بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
زعم أصحاب المذاهب أن هدفهم من تدوين السيرة المنسوبة للرسول محمد هو إعطاء صورة أوضح و تفاصيل أكثر عن حياة النبي التي لم يأتي ذكرها في القرآن فكرة تبدو جميلة للوهلة الأولى و نابعة عن حسن نية رغم أن القرآن لم يفرط في شيء من تفاصيل حياة الرسول قدوة المسلمين في كل زمان و مكان
لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21) سورة الأحزاب
و ليس شخص محمد الذي على خلاف ما حاول أصحاب المذاهب إقناعنا به بأن جميع أقواله و أفعاله وحي إلهي فتبقى أعماله خارج إطار الرسالة غير ملزمة للمسلمين
لكن لا بأس من التعريف بها و بمختلف تفاصيل حياة محمد الشخصية و من عاصره من أشخاص و لو من باب البحث التاريخي شريطة أن لا يتم تسخير هذه السيرة كوسيلة شيطانية لتمجيد أشخاص معينين و تبرير أفعالهم على حساب سمعة و كرامة الرسول و هذا ما حدث بالضبط مع سيرة المذاهب التي قامت بتعديل شخصية النبي على مقاس أصنامهم البشرية و التي أحيطت بهالة من القدسية و جعلت من الثوابت الدينية و التاريخية التي لا تقبل المس مما جعلها مادة دسمة تقدم لأعداء الإسلام مئات الحجج و الشبهات فوق طابق من ذهب
فلو كلف المؤمنون أنفسهم قليلا من الجهد بالقيام بمقارنة علمية دقيقية بين كتاب الله و ما توارثوه من تاريخ مزيف بعيدا عن العاطفة و التعصب لموروث الأجداد لإكتشفوا مدى حجم الكذبة التي عاشوا فيها طيلة القرون الماضية و مدى التعارض و التناقض الصارخ بين القصص القرآني و سيرة المذاهب اللذان يتجليان في جميع أطوار هذه الأخيرة بداية من قصة نزول الوحي
غار حراء
بغض النظر عن الأسباب الغير مفهومة و الغامضة لتواجد النبي محمد في ما يسمى بغار حراء لحظة لقاءه المزعوم مع رسول الله جبريل فإن أول ما يثير الريبة في هذه الحادثة هو تجاهلها الكلي في نصوص القرآن الذي لم يغفل عن ذكر أحداث أقل أهمية على حد إعتقاد أصحاب المذاهب كحادثة لجوء النبي لغار ثور عند إخراجه من طرف الكفار
إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40) سورة التوبة
و رؤيته لجبريل في الأفق المبين
وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (22) وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (23) سورة التكوير ا
فهل يعقل أن يغفل القرآن عن ذكر أعظم لحظة في حياة محمد عند تلقيه لأول بشائر الوحي التي يستلزم أن تكون لحظة تاريخية تستحق و لو إلتفاتة أو تلميح صغير في القرآن و ؟ فبقليل من التدبر سندرك أن بداية الوحي الحقيقية كانت مع لقاء النبي محمد بجبريل ورؤيته بالأفق المبين التي تطرقت لها سورتي التكوير و النجم بالتفصيل
إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (21) وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (22) وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (23) وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (24) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (25) فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (26) إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (27) سورة التكوير
مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10) مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12) سورة النجم
حيث يتجلى بوضوح من ردة فعل قوم الرسول التي كانت ممزوجة بالتعجب و التكذيب و وصفهم للقرآن بأنه قول الشياطين بأن ما جاء به الرسول بعد لقائه و رؤيته لجبريل في الأفق المبين كان أول ما أخبر به قومه من وحي و أن لا وجود لقصة غار حراء سوى في مخيلة البعض و هو ما يحلينا إلى السؤال الثاني هل كانت دعوة الرسول محمد سرية في بادئ الأمر كما زعمت سيرة المذاهب ؟
سرية الدعوة
إدعى تاريخ المذاهب أن دعوة الرسول محمد لقومه ضلت طيلة ثلاث سنوات الأولى من البعثة دعوة سرية مقتصرة على من كان يثق فيهم من أقاربه و أصدقائه و الذين أسلموا جميعا إلى أن جاء أمر الله في سورة الشعراء بجهر الدعوة و دعوة أقاربه المشركين كأبي لهب و أبي جهل ألخ
وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214) سورة الشعراء
مما يستلزم أن لا نجد أي أثر لدعوة المشركين أو إعتراضهم و كفرهم برسالة لم يعلموا بوجودها بعد في كل ما سبق سورة الشعراء من سور لكن المشكلة أننا سنجد في الآية التاسعة فقط من أول سور القرآن حسب ترتيب أصحاب المذاهب أنفسهم
ترتيب القرآن حسب النزول
الذي جعل سورة الشعراء في المرتبة 47 و سورة العلق في المرتبة الأولى نهي الكفار للمؤمنين عن تأدية الصلاة التي يزعم نفس التراث أنها كانت تأدى في الخلاء خفية عن أعين الكفار طيلة فترة الدعوة السرية !
أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْدًا إِذَا صَلَّى (10) سورة العلق
{ أرأيت الذي ينهى . عبداً إذا صلَّى} نزلت في أبي جهل لعنه اللّه، توعد النبي صلى اللّه عليه وسلم على الصلاة عند البيت
{ أرأيت } في الثلاثة مواضع للتعجب { الذي ينهي } هو أبو جهل.
{ أَرَأَيْت الَّذِي يَنْهَى } ذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَة وَمَا بَعْدهَا نَزَلَتْ فِي أَبِي جَهْل
قوله تعالى { أرأيت الذي ينهى} وهو أبو جهل { عبدا} وهو محمد صلى اللّه عليه وسلم
كيف علم أبو جهل برسالة محمد فترة نزول سورة العلق ليعلم بصلاته أصلا ! صلاة لم تكن مفروضة قبل نزول هذه الآيات ! و ليت الأمر توقف عند سورة العلق بل سسنجده متكررا في جل السور الأولى من القرآن التي سبقت سورة الشعراء
وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) سورة القلم
وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا (10) وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا (11) سورة المزمل
تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3) سورة المسد
وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (22) وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (23) وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (24) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (25) فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (26) سورة التكوير
بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ (2) أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (3) سورة ق
وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (4) أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5) سورة ص
و الأمثلة لا تعد و لا تحصى
مما يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن الدعوة المحمدية كانت دعوة علنية لجميع أفراد قومه منذ أول لحظة من بعثته المباركة و أن قصة سرية الدعوة خلال الثلاثة سنوات الأولى من هذه الأخيرة مجرد أسطورة وهمية لا محل لها من الأعراب
خطاب بني إسرائيل في مكة
و دائما في إطار نفس سياق سورة الشعراء التي تحمل في طياتها العديد من الحقائق المزعجة لأصحاب المذاهب و بالضبط في الآية
أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ (197) سورة الشعراء
التي نزلت قبل 17 آية من آية
وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214) سورة الشعراء
التي يفترض أنها كانت بداية الدعوة العلنية حيث سنجد مفاجئة من العيار الثقيل و أن رسالة القرآن قد وصلت خلال فترة ما يسمى بالدعوة السرية إلى علماء بني إسرائيل !!! فلا أدري كيف إطلع علماء بني إسرائيل الذين لم يكن لهم وجود في مكة أصلا حسب نفس السيرة برسالة محمد التي لم تخرج بعد من كنف أقرب أقربائه و أصدقائه ؟ و من هم الذين لم تكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل في نفس الفترة ؟
{ أولم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل} أي أوليس يكفيهم من الشاهد الصادق على ذلك أن العلماء من بني إسرائيل، يجدون ذكر هذا القرآن في كتبهم التي يدرسونها، والمراد العدول منهم الذين يعترفون بما في أيديهم من صفة محمد صلى اللّه عليه وسلم ومبعثه وأمته، كما أخبر بذلك من آمن منهم كـ عبد اللّه بن سلام و سلمان الفارسي ومن شاكلهم،
{ أو لم يكن لهم } لكفار مكة { آية } على ذلك { أن يعلمه علماء بني إسرائيل } كعبد الله بن سلام وأصحابه من الذين آمنوا فإنهم يخبرون بذلك، ويكن بالتحتانية ونصب آية وبالفوقانية ورفع آية .
