الجن ليسوا من البشر

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ



لا شك أننا نعيش في زمننا الحالي ثورة دينية لم يسبق لها مثيل فتحت المجال أمام العديد من الحقائق و المفاهيم القرآنية التي ظلت غائبة طيلة القرون الماضية لكنها تبقى سلاح ذو حدين و مجال مفتوح للتلاعب بنصوص القرآن و نسب المفاهيم الظنية المبنية على الأهواء لكتاب الله و من بينها الإدعاء العجيب بأن الجن مجرد صفة لفئة من البشر !
 في الحقيقية لم أكن أود التطرق لهذا الموضوع و كنت أعتبر الفكرة مجرد تفسير خاطئ سيظهر عيبه أجلا أم عاجلا  شأنه شأن مئات التفاسير المماثلة لكنه للأسف أخذ شعبية كبيرة و أصبحت هذه الفكرة تتناقل بين الكتاب و الباحثين و تنتشر بين الناس بسرعة أكل النار للهشيم حتى أصبحت شبه قناعة لدى عدد كبير منكري الموروث و حقيقية مسلمة تلازم فكر إنكار الموروث نفسه و هنا تكمن المشكلة 
أول ما نلمسه في أقوال أصحاب هذه النظرية هو ترديدهم المستمر لمقولة الجن ليسوا بمخلوقات شبيحة مما يؤكد أنها حجر أساس هذه الفكرة حيث تسعى للعب على الكلمات لحصر الفكرة التقليدية للجن في مصاف الخرافات 
فما معنى المخلوق الشبحي ؟ أليس الأجدر هنا أن يوصف بالمخلوق الغير المرئي أو الغير مادي ؟ فالمشكلة ليست في طبيعة الجن الخلقية بل في محاولة تسفيه معتقد الآخرين بدون تقديم حجج واقعية لأن محاولة التهكم من إيمان البعض بنوع من المخلوقات الغير المرئية و وصفها بالشبحية يبقى في حقيقة الأمر تهكم من قوله تعالى
فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ (39)  سورة الحاقة
و على أساس الدين نفسه الذي يقوم على الإيمان بالغيب و بإله و ملائكة غير مرئيين 
آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285)  سورة البقرة
 تقوم الفكرة العامة لهذا المعتقد على إعتبار الجن مجرد صفة للتخفي و التستر تنطبق على جميع المخلوقات و أنها ليست حكرا على مخلوق بعينه و قد إستند أصحاب هذه النظرية على مجموعة من الآيات التي تنفي حسب إعتقادكم حصر مفهوم الجن في مخلوق معين و تجعله صفة شاملة لكل من يحمل أوصاف التخفي لكن لو دققنا جيدا في الآيات التي يستشهدون بها فسنلاحظ عدم ذكرها قط لمصطلح الجن بل إستخدمت ألفظ مغايرة مشتقة من فعل جن الذي يشير للخفاء كحجب ظلام الليل للأشياء عن نظر الإنسان  
فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (76)  سورة الأنعام
 فحاولوا إقناعنا هنا أن وصف الجن ينطبق على الليل ! أحد السوابق اللغوية العجيبة التي لم نسمع بها من قبل و هو نفس ما قاموا به هنا أيضا
الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى (32)  سورة النجم
مع العلم أن كلمة أجنة تختلف عن كلمة الجن في اللفظ رغم إشتقاقهما من نفس اللفظ 
في المقابل حاولوا إقناعنا أن عبارتي به جنة أو مجنون
إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ (25)  سورة المؤمنون
 ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ (14)  سورة الدخان
يشار بهما إلى غياب العقل و الإدراك و أصلا لا يجوز وصف الغياب بالتخفي لأن هناك فرق شاسع بين التخفي الذي يشير إلى عدم القدرة على إدراك ما هو حاضر و بين الغياب الذي يلغي من الأساس ظاهرة التخفي متجاهلين حقيقة أن القرآن نزل بلغة قوم الرسول و منطقهم المعاصر و أن جل الآيات التي تتحدث عن الجنون تنقل لنا فقط أقوال و وجهات نظر كفار الأقوام المعاصرة للرسل الذين كانوا يؤمنون بتلبس و تأثير الجن على البشر و التي كانت تعتبر ما جاء به هؤلاء الرسل وحي من شياطين الجن
وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (25) فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (26) إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (27)  سورة التكوير
و من بين الأمثلة التي يتشهدون بها أيضا مثال الجَنة
مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ (35)  سورة الرعد
التي حالوا إستغلال تقارب لفظها من فعل جن و مشتقاته لنسبه للحدائق ذات الأشجار الكبيرة التي تظل الأرض و تخفيها حسب تفسيرهم و لا أدري صراحة عن من تخفيها هنا ؟ ما دامت الأرض غير مخفية في هذا الوضع عن الإنسان المعني بالخطاب و الوصف في القرآن بنفس المنطق يمكننا إعتبار السحب من الجن أيضا ! تفاسير عجيبة و غريبة هدفها الوحيد فرض حقيقية معينة على النص القرآني 
بل على العكس سنجد هذه النصوص قد إعتمدت ألفاظ مختلفة للدلالة على جميع أشكال الخفاء و كمثال إعتمادها على كلمة جُنة بضم الجيم عوض جِنة بكسر الجيم للإشارة لإتخاذ المنافقين أيمانهم وسيلة لإخفاء من يبطنون و يخفون من أكاذيب
اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (2)  سورة المنافقون
و يبقى الإستثناء الوحيد في القرآن  كله هو وصف الأفعى بالجان 
وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ (31)  سورة القصص
و الملفت هنا أنه جاء مقترن بصفة مخلوق على خلاف ما حاولوا إقناعنا به مما يوحي أنها تسمية خاصة بمخلوقات معينة متشابهة في الصفات و بالتالي لا يجوز في أي حال من الأحوال نسبها للإنسان و حتى الآية التي إعتقدوا من خلالها أن الجنة وصف للملائكة
وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (158)  سورة الصافات
فإنها تصف مخلوق آخر في حقيقة الأمر تأكيد سيأتي على لسان الملائكة أنفسهم يوم القيامة
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (40) قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ (41)  سورة الجن
و تبقى عبادة قوم الرسول للملائكة  مجرد إدعاء لا يمت للواقع بصلة و لا أدري من سيتم إحضارهم يوم القيامة وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ الجن أم الملائكة ؟
هناك طائفة أخرى ممن أزعجتهم صراحة الآيات التي ذكرت خلق الجان من نار بنص صريح و واضح
 وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ (15)  سورة الرحمن
إلى محاولة الفصل بين الجان كمخلوق و بين الجن كوصف عام ينطبق عليه في بعض الحالات كحالة إبليس و نسبه في غالب الآيات لجنس البشر فزعمت أن الإنس و الجن مجرد أوصاف لفصيلة الإنسان !
و هنا وجب التصدي لمثل هذه التفسيرات السطحية و الترقيعية التي تقوم بالتركيز على بعض النصوص و تجاهل البقية و تضرب بعرض الحائط أبسط الأسس اللغوية القرآنية
فبعيدا عن هذه الترقيعات ولو تدبرنا نصوص كتاب الله حق التدبر سنجد الأمور في غاية البساطة و يبقى الشيء الأكيد هو إشارة القرآن إلى وجود مخلوق خلق من نار أطلق على فصيلته إسم الجان المعرف بالألف و اللام تماما مثل ما أشير بإسم الإنسان المعرف بالألف واللام إلى فصيلتنا البشرية الحالية 
خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ (14) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ (15)  سورة الرحمن
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (26) وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ (27)  سورة الحجر
بينما أشار القرآن إلى الفرد الواحد من كلتا الفصيلتين  بكل من عبارتي إنس و جان الغير معرفتان
فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ (39)  سور الرحمن
فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (56)  سور الرحمن
 أما  أفراد الفصيلتين فقد أشار إليهما القرآن بكل من عبارتي الإنس و الجن و الدليل ورودهما بصيغة الجمع في جميع نصوص القرآن  و لن نجد آية واحدة تصف لنا إسم فصيلة أو فردا واحدا بالجن أو الإنس
وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112)  سورة الأنعام
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (128)  سورة الانعام
قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ (38)  سورة الأعراف
نفس الشيء بالنسبة لمصطلحي الناس و الجنة اللذان يشار بهما بالخصوص إلى أمم و مجموعات من الفصيلتين كالشياطين منهما
مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6)  سورة الناس
الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173)  سورة آل عمران

و يبقى السؤال المطروح لهؤلاء إذا كان الإنس مجرد وصف للإنسان فما هو جمع كلمة إنس ؟
و إذا كان الجن مجرد صفة مختلفة عن مخلوق الجان فما هو جمع كلمة جان ؟ 
في المقابل سنجد فئة أخرى أدركت هذه الحقيقة فوجدت لها مخرجا آخر بإدعاء أن الجان مجرد وصف للنفس البشرية الخفية دون أن يقدموا نص واحد صريح يذكر خلق النفس البشرية من نار و أن إبليس كان من البشر و خلق أيضا من طين و كيف يكون من البشر و الأمر بالسجود لم يشمل سوى الملائكة 
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا (61)  سورة الإسراء
مما يؤكد أن الإستثناء هنا غير منقطع و بالتالي إنتماء إبليس للملائكة و لا تستغربوا إن سمعتم أحد التفاسير تجعل الملائكة من البشر أيضا فهناك من جعلهم منهم أعضاء للجسم كالخلايا و الأمعاء و الكبد و القلب لتعلموا أين وصلت جرأة و تلاعب البعض بكتاب الله و تسخيره لنشر أهوائه الشخصية و لا أدري صراحة  كيف سيخاطب الله تعالى هذه الأعضاء قبل خلق الوعاء الجسدي ! ؟
وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (28)  سورة الحجر
