحنة
والتحريم
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1) سورة التحريم
والطلاق
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ (1) سورة الطلاق
ويبقى القاسم المشترك بين أغلب هذه السور نزولها في فترة حرب و عدم إستقرار
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (9) سورة التحريم
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (1) سورة الممتحنة
أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (13) سورة التوبة
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (65) سورة الأنفال
إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا (11) سورة الأحزاب
وكمثال عندما كانت المؤمنات عرضة للتحرش في بلاد المهجر مما إستلزم تنزيل حكم يفرض لبس زي خاص يعرفن به من دون بقية النساء
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (59) سورة الأحزاب
فهل يمكن إعتبار هذا الحكم خاص بفترة معينة من البعثة المحمدية أم حكم ساري المفعول في كل مكان تكون فيه المؤمنات عرضة للتحرش ؟ الجواب في الحكم الموالي
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (1) سورة الطلاق
ألم يوصف هنا الأمر الموجه لشخص النبي بحدود الله التي تستلزم الطاعة بنفس وصف حكم طاعة الرسول
تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ (14) سورة النساء
فمن البديهي إذن أن الأوامر الموجه لشخص النبي تبقى جزء لا يتجزأ من الرسالة وأصلا ما الحكمة في ذكر أوامر خارجة عن إطار الرسالة في نصوص القرآن ؟ لكنها في نفس الوقت لم تذكر عبثا بل جاءت كما يوحي السياق والسور التي ذكرت فيها للتعبير عن مرحلة مؤقتة تعذر على الرسول خلالها تبليغ رسالته للناس
يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ (67) سورة المائدة
بسبب حرب و إضطهاد الكفار حينها و منعهم للرسول والمؤمنين من تبليغ رسالتهم حيث أمروا أن يبلغوها
وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (92) سورة الأنعام
و هو معطى بالغ الأهمية ينفي وجود أحكام خارجة عن نطاق الرسالة في نصوص القرآن ويقطع الطريق في نفس الوقت أمام فكرة طاعة النبي التي يتخذ منها البعض حجة لإثبات حجية ما يسمى بالسنة النبوية والتي يفترض حتى في حالة وجودها أن تكون جزء لا يتجزأ من الرسالة التي يقتصر دور صاحبها على تبليغها
قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (54) سورة المائدة
و يبقى إدراك أسباب تنوع الخطاب القرآني من المفاتيح الأساسية لفهم النصوص و السياقات و كشف العديد من الحقائق القرآنية