طبعا هذه الآيات نسبت لمن أسلم من يهود المدينة بعد الهجرة مما يطرح علامة إستفهام كبيرة بخصوص خطاب القرآن لبني إسرائيل في السور المكية خصوصا إذا علمنا أن النبي محمد لم يقابلهم حتى هجرته إلى المدينة أو سنة أو سنتين قبلها حسب نفس السيرة ؟
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا (101) سورة الإسراء
و أن بداية إعتناقهم للإسلام كانت بعد الهجرة
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) سورة الأحقاق
إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (76) وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (77) إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (78) سورة النمل
الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (52) سورة القصص
أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (114) سورة الأنعام
و تبقى مثل هذه الأسئلة بلا جواب حتى إشعار آخر
قتل و تعذيب المؤمنين الأوائل
يزعم أصحاب المذاهب أن المؤمنون الأوائل تعرضوا لشتى أنواع التعذيب و الأذى الجسدي الذي وصل في بعض الأحيان حتى القتل عذاب لن نجد له لا حس و لا أثر في كتاب الله الذي إكتفى بذكر تكذيب و سخرية الكفار منهم
إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (29) وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ (30) وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ (31) وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ (32) وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ (33) سورة المطففين
بإستثناء هذه الآيات
قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (9) إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ (10) سورة البروج
و بما أنها تتحدث عن عذاب المؤمنين في قرية أخرى غير قرية الرسول و أن ذلك يخالف ما جاء في السيرة التي حصرت هوية المؤمنين في مرحلة ما قبل الهجرة في أهل مكة فقد نسبوا هذه الأحداث لأقوام سابقة أختلفوا في تحديد هويتهم كحال كل قصة ملفقة مع أن الآيات كانت واضحة و صريحة في تأكديها لإستمرار هذا الفعل مَا يَفْعَلُونَ لحظة نزول هذه النصوص فلا أدري صراحة كيف سيطالب الله تعالى بتوبة ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا قوما ماتوا منذ مدة طويلة ! فهل يعقل أن يذكرا لنا القرآن تفاصيل تعذيب الأمم السابقة متوعدا مقترفيها الذين لم يعد لهم وجود و يتغافل عن ما كان يعنيه المؤمنون من قوم الرسول من عذاب مزعوم و و لو بإنزال آية واحدة تطمئنهم و تصبرهم و تتوعد أعدائهم و تأمرهم بالكف عن إضطهاد المؤمنين الذي دفعهم في آخر المطاف إلى الهروب و الهجرة إلى الحبشة
الهجرة إلى الحبشة
هجرة لا وجود لها هي الأخرى في نصوص القرآن مع أنها تعد من المحطات الحاسمة في تاريخ الدعوة المحمدية حسب سيرة المذاهب و بطبيعة الحال لا وجود لأي ثناء و لا تلميح لفضل ملك الحبشة على المؤمنين و نصرته لهم ضد مشركي مكة كمن يقص علينا قصتين لنفس الشخص في عالمين متوازيان و مختلفان
معجزة الإسراء و المعراج
إذا كان الإسراء قد ذكر بالإسم في نصوص القرآن دون التطرق لتفاصيل القصة المذكورة في كتب التراث فسنجد في المقابل غياب تام لقصة المعراج في كتاب الله و عندما نطلع على الآية الوحيدة التي أشارت لحادثة الإسراء
سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1) سورة الإسراء
فإننا نستشعر أن المسجد الأقصى لم يكن مجرد محطة إنتقالية للعبور إلى السماء بل غاية الرحلة و مكان رؤية الآيات و هو ما يفسر الغياب الكلي لتتمة قصة المذاهب الوهمية في نصوص القرآن
و مرة أخرى تغيب إحدى أهم أحداث البعثة المحمدية عند أصحاب المذاهب و أعظم معجزة في تاريخ الأنبياء عن نصوص القرآن !
الهجرة إلى المدينة
أهم مرحلة في الدعوة المحمدية على الإطلاق حسب سيرة المذاهب و الذي غيرت وجه الدعوة المحمدية رأسا على عقب و مع ذلك نجد أنفسنا مرة أخرى في حيرة عند محاولة تحديد طبيعة هذه الهجرة هل كانت هجرة طوعية بوحي إلاهي كما جاء في روايات التراث أم هجرة إجبارية فرضت على المؤمنين و هم لها كارهون ؟
كتب التراث صورت هجرة الرسول محمد و أتباعه كهروب و خروج حدث ضد رغبة كفار مكة لكن واقع النصوص يؤكد أن العكس هو الصحيح و أن الكفار هم من طردوا النبي و من معه من المؤمنين
وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ (13) سورة محمد
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (1) سورة الممتحنة
إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9) سورة الممتحنة
و قد سبق التطرق لهذه النقطة بالتفصيل في موضوع
الهجرة كما جاءت في القرآن
و أصلا جل نصوص القرآن تؤكد هذه الحقيقية و سعي الكفار الدائم لإخراج الرسول من أرضهم
وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا (76) سورة الإسراء
وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30) سورة الأنفال
و ليس العكس مما يطرح مرة أخرى علامة إستفهام كبيرة حول مدى علم كتاب السيرة بأحداث البعثة المحمدية الحقيقية ؟ حيث دفعهم جهلهم و ترقيعهم إلى توهم حدوث قصة لجوء الرسول و صاحبه إلى الغار أثناء هجرة هذا الأخير إلى ما يسمى بالمدينة
معجزة الغار
بغض النظر عن إقتباس هذه القصة بأدق تفاصيلها كتغطية الغار ببيت العنكبوت من رواية مسيحية منسوبة لشخص يدعى فليكس النولي عاش في القرن الثالث الميلادي
غزوة بدر
من الأشياء التي لا خلاف عليها بين نصوص القرآن و سيرة المذاهب كثرة الحروب بين المؤمنين والكفار خلال فترة ما بعد الهجرة و تبقى غزوة بدر أشهرها على الإطلاق عند أصحاب المذاهب حيث إعتبرت من الأحداث الفاصلة التي ظلت عالقة في أذهان من عاشها من المؤمنين الأوائل و التي يفترض أن تبقى تفاصيلها حاضرة بقوة لدى الأجيال الأولى من المؤمنين الذي ينتمي إليهم كتاب السيرة حسب زعمهم كتعداد الجيوش و عدد القتالى و هذا ما نلمسه في رواية أصحاب المذاهب التي ذكرت حتى أسماء القتلى من الطرفين لكن سرعان ما ستظهر عيوب مثل هذه الروايات عند إزالة غشاوة العاطفة و دراسة نصوص القرآن بعيون الحياد لنجد أنفسنا أمام سؤال جد محير كم كان عدد مقاتلي الكفار في غزوة بدر ؟
وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123) إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124) بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125) سورة آل عمران
هل يعقل أن لا تطمئن قلوب المؤمنين بنزول 3000 من الملائكة لقتال 1000 مشرك ! هل كان مشركي مكة مقاتلي نينجا مثلا ؟ فمن الواضح أن عدد الكفار كان بالألاف إن لم يكن بعشرات الألاف و هو ما يغير المشهد الذي صور لنا بخصوص غزوة بدر كحرب صغيرة كان طرفاها أهل مكة و عشرات من أنصار المدينة و التي كانت في حقيقية الأمر حرب كبرى بين مجموع كفار عدة قرى و المؤمنين المهاجرين من نفس القرى و هنا يتجلى للعيان أحد أكبر عيوب السيرة التي حصرت الجزء الأكبر من البعثة المحمدية في قريتي مكة و المدينة رغم تأكيد النصوص لشمول الدعوة لعدة قرى منذ مرحلة ما قبل الهجرة
وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (7) سورة الشورى
وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (92) سورة الأنعام
خطاب القرآن للنصارى
من أوضح الحقائق في كتاب الله صراع النبي محمد و أتباعه من المؤمنين مع كل من اليهود و النصارى المشركين خلال فترة ما بعد الهجرة صراع عقائدي عسكري يتجلى بوضوح في العديد من الآيات
وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30) اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31) سورة التوبة
وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَانَصِيرٍ (120) سورة البقرة
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52) سورة المائدة
التي تؤكد حضور النصارى في بيئة و محيط الرسول محمد و تحالفهم مع اليهود لمحاربة رسالته و مع ذلك حاول مخترعي السيرة إيهامنا أن صراع الرسول مع أهل الكتاب كان مقتصرا على اليهود فقط ! و لا أرى هنا أي سبب منطقي لهذا التعتيم و التزييف الواضح للحقائق سوى تدخل أيدي المسيحيين أو بالأحرى المؤمنين ذو الأصول المسيحية لطمس جرائم أسلافهم ضد الرسول محمد و أتباعه
تحطيم أصنام الكعبة
من المحطات النهائية في حياة الرسول حسب سيرة المذاهب و رمز لإنتصار الإسلام على الشرك و مع ذلك سنجدها غائبة هي الأخرى عن نصوص القرآن الذي ذكر بأدق التفاصل و في أكثر من مناسبة لتحطيم إبراهيم لأصنام قومه
فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (91) مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ (92) فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ (93) فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ (94) قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (95) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96) سورة الصافات
وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (57) فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (58) قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (59) سورة الأنبياء
و تطهيره للكعبة
وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125) سورة البقرة
وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) سورة البقرة
و نسي أن يخبرنا و لو بإشارة صغيرة لتحطيم الرسول لأصنام الكعبة و تطهير بيت الله من الرجز ؟
