هل اشتهى النبي امرأة زوجة زيد ؟

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ


من أكثر القصص القرآنية إثارة للجدل قصة النبي محمد مع زيد وامرأته في سورة الأحزاب والتي أسالت الكثير من المداد و نالت وابل من الانتقادات من طرف الطاعنين في الإسلام وأدخلت الشك في قلوب العديد من المؤمنين رغم تبريرات رجال الدين
فهل تستحق هذه القصة كل هذه الهالة التي أحيطت بها ؟ وهل تبقى الانتقادات التي صاحبتها مجرد تضخيم من طرف أعداء الإسلام للنيل من شخص الرسول محمد ؟ أم أن الخلل يوجد في القصة نفسها أو بالأحرى في الطريقة التي صيغت بها في روايات السلف والتي أصبحت شائعة لدى أغلب الناس
فبغض النظر عن ما صاحب القصة من أحكام اعترض عليها البعض كتحريم التبني...فتبقى الشبهة الأكبر في اشتهاء النبي محمد لزوجة زيد وهي على ذمته كما يوحي ظاهر النص
إِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (37)  سورة الأحزاب
وروايات أصحاب المذاهب لم تزد الطين إلا بلة
تفسير القرطبي
 { وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه } وقال مقاتل زوج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش من زيد فمكثت عنده حينا، ثم إنه عليه السلام أتى زيدا يوما، فأبصر زينب قائمة، كانت بيضاء جميلة جسيمة من أتم نساء قريش، فهويها وقال : ( سبحان الله مقلب القلوب )! فسمعت زينب بالتسبيحة فذكرتها لزيد، ففطن زيد فقال : يا رسول الله، ائذن لي في طلاقها، فإن فيها كبرا، تعظم علي وتؤذيني بلسانها، فقال عليه السلام : ( أمسك عليك زوجك واتق الله )
بجعلها من الرسول شخص لا يغض بصره عن زوجات الغير ولا يتوانى في إبداء إعجابه بحسنهن ! 
فمثل هذه الشبهات المريبة تمثل واقع الدين الإسلامي المرير مع المذاهب المنتسبة إليه سواء بقراءاتها الخاطئة لنصوص القرآن أو برواياتها المصطنعة لتأكيد و تثبيت هذه القراءات المبنية على الجهل و الازدواجية والمزاجية في المعايير و تبقى قراءة القرآن بغير لغته الأصلية أحد أكبر عيوب أصحاب المذاهب والتي نتج عنها فهم مغلوط للعديد من الكلمات القرآنية وبالتالي فهم مغلوط للعديد من القصص والتشريعات و من بين هذه الكلمات كلمة الزوج التي تم توضيح معناها الحقيقي في موضوع
مفهوم الزوج في القرآن
و الذي يشير في حقيقة الأمر إلى المثيل في الصفات سواء تعلق الأمر بالفصيلة أو العقيدة أو المرتبة الاجتماعية الخ والذي يختلف عن المعنى الحديث للكلمة الذي يشار إليه في لغة القرآن بمصطلح البعل بالنسبة للذكور
قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72)  سورة هود
وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (128)  سورة النساء

و المرأة أو النساء بصيغة الجمع بالنسبة للإناث
وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (71)  سورة هود
قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (40)  سورة آل عمران
إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35)  سورة آل عمران
لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226)  سورة البقرة
يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (32)  سورة الأحزاب
و بالتالي وجب تمييز الفرق بين هذه المصطلحات وبين مصطلح الزوج الذي يشار به لغة القرآن إلى المثيل سواء تعلق الأمر بالبعل أو الامرأة أم لا...والأخذ بعين الاعتبار الاحتمالين معا عندما يرد مصطلح الزوج بدل مصطلح الامرأة 
إِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (37)  سورة الأحزاب 
 لأن ذلك يفتح المجال أمام احتمال أن يكون المقصود بزوج زيد مطلقته و ليس امرأته التي على ذمته خصوصا إذا علمنا أن القرآن قد وصف المطلقين بالأزواج في مواضع أخرى
وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ (232) سورة البقرة
و إن صح هذا الاحتمال الذي أراه أقرب للمنطق والواقع من إتهام النبي محمد بالنظر و اشتهاء نساء الغير
قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30)  سورة الأحزاب
فإن طلبه من زيد بإمساك زوجه
إِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (37)  سورة الأحزاب
يبقى مجرد طلب بإمساك مطلقته عند انقضاء عدتها
وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ (231) سورة البقرة
الذي سعى من خلاله للهروب من حقيقة حبه لامرأة زيد السابقة المخالف لعادات القوم التي كانت تحرم الزواج من أزواج الأدعياء
إِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (37) سورة الأحزاب
قد يقول البعض أن هذا التفسير يبقى مجرد احتمال لا يلغي الاحتمال السابق لكنه في نفس الوقت ينفي عنه الثبوت والقطعية ويحيله إلى مصاف الظن الذي لا يغني من الحق شيئا والذي يستحيل أن يقوم معه أي إتهام أو شبهة 
و تبقى البينة على المدعي الذي ليس لديه سوى التفاسير والروايات المذهبية الكاذبة التي لم تعد حجة على المسلمين بعد إنكار العديد منهم لهذه الروايات خصوصا في زمننا المعاصر
ويبقى العلم لله سبحانه وتعالى
إن أخطأت فمن نفسي وإن أصبت فمن العزيز العليم

تعليقات

  1. سلام الله عليك، وبارك لك
    أختلف معك في نفي كلمة زوج عن علاقة الزواج وتثبيتها فقط على القرناء، أتفق انه يمكن أن يقصد بها قرين، لكن إن جعلناها حصرا للقرين فكيف ترى غض البظر؟
    وَالَّذينَ هُم لِفُروجِهِم حٰفِظونَ*إِلّا عَلىٰ أَزوٰجِهِم أَو ما مَلَكَت أَيمٰنُهُم فَإِنَّهُم غَيرُ مَلومينَ٥-٦ المؤمنين
    والتي كررها الحق بشكل شبه حرفي في سورة المعارج
    وَالَّذينَ هُم لِفُروجِهِم حٰفِظونَ*إِلّا عَلىٰ أَزوٰجِهِم أَو ما مَلَكَت أَيمٰنُهُم فَإِنَّهُم غَيرُ مَلومينَ ٢٩-٣٠ المعارج
    كي يثبت المعنى، والزوج دائما مذكر، وعندما يأتي في نكاح تقصد به الأنثى(هناك سر في ذلك لم أعرفه بعد)
    هل يسمح لي الله ألا أغض بصري عن قريناتي من النساء؟ ويأمرني بغضها عن من سواهن؟

    ردحذف
    الردود
    1. وعليكم السلام
      بل على العكس ورود مصلح الزوج إلى جانب ملك اليمين ينفي مفهوم الزوجة التي تشمل ملك اليمين أيضا وما يزيد في تأكيد ذلك قول
      يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ (50) سورة الأحزاب
      فهل المقصود هنا تحليل زوجات النبي المحللات أصلا ؟ أم تحليل مثيلته في الرتبة الاجتماعية ؟ من هم الأزواج اللاتي لم يأتيهن أجورهن ؟
      نص سورة المؤمنون لا يأمر بغض البصر بل بحفظ الفرج وعدم ممارسة الجنس خارج إطار عقد النكاح
      والله تعالى أعلم

      حذف

إرسال تعليق