تبرئة الدين الإسلامي من الجرائم المنسوبة إليه

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ


عندما تحاور الغير مسلمين و بالأخص الحاقدين منهم على الدين الإسلامي و تخبرهم بأن هذا الأخير بريء مما نسب إليه من جرائم يكون ردهم بأننا مجرد مجملين ألزمنا التطور الإنساني على إنكار ما وجدنا عليه أباءنا و أن القرآن كتاب مطاطي يمكن تفسيره بطريقة سلمية مثلما يمكن تفسيره بطريقة إجرامية إلى أبعد الحدود كما تفعل الجماعات الإرهابية و أن العيب في القرآن نفسه الذي يفتح المجال للإجرام بإسهابه في نصوص العنف و القتال 
و يبقى هذا الإدعاء مجرد ذريعة عند عدد كبير من الحاقدين على دين الله لتشويه صورة الإسلام و التي يسعون من خلالها إلى إخفاء جهلهم و سطحية أبحاثهم و الإكتفاء بترديد ما تم تلقينهم إياه من مغالطات مبنية بالأساس على سوء تفاسير السلف للقرآن
لذلك وجب عند محاججة مثل هؤلاء التركيز في المقام الأول على إظهار بعد هذه التفاسير عن واقع النص القرآني لأننا لو عرضنا أقوال و تفاسير سلف المذاهب على ميزان المنطق و العقل فسيتجلى على الفور مدى سخافتها و كارثة من يصدقها و يعتمدها كمصادر علمية موثوقة و هذه بعض الأمثلة التي غيرت مجرى تاريخ الدين الإسلامي لتجعل منه دين دموي بإمتياز و البداية من هذا النص الذي يستشهد به كثيرا على دعوة الإسلام لقطع الرقاب كأن هنالك حرب و قتال بدون قطع رقاب ؟!
فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا (4) سورة محمد
رغم أن بعض مرضى القلوب من عشاق هواية إقتطاع النصوص من سياقها يحاولون خداع الناس بإقناعهم أن الأمر بضرب الرقاب شامل لجميع الكفار في كل زمان و مكان رغم علمهم التام بأن الأمر مقتصر على حرب معينة لها أجل معلوم لتضع فيه أوزارها لكن عندما يتطابق هذا المنطق مع رأي كبار مفسري السلف فعلى دين الله السلام
تفسير بن كثير
{ حتى تضع الحرب أوزارها } قال مجاهد: حتى ينزل عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام، وكأنه أخذه من قوله صلى اللّه عليه وسلم: ( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يقاتل آخرهم الدجال ). وهذا يقوي القول بعدم النسخ، كأنه شرع هذا الحكم في الحرب إلى أن يبقى لا حرب، وقال قتادة { حتى تضع الحرب أوزارها } حتى لا يبقى شرك، وهذا كقوله تعالى: { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين للّه } ثم قال بعضهم: حتى تضع الحرب أوزارها أي أوزار المحاربين وهم المشركون بأن يتوبوا إلى اللّه عزَّ وجلَّ، وقيل: أوزار أهلها بأن يبذلوا الوسع في طاعة اللّه تعالى
حين جعلت من حرب مؤقتة خاضعة لزمان و مكان و ظروف معينة قتال شامل لكل مشرك في كل زمان و مكان حتى ظهور ما يسمونه بعلامات الساعة الكبرى التي قد تأتي أو لا تأتي ثم يتساءل البعض من أين تأتي الجماعات الإرهابية بفتواها الإجرامية ؟ لكن لو أمعنا في نفس السياق و حتى دون الحاجة للإحتكام لنصوص أخرى سنجده يأمر بالمن على أسرى الكفار بإطلاق سراحهم 
فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا (4) سورة محمد
ليبقى السؤال المطروح لمن يصدق هذه التفاسير لماذا المن على الكفار بإطلاق سراحهم في حرب هدفها الأساسي هو إجبارهم على إعتناق الدين الإسلامي أو قطع رقابهم في حالة الرفض ؟! فلا تعليق ترقيع ما بعده ترقيع و إستخفاف لا يصدق بعقول الناس مستشهدين في نفس التفسير بهذا النص 
{ وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين للّه }
 المقتطع من سياق آخر لتعزيز فكرة إكراه الناس على إعتناق الإسلام بحد السيف 
تفسير بن كثير
