ظاهرة التكفير

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ


من المظاهر الدينية التي أصبح ينظر إليها بسلبية في زمننا الحالي ظاهرة التكفير التي أصبح يرى فيها العديد من الناس سبب الحروب و الإجرام و الصراعات السياسية و إضطهاد و هضم حقوق الأقليات ألخ من الآفات التي إرتبطت بشكل أو بآخر بهذه الظاهرة
و للأسف سقط أغلب منتقدي ظاهرة التكفير في مغالطة كبرى حين أسقطوا مختلف المشاكل المترتبة عن تبعات التكفير المذهبي الذي لا يتوقف عند التكفير اللفظي على ظاهرة التكفير نفسها التي لا يستطيع أحد إنكار حضورها بقوة في نصوص القرآن 
و للأسف عوض التركيز على توضيح بطلان الأحكام المترتبة عن التكفير المذهبي و مخالفتها لشريعة الإسلام و القرآن حاول البعض نفي صفة الكفر عن أصحابه و تبديل و تحريف صريح القرآن و هذه بعض الأمثلة
و حجتهم في ذلك الحفاظ على إستقرار الدولة و حماية  حقوق المواطنين دون أن يدركوا أنهم يقومون بشكل غير مباشر بالتمييز و إسقاط حقوق بقية الأقليات كالملحدين و اللادينيين اللذين لا يستطيعون أن ينفوا عنهم ما أسموه بالكفر الأكبر و الذي يقصدون به إنكار وجود الله مما يظهر مدى سطحية دراستهم لنصوص القرآن التي لم تخاطب من الأساس منكري ألوهية الخالق حتى تصفهم بالكفر بل إختصت بالنذير و الوعيد أمما كانت تعبد نفس الإله الذي يعبده المسيحيون و المسلمون 
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (61) سورة العنكبوت
أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (3) لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (4) سورة الزمر
و ترتكب نفس جريمة المسيحيين بنسب الولد لله
فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ (149) أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ (150) أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (151) وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (152) سورة الأنبياء
ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34) مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (35) سورة مريم
و جعله شريك لله في الملك
وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا (111) سورة الإسراء
فلا أدري صراحة ما الفرق بين عبادة الملائكة و إعتبارهم بنات الله و بين عبادة المسيح و إعتباره إبنا لله ؟
وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (80) سورة آل عمران أليس هذا تصريح صريح بمطابقة كفر المسيحيين لكفر قوم الرسول المشركين ؟ فما الفرق إذن بإستثناء إيمان المسيحيين باليوم الآخر
إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى (27) سورة النجم 
مع العلم أن شرك المسيحيين أعظم درجة عندما إدعوا أن الله هو المسيح 
لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72) سورة المائدة
الذي كان بمثابة كفر برسالة المسيح نفسها التي يدعون إتباعها
قَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72) سورة المائدة
فلا مجال هنا لنفي الكفر عن المسيحيين بالإستشهاد بنصوص كانت تخاطب النصارى الموحدين المسلمين
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (69) سورة المائدة
و بطبيعة الحال لا يكتمل الإيمان بالله إلا من خلال توحيده و عدم الإشراك به
وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106) سورة يوسف
و عدم التفريق بين رسله
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (91)  سورة البقرة
إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (150) أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (151) سورة النساء
فلا يمكن في أي حال من الأحوال وصف المشركين بالمؤمنين
أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36) سورة القلم
و إدعاء أن العقيدة المسيحية عقيدة توحيدية و أصلا لا توجد عقيدة توحيدية غير الإسلام 
مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (67) سورة آل عمران
وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132) سورة البقرة
مثلما لا يوجد إيمان بالله إلا من خلال عدم إشراك أحكام البشر 
مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26) سورة الكهف
وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47) سورة المائدة
وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (43) سورة المائدة
نصوص صريحة تؤكد كفر كل من لم يحكم بحكم الله المنزل في كتبه السماوية مما يجعل المذاهب المنتسبة للإسلام نفسها في عداد الملل الكافرة و المشركة 
مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (46) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (47) إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48)  سورة النساء
فالشرك بالله لا يقتصر على الشرك الظاهري بإعلان عبادة آلهة غير الله و إنما يتجلى في إشراك أحكام ما دونه سواء نسبها لله أم لغيره 
و في زمننا الحالي في غياب نصوص التوراة و الإنجيل الحقيقيان لا يوجد إيمان إلا من خلال الإيمان و الإلتزام المطلق بالقرآن الذي يحمل في طياته نفس أحكام ما سبقه من كتب
وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ (48) سورة المائدة
فلا وجود لكفر أكبر و كفر أصغر بمفهوم الكفر بين الأديان هناك دين واحد أنزله الله تعالى للبشر هو الإسلام 
وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85)  سورة آل عمران
و كل من إبتغى غيره فقد كفر بالله و رسله المسلمين لكن في الوقت هذا لا يعطينا الحق في تكفير الأشخاص الذي يبقى من إختصاص علام الغيوب الذي يعلم باطن النفوس
الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى (32)  سورة النجم 
ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125) سورة النحل
و بالأخص في غياب النسخة الصحيحة للإسلام المتعتم عليها إعلاميا رغم بعض المحاولات المحتشمة مؤخرا لإظهار جزء منها و بالتالي لا يمكن أن نصف بالكفر من لم يطلع على الدين الإسلامي في أكمل صوره 
فكفر الناس بدين المذاهب لا يعد كفرا بالله في حقيقية الأمر بل كفر بالطاغوت
لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256) سورة البقرة
نظرا لما يحمله من أحكام و شرائع مخالفة للفطرة الإنسانية 
أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30) سورة الروم
فيجب أولا إظهار دين الله الحق ثم بعد ذلك مجادلة الناس كما أوصانا أرحم الراحمين
ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125) سورة النحل
أما المجاملة الدينية التي تهدف لترسيخ فكرة وجود أكثر من دين سماوي لإرضاء جميع الأطراف و خلق جو من التعايش بين الطوائف فلن تزيد سوى في ترسيخ التفرقة الدينية التي أنشأها إبليس منذ قرون لإبعاد الناس عن دين ربهم و ستبقى المحرك الأساسي لزرع ثقافة الكراهية بين البشر 

تعليقات