الطهارة بين غلو الموروث و حقيقة القرآن

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ


عندما تتم برمجة عقل الإنسان على تقبل حقيقة ما خصوصا إذا كانت هذه البرمجة توهمه أنها من عند الله فإنه يلغي فطرته و عقله و منطقه و يسلم بها بل و يكررها عدة مرات في اليوم دون الإنتباه أن ما يقوم به لا يقبله لا عقل و لا منطق 
فلو دققنا قليلا في طقوس الطهارة عند أصحاب المذاهب سنجدها مجرد عقوبة و عسر يومي جعلت في مصاف الفروض و العبادات لدرجة أن الصلاة لا تصح و لا تقبل من دونها لكن المشكل لا يكمن في فرض الطهارة في حد ذاته بل في طريقة تأديتها حيث تم تقسيمها إلى قسمين حث أكبر و حث اصغر و بعبارة أدق وضوء أكبر و وضوء أصغر 
الوضوء الأكبر
فلنبدأ بالوضوء الأكبر الذي يستلزم غسل جميع الجسد عند نزل مني الرجل أو ماء المرأة سواء عن طريق الجماع أو الإحتلام  أو بعد إنقضاء فترتي الحيض و النفاس عند المرأة وأول سؤال يتبادر إلى الذهن لماذا يحتاج الإنسان لغسل جسده كاملا مع العلم أن غالبية الجسد لم تتدنس بهذه الإفرازات ؟ فهل يعقل أن يقوم الإنسان بغسل جسده كاملا عند نزيف الدم من الأنف ؟ بطبيعة لا فحينها سيسخر منه الجميع لكن ما دام نفس هؤلاء قد برمجوا على غسل أجسادهم عند الحالات السالفة الذكر فإن ذلك يبدوا لهم منطقي رغم مخالفته للمنطق و العقل فمن الأنجس يا ترى خروج المني أم خروج البول ؟
وصف الفقه المذهبي ما أسماه بنجاسة الرجل قبل الإغتسال من نزول المني بالجنابة إستنادا على نص الآيتين
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا (43)  سورة النساء
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6)  سورة المائدة
لكن المشكلة أن في كلتا الآيتين نجد ذكر لحالة ملامسة النساء التي فسرها غالبية شيوخ نفس الفقه بالجماع الجنسي فهم إن إحتكموا إلى المنطق و العقل في هذه الحالة و أدركوا إستحالة أن يجبر الرجل على الغسل بمجرد لمسه لزوجته ففي المقابل نجدهم قد ألغوا نفس هذه العقول عندما لم يتفطنوا أنه من الغير منطقي أن يذكر الله نفس الحالة مرتين في نفس الآية لأن جماع المرأة سيؤدي حتما إلى خروج مني الرجل و بالتالي الوقع في حالة الجنابة فما فائدة ذكر ذلك مرتين ؟ سيقول البعض أن هناك حالة الإحتلام الخارجة عن نطاق ملامسة النساء لكن أليس الأجدر الإكتفاء بقول إن كنتم جنبا التي تشمل كلا من الإحتلام و الجماع في نفس الوقت دون الحاجة لذكر ملامسة النساء ؟ بإستثناء إذا كان مفهوم الجنابة لا علاقة له لا بالجماع و لا بالإحتلام فكلمة جنبا ذكرت مرتين في القرآن و لا نستطيع الجزم أن المعنى الذي أعطاه لها أصحاب المذاهب صحيح فقد عهدنا منهم التضليل اللغوي و قلب مفاهيم العديد من الكلمات القرآنية
و يبقى المعنى الحقيقي للجنابة مفتوح على عدة إحتمالات و شخصيا أرى أن الحالة الأقرب لهذا الوصف هي حالة العرق فلا يمكن أن يغفل الله عن أحد أكثر السوائل نجاسة و الذي تعتبر رائحته الكريهة من أكثر الأشياء إيذاءا للمصلين أثناء صلاة الجماعة و الله تعالى أعلم
فلا يوجد في نص الآيتين أي أمر بغسل الجسد كاملا لا بالنسبة لمن لامس النساء و لا بالنسبة لمن كان جنبا هناك فقط أمر بالتطهر و الغسل الذي على ضوء المنطق و العقل لن يتجاوز الأعضاء المتسخة نفس الشيء بالنسبة للحيض
وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)  سورة البقرة
الوضوء الأصغر