كانت هذه أبرز أحداث السيرة المذهبية و علاماتها البارزة التي يتم تلقينها للأطفال في المقررات الدراسية منذ نعومة أظافرهم و يتم عرضها في البرامج الوثاقية و الأفلام و المسلسلات الدينية كحقيقة مسلمة لكن عند عرضها على واقع النص القرآني يتجلى بوضوح أنها مجرد قصة خرافية وهمية لا تمت بصلة لحياة الرسول محمد الحقيقية فحان الوقت لكشف حقيقة هذه الجريمة الكبرى التي إرتكبت في حق الدين و التاريخ و حان وقت فضح أصحابها و دياناتهم الكاذبة
لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21) سورة الأحزاب
و ليس شخص محمد الذي على خلاف ما حاول أصحاب المذاهب إقناعنا به بأن جميع أقواله و أفعاله وحي إلهي فتبقى أعماله خارج إطار الرسالة غير ملزمة للمسلمين
لكن لا بأس من التعريف بها و بمختلف تفاصيل حياة محمد الشخصية و من عاصره من أشخاص و لو من باب البحث التاريخي شريطة أن لا يتم تسخير هذه السيرة كوسيلة شيطانية لتمجيد أشخاص معينين و تبرير أفعالهم على حساب سمعة و كرامة الرسول و هذا ما حدث بالضبط مع سيرة المذاهب التي قامت بتعديل شخصية النبي على مقاس أصنامهم البشرية و التي أحيطت بهالة من القدسية و جعلت من الثوابت الدينية و التاريخية التي لا تقبل المس مما جعلها مادة دسمة تقدم لأعداء الإسلام مئات الحجج و الشبهات فوق طابق من ذهب
فلو كلف المؤمنون أنفسهم قليلا من الجهد بالقيام بمقارنة علمية دقيقية بين كتاب الله و ما توارثوه من تاريخ مزيف بعيدا عن العاطفة و التعصب لموروث الأجداد لإكتشفوا مدى حجم الكذبة التي عاشوا فيها طيلة القرون الماضية و مدى التعارض و التناقض الصارخ بين القصص القرآني و سيرة المذاهب اللذان يتجليان في جميع أطوار هذه الأخيرة بداية من قصة نزول الوحي
غار حراء
بغض النظر عن الأسباب الغير مفهومة و الغامضة لتواجد النبي محمد في ما يسمى بغار حراء لحظة لقاءه المزعوم مع رسول الله جبريل فإن أول ما يثير الريبة في هذه الحادثة هو تجاهلها الكلي في نصوص القرآن الذي لم يغفل عن ذكر أحداث أقل أهمية على حد إعتقاد أصحاب المذاهب كحادثة لجوء النبي لغار ثور عند إخراجه من طرف الكفار
إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40) سورة التوبة
و رؤيته لجبريل في الأفق المبين
وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (22) وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (23) سورة التكوير ا
فهل يعقل أن يغفل القرآن عن ذكر أعظم لحظة في حياة محمد عند تلقيه لأول بشائر الوحي التي يستلزم أن تكون لحظة تاريخية تستحق و لو إلتفاتة أو تلميح صغير في القرآن و ؟ فبقليل من التدبر سندرك أن بداية الوحي الحقيقية كانت مع لقاء النبي محمد بجبريل ورؤيته بالأفق المبين التي تطرقت لها سورتي التكوير و النجم بالتفصيل
إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (21) وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (22) وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (23) وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (24) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (25) فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (26) إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (27) سورة التكوير
مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10) مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12) سورة النجم
حيث يتجلى بوضوح من ردة فعل قوم الرسول التي كانت ممزوجة بالتعجب و التكذيب و وصفهم للقرآن بأنه قول الشياطين بأن ما جاء به الرسول بعد لقائه و رؤيته لجبريل في الأفق المبين كان أول ما أخبر به قومه من وحي و أن لا وجود لقصة غار حراء سوى في مخيلة البعض و هو ما يحلينا إلى السؤال الثاني هل كانت دعوة الرسول محمد سرية في بادئ الأمر كما زعمت سيرة المذاهب ؟
سرية الدعوة
إدعى تاريخ المذاهب أن دعوة الرسول محمد لقومه ضلت طيلة ثلاث سنوات الأولى من البعثة دعوة سرية مقتصرة على من كان يثق فيهم من أقاربه و أصدقائه و الذين أسلموا جميعا إلى أن جاء أمر الله في سورة الشعراء بجهر الدعوة و دعوة أقاربه المشركين كأبي لهب و أبي جهل ألخ
وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214) سورة الشعراء
مما يستلزم أن لا نجد أي أثر لدعوة المشركين أو إعتراضهم و كفرهم برسالة لم يعلموا بوجودها بعد في كل ما سبق سورة الشعراء من سور لكن المشكلة أننا سنجد في الآية التاسعة فقط من أول سور القرآن حسب ترتيب أصحاب المذاهب أنفسهم
ترتيب القرآن حسب النزول
الذي جعل سورة الشعراء في المرتبة 47 و سورة العلق في المرتبة الأولى نهي الكفار للمؤمنين عن تأدية الصلاة التي يزعم نفس التراث أنها كانت تأدى في الخلاء خفية عن أعين الكفار طيلة فترة الدعوة السرية !
أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْدًا إِذَا صَلَّى (10) سورة العلق
تفسير بن كثير
تفسير الجلالين
تفسير الطبري
تفسير القرطبي
كيف علم أبو جهل برسالة محمد فترة نزول سورة العلق ليعلم بصلاته أصلا ! صلاة لم تكن مفروضة قبل نزول هذه الآيات ! و ليت الأمر توقف عند سورة العلق بل سسنجده متكررا في جل السور الأولى من القرآن التي سبقت سورة الشعراء
وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) سورة القلم
وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا (10) وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا (11) سورة المزمل
تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3) سورة المسد
وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (22) وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (23) وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (24) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (25) فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (26) سورة التكوير
بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ (2) أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (3) سورة ق
وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (4) أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5) سورة ص
و الأمثلة لا تعد و لا تحصى
مما يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن الدعوة المحمدية كانت دعوة علنية لجميع أفراد قومه منذ أول لحظة من بعثته المباركة و أن قصة سرية الدعوة خلال الثلاثة سنوات الأولى من هذه الأخيرة مجرد أسطورة وهمية لا محل لها من الأعراب
خطاب بني إسرائيل في مكة
و دائما في إطار نفس سياق سورة الشعراء التي تحمل في طياتها العديد من الحقائق المزعجة لأصحاب المذاهب و بالضبط في الآية
أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ (197) سورة الشعراء
التي نزلت قبل 17 آية من آية
وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214) سورة الشعراء
التي يفترض أنها كانت بداية الدعوة العلنية حيث سنجد مفاجئة من العيار الثقيل و أن رسالة القرآن قد وصلت خلال فترة ما يسمى بالدعوة السرية إلى علماء بني إسرائيل !!! فلا أدري كيف إطلع علماء بني إسرائيل الذين لم يكن لهم وجود في مكة أصلا حسب نفس السيرة برسالة محمد التي لم تخرج بعد من كنف أقرب أقربائه و أصدقائه ؟ و من هم الذين لم تكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل في نفس الفترة ؟
تفسير بن كثير
تفسير الجلالين
طبعا هذه الآيات نسبت لمن أسلم من يهود المدينة بعد الهجرة مما يطرح علامة إستفهام كبيرة بخصوص خطاب القرآن لبني إسرائيل في السور المكية خصوصا إذا علمنا أن النبي محمد لم يقابلهم حتى هجرته إلى المدينة أو سنة أو سنتين قبلها حسب نفس السيرة ؟
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا (101) سورة الإسراء
و أن بداية إعتناقهم للإسلام كانت بعد الهجرة
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) سورة الأحقاق
إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (76) وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (77) إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (78) سورة النمل
الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (52) سورة القصص
أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (114) سورة الأنعام
و تبقى مثل هذه الأسئلة بلا جواب حتى إشعار آخر
قتل و تعذيب المؤمنين الأوائل
يزعم أصحاب المذاهب أن المؤمنون الأوائل تعرضوا لشتى أنواع التعذيب و الأذى الجسدي الذي وصل في بعض الأحيان حتى القتل عذاب لن نجد له لا حس و لا أثر في كتاب الله الذي إكتفى بذكر تكذيب و سخرية الكفار منهم
إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (29) وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ (30) وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ (31) وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ (32) وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ (33) سورة المطففين
بإستثناء هذه الآيات
قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (9) إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ (10) سورة البروج
و بما أنها تتحدث عن عذاب المؤمنين في قرية أخرى غير قرية الرسول و أن ذلك يخالف ما جاء في السيرة التي حصرت هوية المؤمنين في مرحلة ما قبل الهجرة في أهل مكة فقد نسبوا هذه الأحداث لأقوام سابقة أختلفوا في تحديد هويتهم كحال كل قصة ملفقة مع أن الآيات كانت واضحة و صريحة في تأكديها لإستمرار هذا الفعل مَا يَفْعَلُونَ لحظة نزول هذه النصوص فلا أدري صراحة كيف سيطالب الله تعالى بتوبة ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا قوما ماتوا منذ مدة طويلة ! فهل يعقل أن يذكرا لنا القرآن تفاصيل تعذيب الأمم السابقة متوعدا مقترفيها الذين لم يعد لهم وجود و يتغافل عن ما كان يعنيه المؤمنون من قوم الرسول من عذاب مزعوم و و لو بإنزال آية واحدة تطمئنهم و تصبرهم و تتوعد أعدائهم و تأمرهم بالكف عن إضطهاد المؤمنين الذي دفعهم في آخر المطاف إلى الهروب و الهجرة إلى الحبشة
الهجرة إلى الحبشة
هجرة لا وجود لها هي الأخرى في نصوص القرآن مع أنها تعد من المحطات الحاسمة في تاريخ الدعوة المحمدية حسب سيرة المذاهب و بطبيعة الحال لا وجود لأي ثناء و لا تلميح لفضل ملك الحبشة على المؤمنين و نصرته لهم ضد مشركي مكة كمن يقص علينا قصتين لنفس الشخص في عالمين متوازيان و مختلفان
معجزة الإسراء و المعراج
إذا كان الإسراء قد ذكر بالإسم في نصوص القرآن دون التطرق لتفاصيل القصة المذكورة في كتب التراث فسنجد في المقابل غياب تام لقصة المعراج في كتاب الله و عندما نطلع على الآية الوحيدة التي أشارت لحادثة الإسراء
سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1) سورة الإسراء
فإننا نستشعر أن المسجد الأقصى لم يكن مجرد محطة إنتقالية للعبور إلى السماء بل غاية الرحلة و مكان رؤية الآيات و هو ما يفسر الغياب الكلي لتتمة قصة المذاهب الوهمية في نصوص القرآن
و مرة أخرى تغيب إحدى أهم أحداث البعثة المحمدية عند أصحاب المذاهب و أعظم معجزة في تاريخ الأنبياء عن نصوص القرآن !