و تبقى مجرد إختراعات مبنية على الظن الذي لا يغني من الحق شيئا هدفها فرض أفكار معينة على النص القرآني شأنها تفاسير السلف 
فمشكلة هؤلاء الآساسية هي إعجابهم بفكرة معينة مبنية على بعض الملاحظات الناقصة و تجاهلهم للعديد من الحقائق التي تفرض بطلناها و كمثال جعلهم من تخصيص القرآن للإنسان بالتكليف في الخطاب حجة على أنه المخلوق الوحيد المكلف في هذا الكون و بالتالي جعلوا من الجن مجرد فئة من الإنسان حتى تستقيم أقوالهم مع نص الآية
إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ (35) نَذِيرًا لِلْبَشَرِ (36)  سورة المدثر
 و جعلوا من الجنة فئة من الناس حتى تستقيم مع نص الآية
وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (28)  سورة سبأ
كأن القرآن لم يفصل بين الجنة و الناس بنص صريح و واضح
مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6)  سورة الناس
و تبقى قصة النفر المذكورين في سورة الجن من أبرز مصادر إلهامهم حين زعموا أنهم مجرد قوم غرباء من النصارى مستندين على هذا القول
قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا (2) وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا (3)  سورة الجن
طيب لو كان المقصود هنا جماعة من النصارى ألم يكن الأجدر بهم القول هنا إنا سمعنا كتابا بعد الإنجيل عوض كتاب موسى ؟
وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (29) قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (30)  سورة الأحقاق 
و أصلا إتهام الله بالإنجاب لم يكن حكرا على النصارى بل كان موضة شائعة آنذاك و كأبرز مثال قوم الرسول أنفسهم
وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27)  سورة الأنبياء
 فمن الطبيعي أن يختص الله تعالى الإنسان  بالتكليف في الخطاب القرآني دون الغير كون القرآن موجه إليه في المقام الأول لكن هذا لا يعني أبدا أنه المخلوق الوحيد الذي إختصه الله تعالى بالتكليف في هذا الكون حيث يذكرني هذا المنطق بأحد شبهات أعداء الإسلام التي تزعم اقتصار دور النجوم في القرآن على رجم الشياطين و تزيين السماء و هداية الناس في الظلمات و حجتهم على ذلك أن القرآن لم يذكر غيرها و تبقى مثل هذه التفاسير بعيدة كل البعد عن الموضوعية لأن ليس كل ما لم يذكر في القرآن فهو بالضرورة غير موجود 
في المقابل و من أجل توفيق نظريتهم مع النص القرآني سنجدهم على إستعداد للإيمان بما لم يأتي ذكره في الكتاب و إختراع أشياء لا تمت بصلة للنصوص و كمثال تفاسيرهم لإتيان الجن لعرش ملكة سبأ
 قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39) قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40)  سورة النمل
التي تزعم تارة أن المقصود بالجن فيها هم مجموعة من الغرباء قاموا برسم عرش ملكة سبأ لسليمان و لا أدري كيف يستقيم هذا التفاسير مع نص هذه الآية التي تثبت أن العرش كان مادي
قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (44)  سورة النمل 
و تارة أنهم غرباء يتقنون الصناعة قاموا بصناعة عرش مماثل و لا أدري كيف سيقوم بشر عادي بصناعته قبل أن يرتد طرف النبي سليمان أو حتى قبل أن يقوم من مقامه ! لكن من إستباح لنفسه التلاعب و تحريف كلام الله فلن يجد في نفسه حرجا في تحريف كل كلمة تعارض أهوائه كوصف إتيان عرش ملكة سبأ بالسرقة كأن القرآن أخبرنا بإحتفاظ النبي سليمان بعرش ملكة سبأ لنفسه و عدم إعادته إليها ؟
لكن يبقى التفسير الأغرب على الإطلاق هو تفسيرهم لهاتين الآيتين
وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (8) وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا (9)  سورة الجن
بأنها تتحدث عن مجموعة من الرهبان النصارى كانوا يراقبون السماء في الماضي في إنتظار ظهور علامة نبي آخر الزمان و من يستمع أو بالأحرى يراقب السماء بعد نزول القرآن يجد له شهابا رصدا أي علامة واضحة على ظهوره و سنجد العديد من التفاسير الغريبة التي لا مجال لحصرها 
كل هذا من أجل نفي وجود مخلوقات غيبية تعيش في نفس محيط الإنسان
الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3)  سورة البقرة
لكن يبقى أخطر ما في هذه الفكرة هي محاولة إنكارها لوجود شياطين الجن و على رأسهم إبليس و دورهم في السيطرة و إضلال البشر
يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (27)  سورة الأعراف
و يبقى تفسير الجن بالبشر مثال من بين العديد من الأمثلة على تسبيق الأهواء و القناعات الشخصية على واقع النصوص القرآنية و التي يجب التصدي لها بحزم حتى لا تشيع هذه الطريقة الخاطئة في فهم النصوص و تبعد الناس عن معاني و أحكام القرآن الحقيقة