النهج السليم لفهم نصوص القرآن

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ



ينقسم المؤمنون بالله في هذا العالم إلى فئتين لا ثالث لهما فئة مؤمنة عن طريق الوراثة والعاطفة تتبع وتسلم بما وجدت عليه محيطها ومجتمعها وفئة أخرى تحركها فطرة العقل والمنطق وتجدها في بحث دائم ومستمر وراء الحقيقية وعندما تصطدم بهذا الكم الهائل من الأديان والمذاهب المنتسبة لنفس الإله فإنها تطرح أكثر من علامة إستفهام حول حقيقة الملة التي نشأت عليها
فهل نحن على دين الحق ؟ كيف نستطيع تمييز دين الله الأوحد من بين كل هذه المذاهب ؟ بالنسبة لنا نحن أتباع رسالة القرآن فيبقى هذا الأخير هو الحكم والفيصل للحكم بين مختلف الطوائف المنتسبة لشريعته لتحديد من منها أكثر إلتزاما بحقيقة نصوصه وذلك من خلال دراسة منهج وطريقة فهم وتعامل كل واحد منها مع النص القرآني
ويبقى القاسم المشترك بين جميع هذه المذاهب هو إعتماد كل واحد منها على تفسيره الخاص للقرآن وهذا النهج في حد ذاته يطرح مشكلا كبيرا وفيه تكذيب صريح للقرآن نفسه الذي أكد أن نصوصه في حد ذاتها هي التفسير
وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا (33) سورة القصص
والتبيان
وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ (89) سورة النحل
والتفصيل
وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52) سورة الأعراف
من رب العالمين لعباده المتدبرين
كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (29) سورة ص
فلماذا سنحتاج لطرف ثالث يستلزم المرور عليه لفهم النص القرآني ؟ والدليل أن الرسول محمد لم يدون كتابا خاصا بتفسير القرآن بل سنجد الغالبية الساحقة من التفاسير غير منسوبة للرسول أصلا 
وهنا يطفو إلى السطح سؤال جد محير إذا كان القرآن كتب مبين ومفسر ومفصل حسب وصف النصوص فلماذا تجد الغالبية الساحقة من الناس صعوبة كبيرة في فهم العديد من جمله وكلماته ؟ هل كان لدى قوم الرسول نفس الإشكال مع القرآن ؟ لماذا لم يعترضوا إذن ويشتكوا من أعجمية القرآن وصعوبة فهمه ؟
وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ (44) سورة فصلت
و هل يعقل أن ينزل الله تعالى كتابا بغير لسان القوم الذين أنزل إليهم !
وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ (4) سورة إبراهيم
فأصحاب المذاهب يحاولون إقناع أتباعهم بأن لغتنا الحالية هي نفس لغة من نزل عليهم القرآن وأن علم التفسير ظل ملازما للقرآن عبر العصور لكن الحقيقية أن علم التفسير كان نتاج تبني لغة مختلفة عن لغة القرآن الأصلية فأصبحت جميع الكلمات القرآنية التي لا تنتمي لهذه اللغة أعجمية ومبهمة رغم أن العكس هو الصحيح تماما مثلما تم تجاهل مفاهيم العديد من الكلمات التي تشترك في اللفظ وتختلف في المعنى بين اللغتين و إختزالها في معناها اللغوي الحديث
فعلم التفسير ما هو في حقيقية الأمر سوى محاولة لترجمة للقرآن من لغته الأصلية إلى لغة من قاموا بتبني رسالته في وقت من الأوقات مستغلين التشابه الكبير بين اللغتين لطمس هذه الحقيقة 
لكن هذه الترجمة للأسف لم تخضع لمعايير علمية دقيقة والدليل على ذلك الكم الهائل الذي أنتجته من التناقضات والإختلافات والتي تؤكد أن لا علاقة لمصدر هذه التفاسير بالرسول محمد وأتباعه الحقيقيين
أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82)  سورة النساء
و أنها تبقى مجرد إجتهادات شخصية تمت إحاطتها بهالة من القدسية دون وجه حق بل سنجدها في الغالب محاولة لفرض أهواء القوم على نص القرآن مثلما فعل السابقون مع كتبهم السماوية
وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا (41) سورة المائدة
حيث كانوا يتلاعبون بنصوص التوراة من خلال تحريف وتغيير معاني الكلمات وهذا ما نلمسه أيضا في العديد من الكلمات القرآنية التي أخذت معنى مغايرا لمعناها الأصلي في النصوص ملتجئين إلى حيلة إن لم تستطع تحريف النص فحرف اللغة نفسها وسيصبح النص محرفا من تلقاء نفسه
فما الحل إذن ؟ و ما هو النهج الصحيح للوصول إلى حقيقة النص القرآني بشكل منطقي وفعال ؟
أول خطوة يجب القيام بها هي التعامل مع لغة القرآن كلغة مستقلة عن لغتنا الحالية مثلما يتعامل علماء اللسانيات مع أي نص لغوي بالإعتماد على أسلوب تفسير القرآن بالقرآن نفسه فعندما نجد كلمة أو جملة مبهمة يستعصي علينا فهمها ككلمة عتل 
عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ (13) سورة القلم
فعوض البحث عن معناها في التفاسير والمعاجم المتضاربة يجب العودة للمواضع القرآنية التي ذكرت فيها نفس الكلمة ومشتقاتها في سياقات أكثر وضوحا 
خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ (47) سورة الدخان
و هنا تتضح الرؤية ويتبين أن معنى كلمة عتل له علاقة بالدخول إلى نار جهنم
و من أساليب البحث الفعالة أيضا اللجوء إلى السياقات المتشابهة من القرآن من خلال العودة إلى جميع المواضع التي ذكر فيها نفس السياق الذي نريد فهم  أحد كلماته وهنا سنكمل مع نفس الكلمة
خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ (47) سورة الدخان
ونبحث عن معناها في سياق مشابه إستعمل أحد مرادفات الكلمة
وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا (86) سورة مريم
وهنا نستنتج أن معنى اعتلوه هو نفس معنى سوقوه أو قريب منه وبالتالي فمعنى عتل بعد ذلك زنيم هو مساق بعد ذلك إلى جهنم زنيم 
وتبقى أهم قاعدة لفهم القرآن بشكل سليم وفعال هي إعتباره بالفعل تبيان لكل شيء 
وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ (89) سورة النحل
بمعنى أنه تبيان لكل ما أراد الله تعالى أن يظهره لنا في نصوصه حسب الزمان والمكان اللذان إختارهما لكل أمة والكف عن محاولة فرض حقائق معينة على النص القرآني ومحاولة تحريف نصوصه حتى تتلاءم معها
فيجب التعامل مع النص بحيادية مطلقة كمن يقرأ القرآن لأول مرة دون أية أفكار مسبقة 
فعلى سبيل المثال عندما لا يذكر القرآن هوية أشخاص معينين فلأنه يرى أن العبرة في القصص لا في  أسماء وهوية الأشخاص
إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا (40) سورة التوبة
و بالتالي لا يجب الإختراع من عندنا وإضافة أشياء لم تذكر لنسب أحدث القرآن لأشخاص وأقوام وحقب زمنية معينة بدون دليل يذكر
فلو وضعنا هذه النصوص بين يدي أي شخص ليست لديه فكرة مسبقة عن تراث المذاهب 
وَإِنَّ لُوطًا لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (133) إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (134) إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ (135) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (136) وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (137) وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (138) سورة الصافات
سيؤكد لنا أن المخاطبين فيها كانوا يمرون عل بقايا قرية لوط في غالب أيامهم خلال فترتي الصباح والليل لكن بما أن هذه الحقيقية تخالف الموروث التاريخي والجغرافي لأصحاب المذاهب فقد إخترعوا تفسيرا غريبا و عجيبا وبعيدا كل البعد عن واقع النص
تفسير الطبري
{ وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ } قَالُوا : نَعَمْ وَاَللَّه صَبَاحًا وَمَسَاء يَطَئُونَهَا وَطْئًا , مَنْ أَخَذَ مِنْ الْمَدِينَة إِلَى الشَّام 
و سنلاحظ تكرار هذا الأسلوب الترقيعي في جل تفاسير أصحاب المذاهب فكلما إصطدموا بأحد الحقائق المزعجة و المخالفة لما تعارفوا عليه مثل ذكر القرآن لأخوة مريم العذراء لهارون
فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (27) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28) سورة مريم
و إلا وسارعوا لتلفيق قصص وإختراعات لا تمت للواقع بصلة
تفسير بن كثير
{ يا أخت هارون} أي يا شبيهة هارون في العبادة 
قال السدي: قيل لها { يا أخت هارون} أي أخي موسى وكانت من نسله
 وقيل: نسبت إلى رجل صالح كان فيهم اسمه هارون 
قال السهيلي: هارون رجل من عباد بني إسرائيل المجتهدين كانت مريم تشبه به في اجتهادها، ليس بهارون أخي موسى بن عمران، فإن بينهما من الدهر الطويل والقرون الماضية والأمم الخالية ما قد عرفه الناس ، فكانت تقاس به في الزهادة والعبادة. وقد كانوا يسمون بأسماء أنبيائهم وصالحيهم
دون أن يكلفوا أنفسهم عناء البحث في بقية نصوص القرآن عن هوية هارون المذكور في السياق هل هو النبي هارون شقيق موسى أم شخص آخر ؟
فللوصول لحقيقة القرآن يجب الإنسلاخ التام من أفكارنا المسبقة وعدم تطويع القرآن لخدمتها حينها فقط يمكن للمؤمنين أن يتوحدوا على قراءة واحدة للقرآن مما سيؤدي بهم إلى التوحد على دين واحد ويصبحوا بالفعل مسلمين لله تعالى قولا وفعلا