الهجرة إلى المدينة
أهم مرحلة في الدعوة المحمدية على الإطلاق حسب سيرة المذاهب و الذي غيرت وجه الدعوة المحمدية رأسا على عقب و مع ذلك نجد أنفسنا مرة أخرى في حيرة عند محاولة تحديد طبيعة هذه الهجرة هل كانت هجرة طوعية بوحي إلاهي كما جاء في روايات التراث أم هجرة إجبارية فرضت على المؤمنين و هم لها كارهون ؟
كتب التراث صورت هجرة الرسول محمد و أتباعه كهروب و خروج حدث ضد رغبة كفار مكة لكن واقع النصوص يؤكد أن العكس هو الصحيح و أن الكفار هم من طردوا النبي و من معه من المؤمنين
وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ (13) سورة محمد
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (1) سورة الممتحنة
إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9) سورة الممتحنة
و قد سبق التطرق لهذه النقطة بالتفصيل في موضوع
الهجرة كما جاءت في القرآن
و أصلا جل نصوص القرآن تؤكد هذه الحقيقية و سعي الكفار الدائم لإخراج الرسول من أرضهم
وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا (76) سورة الإسراء
وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30) سورة الأنفال
و ليس العكس مما يطرح مرة أخرى علامة إستفهام كبيرة حول مدى علم كتاب السيرة بأحداث البعثة المحمدية الحقيقية ؟ حيث دفعهم جهلهم و ترقيعهم إلى توهم حدوث قصة لجوء الرسول و صاحبه إلى الغار أثناء هجرة هذا الأخير إلى ما يسمى بالمدينة
معجزة الغار
بغض النظر عن إقتباس هذه القصة بأدق تفاصيلها كتغطية الغار ببيت العنكبوت من رواية مسيحية منسوبة لشخص يدعى فليكس النولي عاش في القرن الثالث الميلادي
bishop Maximus. Felix found Maximus alone, ill, and helpless, and hid him from soldiers in a vacant building. When the two were safely inside, a spider quickly spun a web over the door,
و يبقى أغرب ما في قصة غار ثور هو أين ترك الرسول و صاحبه ناقتيهما هل قاما بتركهما خارج الغار و مع ذلك لم ينتبه إليهما الكفار أم قاما بإدخلالهما في هذا الغار الضيق ؟!
فتبقى طريقة صياغتها في كتب التراث تعاني من نفس مشكلة تعارض رواية الهجرة المذهبية مع نصوص القرآن التي تؤكد هنا أيضا إخراج الكفار للرسول و ليس هروبه منهم
إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40) سورة التوبة
أولم يكن الأجدر بالرسول أن يقول لصاحبه في الغار لا تخف و ليس لا تحزن لو كانا بالفعل في حالة خوف و فرار كما زعمت الرواية الكاذبة ؟ فصاحب الرسول كان في حالة حزن و يأس بسبب إنتصار الكفار المؤقت و نجاحهم في إخراج الرسول و المؤمنين و ليس في حالة خوف و ذعر من عدو يتعقبهم
هناك سؤال آخر يطرح نفسه بقوة ماذا تفعل قصة غار ثور المزعومة التي حدثت أثناء الهجرة في آخر سورة من القرآن حسب ترتيب أصحاب المذاهب ؟ فإخراج الرسول الذي ذكر في سورة التوبة
هناك سؤال آخر يطرح نفسه بقوة ماذا تفعل قصة غار ثور المزعومة التي حدثت أثناء الهجرة في آخر سورة من القرآن حسب ترتيب أصحاب المذاهب ؟ فإخراج الرسول الذي ذكر في سورة التوبة
أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (13) سورة التوبة
لا علاقة بإخراجه الأول من قريته الأم
وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ (13) سورة محمد
حيث نصره الله بسرعة و أعاده للمسجد الحرام
إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40) سورة التوبة
و لمزيد من التفاصيل يمكن العودة لهذا الموضوع
غزوة بدر
من الأشياء التي لا خلاف عليها بين نصوص القرآن و سيرة المذاهب كثرة الحروب بين المؤمنين والكفار خلال فترة ما بعد الهجرة و تبقى غزوة بدر أشهرها على الإطلاق عند أصحاب المذاهب حيث إعتبرت من الأحداث الفاصلة التي ظلت عالقة في أذهان من عاشها من المؤمنين الأوائل و التي يفترض أن تبقى تفاصيلها حاضرة بقوة لدى الأجيال الأولى من المؤمنين الذي ينتمي إليهم كتاب السيرة حسب زعمهم كتعداد الجيوش و عدد القتالى و هذا ما نلمسه في رواية أصحاب المذاهب التي ذكرت حتى أسماء القتلى من الطرفين لكن سرعان ما ستظهر عيوب مثل هذه الروايات عند إزالة غشاوة العاطفة و دراسة نصوص القرآن بعيون الحياد لنجد أنفسنا أمام سؤال جد محير كم كان عدد مقاتلي الكفار في غزوة بدر ؟
وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123) إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124) بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125) سورة آل عمران
هل يعقل أن لا تطمئن قلوب المؤمنين بنزول 3000 من الملائكة لقتال 1000 مشرك ! هل كان مشركي مكة مقاتلي نينجا مثلا ؟ فمن الواضح أن عدد الكفار كان بالألاف إن لم يكن بعشرات الألاف و هو ما يغير المشهد الذي صور لنا بخصوص غزوة بدر كحرب صغيرة كان طرفاها أهل مكة و عشرات من أنصار المدينة و التي كانت في حقيقية الأمر حرب كبرى بين مجموع كفار عدة قرى و المؤمنين المهاجرين من نفس القرى و هنا يتجلى للعيان أحد أكبر عيوب السيرة التي حصرت الجزء الأكبر من البعثة المحمدية في قريتي مكة و المدينة رغم تأكيد النصوص لشمول الدعوة لعدة قرى منذ مرحلة ما قبل الهجرة
وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (7) سورة الشورى
وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (92) سورة الأنعام
خطاب القرآن للنصارى
من أوضح الحقائق في كتاب الله صراع النبي محمد و أتباعه من المؤمنين مع كل من اليهود و النصارى المشركين خلال فترة ما بعد الهجرة صراع عقائدي عسكري يتجلى بوضوح في العديد من الآيات
وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30) اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31) سورة التوبة
وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَانَصِيرٍ (120) سورة البقرة
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52) سورة المائدة
التي تؤكد حضور النصارى في بيئة و محيط الرسول محمد و تحالفهم مع اليهود لمحاربة رسالته و مع ذلك حاول مخترعي السيرة إيهامنا أن صراع الرسول مع أهل الكتاب كان مقتصرا على اليهود فقط ! و لا أرى هنا أي سبب منطقي لهذا التعتيم و التزييف الواضح للحقائق سوى تدخل أيدي المسيحيين أو بالأحرى المؤمنين ذو الأصول المسيحية لطمس جرائم أسلافهم ضد الرسول محمد و أتباعه
تحطيم أصنام الكعبة
من المحطات النهائية في حياة الرسول حسب سيرة المذاهب و رمز لإنتصار الإسلام على الشرك و مع ذلك سنجدها غائبة هي الأخرى عن نصوص القرآن الذي ذكر بأدق التفاصل و في أكثر من مناسبة لتحطيم إبراهيم لأصنام قومه
فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (91) مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ (92) فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ (93) فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ (94) قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (95) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96) سورة الصافات
وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (57) فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (58) قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (59) سورة الأنبياء
و تطهيره للكعبة
وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125) سورة البقرة
وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) سورة البقرة
و نسي أن يخبرنا و لو بإشارة صغيرة لتحطيم الرسول لأصنام الكعبة و تطهير بيت الله من الرجز ؟
كانت هذه أبرز أحداث السيرة المذهبية و علاماتها البارزة التي يتم تلقينها للأطفال في المقررات الدراسية منذ نعومة أظافرهم و يتم عرضها في البرامج الوثاقية و الأفلام و المسلسلات الدينية كحقيقة مسلمة لكن عند عرضها على واقع النص القرآني يتجلى بوضوح أنها مجرد قصة خرافية وهمية لا تمت بصلة لحياة الرسول محمد الحقيقية فحان الوقت لكشف حقيقة هذه الجريمة الكبرى التي إرتكبت في حق الدين و التاريخ و حان وقت فضح أصحابها و دياناتهم الكاذبة