{ حتى لا تكون فتنة } أي شرك قاله ابن عباس والسدي { ويكون الدين لله } أي يكون دين اللّه هو الظاهر العالي على سائر الأديان، كما ثبت في الصحيحين عن أبي موسى الأشعري قال: سئل النبي صلى اللّه عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل رياء، أي ذلك في سبيل اللّه؟ فقال: ( من قاتل لتكون كلمة اللّه هي العليا فهو في سبيل اللّه ). وقوله تعالى: { فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين } ، يقول تعالى: فإن انتهوا عما هم فيه من الشرك وقتال المؤمنين فكفوا عنهم، فإن من قاتلهم بعد ذلك فهو ظالم ولا عدوان إلا على الظالمين،
تفسير الجلالين
{ وقاتلوهم حتى لا تكون } توجد { فتنة } شرك { ويكون الدين } العبادة { لله } وحده لا يعبد سواه { فإن انتهوا } عن الشرك فلا تعتدوا عليهم
سياق يبتدئ بالدعوة لقتال الذين يقاتلون المؤمنين و ليس من إتخذ مع الرحمن آلهة
وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) سورة البقرة
من خلال الدعوة لقتلهم و إخراجهم من حيث أخرجوا المؤمنين 
 وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (191) سورة البقرة
طبعا كل من لديه ذرة مصداقية و أمانة علمية سيؤكد أن الإنتهاء في النص الموالي 
 فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192) سورة البقرة
يخص قتالهم للمؤمنين لكن شيوخ الجريمة كان لهم رأي آخر
تفسير الجلالين
{ فإن انتهوا } عن الكفر وأسلموا { فإن الله غفور } لهم { رحيم } بهم .
و هو ما تم تعزيزه أيضا في النص الموالي كما جاء في التفاسير السالفة الذكر
 وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (193) سورة البقرة
رغم مخالفة ذلك لبداية السياق الذي حصر غاية القتال في رد عدوان الكافرين
 وَقَاتِلُوهُمْ (193) سورة البقرة 
وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ (190) سورة البقرة
و منع فتنة إضطهاد المؤمنين 
حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ (193) سورة البقرة
 وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ (191) سورة البقرة
وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ (217) سورة البقرة
و حتى يكون الدين لله وحده و لا يتم إجبار المؤمنين للعودة إلى دين الشركاء
وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ (193) سورة البقرة
وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا (217) سورة البقرة
هكذا تم تحريف أوضح الحقائق إبتغاء مرضاة أهواء الطغاة و عندما يحاول البعض إصلاح هذه الكوارث التفسيرية التي أحيطت بهالة من القدسية لمنع الناس من مجرد التفكير في التشكيك فيها يتهمون بالتجميل و إختراع دين جديد لكن الحقيقة أن سلف المذاهب هم قاموا بتقبيح النص القرآن و الإساءة للدين الإسلامي الحقيقي و كمثال تفسيرهم الدموي لمعنى الإتخان 
فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ (4) سورة محمد
تفسير بن كثير
{ حتى إذا أثخنتموهم } أي أهلكتموهم قتلاً،
تفسير الجلالين
{ حتى إذا أثخنتموهم } أكثرتم فيهم القتل
مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ (67) سورة الأنفال
تفسير الجلالين
 { له أسرى حتى يثخن في الأرض } يبالغ في قتل الكفار
رغم أن المعنى الظاهر للإتخان و الأقرب للواقع و المنطق هو التمكن من الأعداء أَثْخَنْتُمُوهُمْ و التمكن في الأرض يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ
تفسير يجعل أصحابه في ورطة في حالة إستسلام العدو بسرعة دون أن يتيح لهم فرصة للمبالغة في قتل جنوده هل يقوموا بقتل عدو مستسلم رغم حرمة ذلك قرآنيا في عدة نصوص ؟
فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (193) سورة البقرة
فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا (90) سورة النساء
 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا (94) سورة النساء
و على أي معيار سيتم الإعتماد للتمييز بين من حق عليه الأسر و من حق عليه القتل ؟ 
