مفهوم الشجرة في القرآن

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ


لو سألنا أي شخص قرأ و درس القرآن حول مفهوم الشجرة في لغة هذا الأخير فلن يختلف إثنان عن كونه نفس مفهومها اللغوي المعاصر طبيعي فهناك آيات واضحة لا تترك مجال للجدل حول هذه الحقيقية
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24)  سورة إبراهيم
وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26)  سورة إبراهيم
لكن يبقى السؤال هل هو المفهوم العام للكلمة في جميع نصوص القرآن أم أن لها معنى آخر ؟ 
من الأشياء المحيرة في كتاب الله لو إعتمدنا على فهمنا المعاصر له عدم ذكره للغابات شيء غريب خصوصا عندما نجده لم يفرط في ذكر كل ما يرتبط بها من جنات و حدائق و أشجار و ثمار ألخ فهل غفل القرآن بالفعل عن ذكر الغابات أم أن لها مصطلح لغوي لم ننتبه إليه ؟
الجواب بطبيعة الحال في آيات القرآن نفسها
وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (27)  سورة لقمان
كل من قرأ هذه الآية سيدرك أن مفهوم شجرة الأقلام هنا يشير إلى عدة أشجار وليس شجرة واحدة و بالضبط إلى الشجر الذي تنصع منه الأقلام فالقرآن إستعمل هنا مصطلح شجرة لوصف نوع معين من الأشجار و هنا يجب التمييز بين النصوص التي تتحدث بصيغة الجمع عن مجموع الشجر
ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (51) لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (52)  سورة الواقعة
و عن الآيات التي تتحدث عن نوع و فصيلة نفس الشجر 
أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (62) إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (63) إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (64)  سورة الصافات
فالقرآن إستخدم مصطلح شجرة للإشارة إلى كل من الشجرة الواحدة بالإضافة لنوع أو فصيلة من الشجر بينما إستعمل مصطلح شجر للإشارة إلى جمع الشجرة الواحدة 
لكن ما يهمنا في الموضوع هو وصف القرآن للفصيلة الواحدة من الشجر بالشجرة الذي قد يغير عدة مفاهيم خاطئة في نصوص القرآن و على سبيل المثال 
وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ (20)  سورة المؤمنون
حيث تصف لنا الآية نوع من الشجر يوجد في طور سيناء أي جبل سيناء و بطبيعة الحال فالمقصود من الشجرة هنا هو غابة من هذا الشجر و ليس شجرة واحدة و هذا ما سيؤكده نص الآية
فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (30)  سورة المؤمنون
حيث جاء النداء من شاطئ الواد الأيمن الذي يقع في البقعة المباركة من الشجرة أي في البقعة المباركة من الغابة فلا أظن أن شاطئ الواد الأيمن يقع في بقعة من شجرة واحدة !؟ و بطبيعة الحال الحديث هنا عن نفس الغابة التي كلم فيها الله تعالى موسى عند جبل سيناء 
فحسب نص الآية الله لم يكلم الله موسى في شجرة مشتعلة في منطقة شبه صحراوية كما صور التراث اليهودي المسيحي الذي إنتقل إلى معتقد و فهم تراث المذاهب
بل في نار مشتعلة وسط غابة فلم يأتي قط في القرآن أن موسى قد رأى شجرة مشتعلة بل إكتفت جميع الآيات بذكر النار فقط
فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (30)  سورة القصص
إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى (10) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى (11)  سورة طه
إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7) فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (8)  سورة النمل
فهذا التصحيح اللغوي كان لازما لتغيير بعض المفاهيم الخاطئة في القرآن و كذلك لتصحيح النظرة الجغرافية المغلوطة لموقع جبل سيناء 

تعليقات