هل مكة هي بكة ؟

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ


هل مكة هي بكة ؟ سؤال سيرتدد على دهن أي شخص محايد درس القرآن بدون أفكار مسبقة لكنه غير مطروح بالمرة عند أغلب أتباع الرسالة المحمدية إستنادا على حقيقة ثابتة ترسخت في عقولهم منذ قرون طويلة  لكن ماذا بالنسبة لمن أدرك بطلان مصدر هذه الحقيقة بل و أدرك حتى تغير هذا التاريخ الموروث لأسماء و أماكن الأراضي المباركة التي ذكرت في القرآن كما سبقت الإشارة في موضوع
الرسول محمد بعث في أرض الأنبياء و ليس خارجها
هل سيكفيه التسليم أن قرية واحدة لها إسمين مختلفين مستندا في ذلك فقط على تشابه الأسماء و أقوال مزوري التاريخ ؟ بالطبيعة الحال لا فهل هاروت هو نفسه ماروت فقط لتشابه إسميهما في القرآن ؟ فالأمر يحتاج لبحث أعمق و أدق
و لمعرفة الحقيقة يجب الرجوع لسياق الآيات و ليس الإعتماد على الظن الذي لا يغني من الحق شيئا فالآية الأكثر وضوحا بخصوص مكان البيت الحرام جاءت كالآتي
إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97)  سورة آل عمران
هذه الآية ذكرت معلومتين بالغتي الأهمية الأولى أن البيت الحرام يتواجد بقرية تدعى بكة و الأخرى أنه أول بيت وضع للناس والتي سأتي لذكر أهميتها في نهاية الموضوع
فجل الأحداث القرآنية التي جرت في محيط البيت الحرام هي في حقيقة الأمر متعلقة بقرية بكة  فعندما ذكر القرآن
لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا (27)  سورة الفتح
فهو يتحدث عن فتح بكة لأن المسجد الحرام في حقيقة الأمر هو وصف للقرية التي تشمل البيت الحرام  و ليس وصف خاص بدار للعبادة كما سبق التوضيح في موضوع
مفهوم السجود و المساجد
مما يؤكد أن الدخول هنا كان للقرية و ليس للبيت حيث تخبرنا الآية أن هذا الفتح  جاء بطريقة سلمية عكس فتح مكة الذي كان عن طريق القتال الذي لم يتوقف إلا ببطنها أي بداخلها
وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (24)  سورة الفتح 
و هذا ما تؤكده الآية  التي تنهى بوضوح عن القتال في المسجد الحرام بإستثناء في حالة الدفاع عن النفس
وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (191)  سورة البقرة
فلا أظن أن فتح و دخول بكة كان بالقتال بل جاء بطريقة سلمية بعد إنتهاء الحرب و المعارك في قرية أخرى هي مكة 
أما من الناحية التاريخية فلا وجود لأية إشارة في روايات و خرائط غير المسلمين القديمة توحي بوجود مدينة تدعى مكة جنوب الحجاز لكن في المقابل سنجد مدينة قديمة تحمل نفس الإسم في منطقة ما بين شمال الحجاز و و الأردن
في نفس المنطقة التي حدد فيها القرآن أقوام الأنبياء السابقين كثمود قوم صالح الذين كانوا ينحثون البيوت في الجبال الصخرية كالبتراء petra
وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9)  سورة الفجر
كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (141) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (142) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (143) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (144) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (145) أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ (146) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (147) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ (148) وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ (149)  سورة الشعراء 
و كذلك مدين madiana قوم شعيب الذين توجه إليهم موسى بعد هروبه من مصر و الذين لا تفصلهم مسافة كبيرة عنها
وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20) فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21) وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ (22)  سورة القصص
مع وجود إختلاف بسيط في الشكل حيث عوضت الضمة الفتحة مُكَة moca مَكَة maca لكن غذا رجعنا إلى مشكل التشكيل الذي أضيف لاحقا على القرآن الأصلي كما سبق التطرق في موضوع
فسيطرح إحتمال تغير اللفظ الأصلي من مُكَة إلى مَكَة ليأتي على وزن بَكَة حتى تنطوي الكذبة
و عودة للمعلومة القرآنية التي ذكرت في بداية الموضوع التي تؤكد تواجد أول بيت وضع للناس ببكة 
إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96)  سورة آل عمران
فسواء كان المقصود هنا  أول بيت وضع على الإطلاق أو أول بيت للصلاة فهذا يحتم أن تكون بكة قرية شديدة القدم تحتوي على  أثار تعود لألاف السنين و ليس صدفة أن نجد أقدم المدن على الأطلاق في منطقة الشام و أقصى شمال الحجاز 
و كما كان متوقعا لا شيء عن جنوب الحجاز فعلم الحفريات أثبت إنعدام وجود أية أثار تعود لما قبل القرن الثامن الميلادي في ما يسمونه حاليا بمكة و هو أمر مثير للإستغراب بالنسبة لمدينة كان يجب أن تعج بمختلف الأثار و القطع المعدنية النقدية القديمة كونها كانت أكبر مركز ديني و تجاري في المنطقة منذ عصر النبي إبراهيم
وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27)  سورة الحج
 و مثل هذه الأثار نجدها بسهولة في مدن الشام كغزة و دمشق حيث توجد أثار تعود لحوالي 5000 عام فعن أي مكة يتحدثون !

تعليقات