من الأمثلة التي يعشق أعداء الإسلام الإستشهاد بها على إنتهازية و نفاق الدين الإسلامي دعوى تعارض الخطاب القرآني بين الدعوة للسلم في حالة الضعف
وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61) سورة الأنفال 
و نبذه في حالة القوة العسكرية التي تم تفسيرها بالعلو 
فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ (35) سورة محمد
و مرة أخرى يتجلى بوضوح دور تفاسير المذاهب في خلق من هذه الشبهات 
تفسير بن كثير
{ فلا تهنوا } أي لا تضعفوا عن الأعداء، { وتدعوا إلى السلم } أي المهادنة والمسالمة ووضع القتال بينكم وبين الكفار في حال قوتكم، ولهذا قال: { وأنتم الأعلون } أي في حال علوكم على عدوكم، فأما إذا كان الكفار فيهم قوة وكثرة بالنسبة إلى جميع المسلمين، ورأى الإمام في المهادنة والمعاهدة مصلحة، فله أن يفعل ذلك، 
تفاسير تجاهلت كعادتها بقية النصوص التي تؤكد إرتباط مصطلح العلو بالإيمان و العلو في الدرجات عند الرحمن و ليس بالقوة العسكرية
فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ (35) سورة محمد
وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ (140) سورة آل عمران
مصطلح إستعمل لبث الأمل و تقوية عزيمة المؤمنين بعد الهزيمة و ما إستخدام نفس مصطلح لَا تَهِنُوا في الحالتين معا الذي يشار به إلى الضعف بإعتراف تفاسير السلف نفسها
تفسير الجلالين
{ ولا تهنوا } تضعفوا عن قتال الكفار
لخير  دليل على تطابق حالة المؤمنين في السياقين معا و أنهم كانوا في حالة ضعف عندما طالبهم رب العزة بعدم الوهن و الدعوة للسلم  مع عدو معتدي كانت غايته الأسمى هي القضاء على دين الله
وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا (217) سورة البقرة
حتى لا يظهروا أمامه في موقع ضعف فيستغل الموقف للزيادة من بطشه و عدوانه حيث إشترط القرآن أن يكون هذا الأخير هو المبادر للدعوة للسلم 
وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61) سورة الأنفال 
دعوة جاءت في سياق النصر و القوة كما توضح هذه النصوص من نفس السورة
إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (19) سورة الأنفال
وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (71) سورة الأنفال
دعوة وجد لها شيوخ الإجرام المتعطشين للدماء مخرجا بحل النسخ 
تفسير الجلالين
{ وإن جنحوا } مالوا { للسَّلْم } بكسر السين وفتحها: الصلح { فاجنح لها } وعاهدهم، وقال ابن عباس : هذا منسوخ بآية السيف
و بالضبط بما يسمى بآية السيف التي كانت بمثابة الحل لمشكلة كثرة نصوص التسامح و حرية العقيدة في القرآن لأناس كانت لديهم أجندة إمبريالية لا تقبل النصوص السلمية
آية السيف
فى حين لم ترد كلمة "السيف" فى القرآن ولو لمرة واحدة، أطلق المفسرون السيف على الآية الخامسة من سورة التوبة، ناسخين بها كل آيات الصفح والعفو والتسامح والسلام الواردة بالقرآن الكريم. قال ابن كثير: وهذه الآية الكريمة هى آية السيف، ونزلت ناسخة لجميع الآيات التي فيها الصفح والكف عن المشركين، آمرة بقتالهم.
التي كانت بمثابة رصاصة الرحمة لكل دعوة سلمية في القرآن و هذا الجدول التفصيلي يوضح عدد النصوص التي زعم نسخها بآية السيف الذي يصل إلى 22 نص ملغي !
جدول للآيات الناسخة والمنسوخة حسب سلف المذاهب
فحسب هؤلاء السفهاء فقد أنزل الله تعالى 113 سورة مؤقتة غير صالحة لما بعد البعثة المحمدية بإستثناء سورة التوبة ! و أن الله تعالى الذي أعلن إكتمال دينه العظيم بنص صريح لا يقبل التحريف
 و لا التلاعب في سورة المائدة
الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا (3) سورة المائدة
التي حث فيها المؤمنين على التسامح و عدم الإثم و العدوان 
وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2) سورة المائدة
عاد ليغير رأيه رأسا على عقب و يعلن الحرب على العالم بأسره في سورة التوبة !
بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (1) سورة التوبة
أول ملاحظة أن الله تعالى لم يختص بالبراءة سوى المشركين المعاهدين و يبقى إدعاء وجود براءة موازية للمشركين الغير معاهدين كما جاء في التفاسير مجرد إضافة و إختراع ما أنزل الله به من سلطان
تفسير بن كثير
{ براءة من اللّه ورسوله } أي هذه براءة أي تبرؤ من اللّه ورسوله { إلى الذين عاهدتم من المشركين، فسيحوا في الأرض أربعة أشهر } . اختلف المفسرون ههنا اختلافاً كثيراً، فقال قائلون: هذه الآية لذوي العهود المطلقة غير المؤقتة، أو من له عهد دون أربعة أشهر فيكمل له أربعة أشهر، فأما من كان له عهد مؤقت فأجله إلى مدته مهما كان، لقوله تعالى: { فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم } الآية، ومن كان بينه وبين رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عهد فعهده إلى مدته؛ وهذا أحسن الأقوال وأقواها، وقد اختاره ابن جرير رحمه اللّه. وقال ابن عباس: حدَّ اللّه للذين عاهدوا رسوله أربعة أشهر، يسيحون في الأرض حيث شاءوا، وأجلَّ أجل من ليس له عهد انسلاخ الأشهر الحرم، فأمر اللّه نبيه إذا انسلخ المحرم أن يضع السيف فيمن لم يكن بينه وبينه عهد، بقتلهم حتى يدخلوا في الإسلام، وأمر بمن كان له عهد إذا انسلخ أربعة أشهر من يوم النحر إلى عشر خلون من ربيع الآخر أن يضع فيهم السيف أيضاً حتى يدخلوا في الإسلام.
فلدينا هنا طامتين كبرتين فالإضافة لإثم الكذب على الله و رسوله زاد سلف المذاهب من جرمهم حين إدعوا أن الأشهر الحرم ليست هي الأشهر الأربعة المتتالية المذكورة في النص الموالي 
فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ (2) سورة التوبة
و الذي بالتأكيد كان له دور في تفريق الأشهر الحرم الحالية في ما يسمى بالتقويم الهجري
طبعا إدعاء براءة الله تعالى من أصحاب العهود المطلقة يعد إفتراء و إساءة لله تعالى بإتهامه بعدم الوفاء بالعهد الذي أوصى به عباده
وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا (177) سورة البقرة
وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا (34) سورة الإسراء
أو بعدم علمه للغيب عندما ترك رسوله يقيم عهود مطلقة مع الكفار ليعود و يأمره بنبذها لاحقا ! 
فالله تعالى لم يتبرأ سوى من المشركين المعاهدين فأعطاهم مهلة أربعة أشهر مدة إنقضاء الأشهر الحرم الأربعة
فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ (2) فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ (5) سورة التوبة
لكن يبقى السؤال المطروح هو ما سبب هذه البراءة هل بالفعل كان الهدف منها إعلان حرب عالمية على المشركين في كل زمان و مكان حتى يعتنقوا الإسلام كما زعم سلف المذاهب ؟ و لماذا يعطيهم إذن مهلة أربعة اشهر ليغادروا الأرض و ينجو بأنفسهم 
تفسير بن كثير
 فأجله أربعة أشهر يسيح في الأرض يذهب فيها لينجو بنفسه حيث شاء، 
و يبلغهم مأمنهم 
وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ (6) سورة التوبة
ما دام الإسلام سيتعقبهم في كل زمان و مكان لقتلهم و إجبارهم على إعتناقه ! و لماذا لم يتبرأ القرآن من المشركين الغير معاهدين و يعطيهم مهلة مماثلة لترك البلاد أو إعتناق الإسلام ؟ الجواب في  تتمة السياق الذي إستثنى المشركين الذي لم ينقصوا المؤمنين و لم يظاهروا عليهم من البراءة
إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (4) سورة التوبة
مما يؤكد أن البراءة كانت مقتصرة على فئة من المشركين الذين نقصوا المؤمنين مدة عهدهم خلال نكثهم لعهد السلم الذي كان يربط بينهما
وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (12) سورة التوبة
و ظهارهم على المؤمنين من خلال قتالهم و محاولة إخراج الرسول
 أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (13) سورة التوبة
لكن المفسرين كان لهم رأي آخر من خلال تشريع ما أسموه بآية السيف
تفسير بن كثير
{ فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } أي من الأرض، وهذا عام،
{ فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين } . وهذه الآية الكريمة هي آية السيف التي قال فيها الضحاك: إنها نسخت كل عهد بين النبي صلى اللّه عليه وسلم وبين أحد من المشركين وكل عقد وكل مدة. وقال ابن عباس في هذه الآية: أمره اللّه تعالى أن يضع السيف فيمن عاهد إن لم يدخلوا في الإسلام، ونقض ما كان سمي لهم من العهد والمواثيق،
إدعاء تكذبه و تنسفه النصوص الموالية حين قامت مرة أخرى بإستثناء المشركين الذي إستقاموا للمؤمنين و أمرت بمعاملتهم بالمثل
كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (7) سورة التوبة
مؤكدة مرة أخرى على أن سبب براءة الله و رسوله من المشركين يعود لنكثهم لعدهم مع المؤمنين مما إضطر مفسري السلف لإختراع قصة جديدة تستثني قريش من البراءة بعد ما سبق و أعلنت أنها عامة على جميع مشركي الأرض ؟
تفسير بن كثير
{ إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام } يعني يوم الحديبية، { فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم} أي مهما تمسكوا بما عاقدتموهم عليه وعاهدتموهم من ترك الحرب بينكم وبينهم { فاستقيموا لهم إن اللّه يحب المتقين } ، وقد فعل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ذلك والمسلمون، استمر العقد والهدنة مع أهل مكة من ذي القعدة في سنة ست إلى أن انقضت قريش العهد 
لكن سرعان ما ستظهر عيوب مثل هذه الترقيعات و اللي الصريح لعنق النصوص عندما أمر الله تعالى المؤمنين في تتمة نفس السورة بمنع المشركين من الإقتراب من المسجد الحرام
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا (28) سورة التوبة
ليتساءل المرأ عن الحكمة من تحريم المسجد الحرام عن المشركين إذا كان المؤمن مأمور مسبقا بقتل المشرك أينما وجده !؟ ألم يحرم الله جميع الأرض بما فيها المسجد الحرام على جميع المشركين بدون إستثناء حسب التفاسير السالفة الذكر ؟ فلماذا يعود و يأمرهم بتحريم المسجد الحرام فقط ؟
تفسير بن كثير
أمر تعالى عباده المؤمنين الطاهرين ديناً وذاتاً، بنفي المشركين الذين هم نجس عن المسجد الحرام، وأن لا يقربوه بعد نزول هذه الآية، وكان نزولها في سنة تسع ولهذا بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عليا صحبة أبي بكر وأمره أن ينادي في المشركين ألا يحج بعد هذا العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، فأتم اللّه ذلك وحكم به شرعاً وقدراً، وكتب عمر بن عبد العزيز رضي اللّه عنه أن امنعوا اليهود والنصارى من دخول مساجد المسلمين، 
كيف ينادون في المشركين الذين يفترض أنهم إنقرضوا بعد ما يسمى بآية السيف ؟! تفاسير تجعل القارئ في حيرة من أمره و تفتح المجال للتلاعب بنصوص القرآن حسب الأهواء و الظروف كما هو الشأن بالنسبة لما يسمى بآية الجزية ثاني أكثر آية يستشهد بها في مجال إضطهاد الغير مسلمين و هذه التفاسير غنية عن أي تعليق
تفسير بن كثير
{ قاتلوا الذين لا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر} الآية. وهذه الآية الكريمة نزلت أول الأمر بقتال أهل الكتاب بعدما تمهدت أمور المشركين ودخل الناس في دين اللّه أفواجاً واستقامت جزيرة العرب، أمر اللّه ورسوله بقتال أهل الكتابين اليهود والنصارى، وكان ذلك في سنة تسع؛ ولهذا تجهز رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لقتال الروم ودعا الناس إلى ذلك وأظهره لهم، وبعث إلى أحياء العرب حول المدينة فندبهم، واجتمع من المقاتلة نحو ثلاثين ألفاً، وتخلف بعض الناس من أهل المدينة ومن حولها من المنافقين وغيرهم؛ وكان ذلك في عام جدب، ووقت قيظ وحر، وخرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يريد الشام لقتال الروم فبلغ تبوك فنزل بها وأقام بها قريباً من عشرين يوماً، ثم استخار اللّه في الرجوع فرجع عامه ذلك لضيق الحال، وضعف الناس، كما سيأتي بيانه بعد إن شاء اللّه تعالى. وقوله: { حتى يعطوا الجزية } أي إن لم يسلموا { عن يد } : أي عن قهر لهم وغلبة { وهم صاغرون } أي ذليلون حقيرون مهانون، فلهذا لا يجوز إعزاز أهل الذمة ولا رفعهم على المسلمين بل هم أذلاء صغرة أشقياء، كما جاء في صحيح مسلم: (لا تبدأوا اليهود والنصارى بالسلام، وإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه) ولهذا اشترط عليهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه تلك الشروط المعروفة في إذلالهم وتصغيرهم وتحقيرهم، 
