الزكاة لست ضريبة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ



عندما نلقي نظرة على مختلف الثوابت الدينية في الإسلام و كيف قامت المذاهب بتحريفها و تشويه الأهداف السامية التي شرعت من أجلها من خلال إضافة أحكام ما أنزل الله بها من سلطان فسنجد فريضة الزكاة في أعلى القائمة و ذلك من خلال تحويلها من وسيلة ربانية للسمو بالنفس و تطهيرها من الإثم و البخل و في نفس الوقت المساهمة في محاربة الفقر و الأنانية إلى ضريبة سنوية إخترعت لنهب الأموال بإسم الدين
و شأنها شأن جل الثوابت و العبادات الشديدة الأهمية في الإسلام فقد إدعى أصحاب المذاهب أن تفصيلها يوجد خارج نصوص القرآن و بالضبط في روايتهم الملفقة التي لم تترك للقرآن سوى مهمة تفصيل الأمور الثانوية كتقسيم غنائم الحروب 
وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (41)  سورة الأنفال
فهل صعب على الله تعالى تنزيل آيات مشابهة يفصل لنا من خلالها مقدار الزكاة المزعوم ؟ خصوصا عندما نجد في نصوص القرآن نفسه أن الرسول محمد قد سئل مرتين بخصوص هذا الموضوع الأولى حول كيفية الإنفاق
يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (215)  سورة البقرة
و الثانية حول مقدار هذا الإنفاق
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219)  سورة البقرة
فلو كان هناك مقدار معين للزكاة هل كان الله ليغفل عن ذكره في هذه الآية ؟ بل على العكس تماما فقد أمر رسوله الكريم بعدم حصر النفقة في مقدار معين و تركها مفتوحة حسب القدرة و الإستطاعة و ظروف العباد من خلال رفض تحديد مقدارها معين 
و للتثبيت هذه الكذبة لجأ أصحاب المذاهب إلى نفس الحيلة و الحجة السخيفة التي تنطوي على من لا يزالون يترددون في إنكار السنة العملية من عبادات متواترة أبا عن جد على حد إعتقادهم من خلال مطالبتهم بتحديد مقدار الزكاة من نصوص القرآن ؟ لكن بالنسبة لمن تخلص من جميع أنواع الموروث المذهبي فالأمور تبقى واضحة بأن لا وجود لمقدار للزكاة في دين الله
فإقتران إيتاء الزكاة الشبه دائم بإقامة الصلاة و الحث عليها بشكل متكرر ليس في خاتمة الرسالات فحسب بل في جميع الرسالات السابقة
فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11)  سورة التوبة
وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (54) وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا (55)  سورة مريم
يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40) وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41) وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43)  سورة البقرة
 فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا (160) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (161) لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا (162)  سورة النساء
يوحي أنها عبادة غير منقطعة مثل الصلاة و ليست موسمية مثل الحج و الصيام اللذان ذكرا في مواضع قليلة في القرآن
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (274)  سورة البقرة
فشتان بين من ينفق بالليل و النهار و بين من ينفق مرة في العام ؟ سيزعم البعض أن الصدقات هي المقصودة في نص الآية و التي تغني عن الزكاة لكن المشكلة الكبيرة أن الصدقات لا تعد فرضا واجبا في فقه المذاهب على خلاف الزكاة و تبقى مجرد عبادة مستحبة لزيادة الأجر و الحسنات لا يقع أي إثم على تاركها فكيف تحل محل مقام الزكاة إذا ؟ فمن المقصود هنا يا ترى الصدقة أم الزكاة ؟ 
مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44)  سورة المدثر
و تبقى الزكاة في حقيقة الأمر مجرد وصف لإيتاء و إنفاق المال المتواصل في سبيل الله
وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9)  سورة الإنسان
وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى (18)  سورة الليل
الذي يساهم في رفعة المقام عند رب العالمين الذي يبقى الهدف الأسمى و المفهوم العام للتزكي الذي لا يصله المرأ إلا من خلال تقوى الله و الإيمان المصاحب بالعمل الصالح 
وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى (75) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى (76)  سورة طه
اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (17) فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى (18) وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى (19)  سورة النازعات
قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15)  سورة الأعلى
وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (18)  سورة فاطر
و قد إختص الله تعالى الصدقة بهذا الوصف
خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103)  سورة التوبة
 لدورها الكبير في تطهير النفوس و رفعتها عن شهوات الدنيا بالأخص عن حب المال أحد أكبر فتن و أسلحة الشيطان
وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (64)  سورة الإسراء
و ذلك من خلال الإنفاق المتواصل 
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (274)  سورة البقرة
و يبقى السؤال المطروح هنا من المستحب عند الله إعلان الصدقات أم إخفائها ؟ الجواب بطبيعة الحال في كتاب الله الذي لم يترك أي كذبة و  إفتراء عليه إلا و فضحه
إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271)  سورة البقرة
فإذا كان الله تعالى يحث المؤمنين بنص صريح و واضح على إخفاء الصدقات فمن أي خرج علينا أصحاب المذاهب بعقوبات مانع الزكاة الدنياوية ما دامت هذه الأخيرة تأدى بشكل سري يستحال من خلاله معرفة مؤديها من الممتنع عنا ؟!
فتبقى الزكاة المذهبية في الأصل مجرد تشريع بشري فرض لإجبار عامة الشعب على المساهمة في نفقات حكام و سلاطين اللحظة تحت غطاء ديني تم الإفتراء به على مفهوم الزكاة الحقيقي و تحويله إلى شريعة ثانوية و الخاسر الأكبر هم الفقراء و المساكين

تعليقات