نأتي الآن للكارثة الأكبر ألا و هي الوضوء الأصغر الملازم للإنسان في كل يوم على الأقل خمس مرات و أركز هنا على عبارة على الأقل لأن هناك حالات يضطر فيها الإنسان للوضوء مرتين قبل نفس الصلاة و على سبيل المثال إذا خرج منه الريح سهوا فيضطر للوضوء مرة ثانية حالة تتكرر بإستمرار و هنا أتساءل ما علاقة الريح بطهارة الأعضاء هل خروج الريح سينجس اليدين أو الرجلين أو الرأس ؟ و هل هناك أي نص قرآني يذكر أن خروج الريح ينقض الوضوء ؟ و هل هناك أصلا شيء إسمه وضوء في القرآن حتى تكون له نواقض ؟ فيا عجبي يمكن للشخص أن يبقى ساعات تتسخ فيها جميع أعضاء جسده و يعرق و تصبح رائحته كريهة لا تطاق دون أن يمنعه ذلك من تأدية الصلاة لكن في المقابل لو خرج منه ريح فيستلزمه إعادة غسل مجموعة من الأعضاء لا علاقة لها بمكان خروج الريح ! و المصيبة الأعظم أن الصلاة لا تجوز بدون هذه الطقوس السخيفة التي أصبحت فرضا لا يمكن التخلي عنه مما يمنع الناس في بعض الحالات من أداء الصلاة في أوقاتها أو مع الجماعة 
هذا ما يحدث عندما يشرك كلام البشر مع كلام الله و يحكم الناس بما لم ينزل به الله من سلطان فلا وجود لشيء إسمه وضوء و بالتالي لا وجود لنواقضه كل ما هنالك أن الله أمر عباده بالتطهر قبل كل صلاة 
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6)  سورة المائدة
فلا يوجد هنالك وضوء يحتفظ به المرأ في أكثر من صلاة هناك غسل مشروط قبل كل صلاة بنص صريح و واضح سيقول البعض أن القرآن أكثر تشددا في هذه النقطة لكن إذا أخذنا بعين الإعتبار وجود ثلاث صلوات فقط في اليوم من المنظور القرآني حقيقة سبقت الإشارة إليها في موضوع
عدد الصلوات في كتاب الله
فإن ذلك يبدو جد منطقي و واقعي فهناك غسل في الصباح الباكر قبل صلاة الفجر و غسل في نهاية النهار قبيل مغرب الشمس و هنا أتساءل هل يستطيع إنسان الإحتفاظ بوضوءه من طلوع الشمس إلى غروبها ؟ ثم غسل أثناء صلاة الليل الذي غالبا ما يكون في وقت متأخر بعد تناول وجبة العشاء إذن فنحن أمام ثلاث أوقات غالبا ما تستلزم الطهارة فيها حتى من دون صلاة فمن منا لا يغسل وجهه و يديه عند القيام من النوم و عند العودة من العمل في المساء و هل سيبقى الإنسان بدون غسل بعد تناول وجبة العشاء ؟
كما يجب التنبيه للفرق الشاسع بين الغسل المذكور في القرآن الذي يقتصر على اليدين و الوجه فقط ثلاث حركات لا تتطلب بضعة ثواني نجد أن العديد يكررها عدة مرات في اليوم حتى بدون صلاة و بين وضوء المذاهب الذي يتطلب 25 حركة غسل 
فلو تدبرنا جيدا في تفاصيل الطهارة في القرآن سنجدها تركز على الأعضاء التي يستعملها الإنسان أثناء السجود في الصلاة بالإضافة للأمر بمسح الأرجل و الرأس مما يوحي أن الهدف من الطهارة هو إزالة الأوساخ و الغبار من الأعضاء المعنية بالسجود لا أقل و لا أكثر حتى تتم المحافظة على نظافة المساجد في المقام الأول 
فالسؤال الذي يجب أن يسأل أصحاب المذهب أنفسهم هل تبرر طقوسهم كل هذه الكميات الضائعة من الماء يوميا ؟ ألم يعلموا أن الله لا يحب المبذرين و يصفهم بأنهم إخوان الشياطين 
وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27)  سورة الإسراء
فهل سيطالب عباده بعكس ما ينهى عنه ؟ فحان الوقت لمراجعة هذه الطقوس السخيفة التي بتطبيقها يقومون بطاعة أعداء الله و رسوله و في أي حال من الأحوال بطاعة منزل القرآن و حامله رسالته


تعليقات