ثم يخرج علينا بعض المجملين الذين يحاولون تبرير ما يسمى بالفتوحات الإسلامية و ما حدث فيها من إضطهاد و إستغلال للشعوب المحتلة بأكذوبة أن الجزية تحل محل ضريبة الزكاة التي كان يؤديها المسلمون كأن المسلم كان يؤديها عن يد و هو صاغر و محتقر ؟ و كأن ما يسمى بضريبة الزكاة كان لها وجود من الأساس في دين الله ؟
لكن ما يهمنا حاليا هو محاولة فهم أسباب و غاية هذه العقوبة التي سعى سلف المذاهب لتعميمها على أهل الكتاب بدون إستثناء رغم تخصيص النص القرآني للذين لا يؤمنون منهم بالله و اليوم الآخر 
قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ (29) سورة التوبة 
فهل كل أهل الكتاب لا يؤمنون بالله و اليوم الآخر ؟
لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114) سورة آل عمران
و الذين كانوا لا يحرمون ما حرم الله و رسوله 
قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ (29) سورة التوبة 
بتحليلهم للأشهر الحرم كما يوضح نفس السياق
إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (37) سورة التوبة
و ليس كما جاء في التفاسير الترقيعية
تفسير الجلالين
{ ولا يحرِّمون ما حرَّم الله ورسوله } كالخمر
تفسير الطبري
{ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّه وَرَسُوله وَلَا يَدِينُونَ دِين الْحَقّ } يَقُول : وَلَا يُطِيعُونَ اللَّه طَاعَة الْحَقّ . يَعْنِي : أَنَّهُمْ لَا يُطِيعُونَ طَاعَة أَهْل الْإِسْلَام .
و لا يدينون دين الأشهر الحرم الحق
وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ (29) سورة التوبة 
 إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ (36) سورة التوبة
من الذين أوتوا الكتاب و ليس كل الذين أوتوا الكتاب
مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29) سورة التوبة 
و هنا يتجلى بوضوح أن سبب قتال و فرض الجزية على هذه الطائفة من الذين أوتوا الكتاب هو خرقهم للأشهر الحرم مع العلم أن الخطاب القرآني لم يطرح خيار إعتناق الإسلام من الأساس و لم يخيرهم بين الإيمان بالله و رسوله و بين دفع الجزية لكن تبقى المصيبة الأكبر هي تجاهل هواة العشوائية و الترقيع تصنيف المعنيين بعقوبة الجزية في تتمة نفس السياق مع المشركين
وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30) اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31) سورة التوبة
مما يلزمهم بنفس أحكام المشركين في آية السيف التي لا تترك لهم من خيار سوى الإيمان أو القتل مما يلغي أكذوبة الضريبة المالية و يؤكد أن الجزية كانت عبارة عن جزاء و عقوبة لفئة من المشركين قاموا بخرق الأشهر الحرم و الإعتداء على المؤمنين في بدايتها  مما يفسر المهلة التي أعطيت لهم في أوائل السورة
فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ (5) سورة التوبة
و ينفي في نفس الوقت وجود أي نوع من الإكراه على إعتناق الإسلام في سواء في آية الجزية أو آية السيف المقتصرتان على نفس الطائفة المعتدية من مشركي اليهود و النصارى فأي عقل يقبل أن تأمر نفس النصوص بفرض الجزية على عموم أهل الكتاب و هم أدلاء بسبب معتقدهم و في نفس الوقت تأمر بالإستقامة لمشركي قريش الوثنيين حسب إعتقاد أصحاب المذاهب !
فتبرئة الدين الإسلامي مما نسب إليه من جرائم لا يقتصر على إعطاء التفسير الصحيح للنصوص بل وجب المرور من توضيح الثغرات الكبرى في تفاسير سلف المذاهب التي لا تترك لأصحابها من خيار سوى الإعتراف بجرم أسلافهم في حق الله و رسوله و التوبة عن هذا الدين المزيف أو المكابرة و العناد في سبيل نصرة دين الأجداد و لو على حساب دين الله أما من إتخذ إلهه هواه و أصر على التشبث بتفاسير السلف لملاءمتها لمخططه الشيطاني لتشويه صورة الإسلام من بعد ما تبين له الحق فقد نصب نفسه داعية للإجرام و التخلف و الفساد في الأرض و عدوا للسلام و الإصلاح قبل أن يكون عدوا للإسلام و الله لا يهدي القوم الظالمين