مصير الغير مؤمنين في الإسلام

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ



تعد ظاهرة التكفير من أسوء و أخطر مظاهر الفكر المذهبي و حتى إن إختلف سلف المذاهب  في تحديد هوية واضحة و ثابتة لمفهوم الكفر بين المتعصبين الذي جعلوا جميع الغير مسلمين كفارا مصيرهم النار سواء أنذروا أم لم ينذروا لدرجة تكفير والدي الرسول محمد و بين الذين إشترطوا بلوغ الدعوة الصحيحة قبل الحكم على الناس فتبقى الفكرة العامة التي كانت نتاج التربية الدينية التي تم تلقينها عبر العصور و التي ترسخت عند غالبية أتباع المذاهب تصب في إتجاه تكفير كل من لا يؤمن بالرسالة الخاتمة بل حتى بأتباع المذاهب المخالفة لهم
و قد نتج عن هذا الفكر تقسيم الناس إلى فئتين أحدها تؤمن بالله و رسوله محمد و الأخرى غير مؤمنة بأحدهما و بالتالي تصبح كافرة في نظرهم مما يجعل هذه الأخيرة عرضة لجميع أنواع التمييز العنصري و إستباحة الدماء و الأعراض و الأموال ألخ 
و بقدر ما تم إعتماد هذا المنطق عبر العصور كحجة دينية في ثوب سياسي لإستباحة إحتلال الدول و قتل الأنفس و إنتهاك الأعراض و الأموال بقدر ما ظل هذا الأخير مصدر إنتقاد و شبهة و مادة دسمة لأعداء الإسلام لإتهامه بالعنصرية و رفض التعايش مع الآخرين و رغم أن بقية الأديان كالمسيحية التي حصرت فكرة الخلاص و الدخول إلى الجنة في الإيمان بصلب و فداء المسيح و اليهودية التي جعلت إعتناق اليهودية من شروط دخول الجنة
وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (111)  سورة البقرة
فإن تصرفات بعض المحسوبين على الإسلام بتكفيرهم و إستباحتهم لدماء الغير المسلمين في جميع بقاع الأرض جعل التركيز ينصب كليا على الإسلام من دون البقية
فقبل إتهام الآخرين بالكفر يجب إدراك معنى كلمة الكفر في لغة القرآن و التي تشير بصفة عامة إلى الإنكار كما سبق التوضيح في موضوع
و في مفهومها العقائدي إلى إنكار وجود الخالق أو إنكار رسالة أحد رسله أو بعض ما جاء فيها في حالة إقامة الحجة البينة و بالتالي فلا يمكن إتهام من لم تصله الرسالة المحمدية في أصح صورها و أدق تفاصيلها بالكفر ببساطة لا يمكن الكفر بشيء لا وجود له
و حتى إن كانت نصوص القرآن توحي بكفر جميع من رفض رسالة محمد و من قبله من الأنبياء فيجب الأخذ بعين الإعتبار أن هؤلاء أقيمت عليهم الحجة و شهدوا الآيات و المعجزات و عرفوا أن هؤلاء الرسل جاؤوا بالحق من ربهم
كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (86)  سورة آل عمران 
وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (89)  سورة البقرة
الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (146)  سورة البقرة
 فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (13) وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14)  سورة النمل
فلا يمكننا أن نصف حاليا بالكفر شخص فتح عينيه على خزعبلات ما يسمى بالكتاب المقدس التي ترفضها الفطرة السليمة و المنطق ثم ندعي أنه كفر برسالة موسى و عيسى بن مريم ؟ و عندما يسمع عن الإسلام يصطدم أولا بسلوك المنتسبين إليه بالإسم فقط قبل أن يصطدم بكوارث الحديث و بقرآن محرف المعاني مفسر على مقاس أهواء البشر فلنكن منصفين و منطقيين هل من العدل وصف مثل هؤلاء بالكفار ؟
و لأن القرآن تبيان لكل شيء و لم يترك صغيرة و لا كبيرة إلا و بينها فإننا سنجد الوصف الدقيق لحالة مثل هؤلاء الذين وصفوا بالغافلين 
مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (15)  سورة الإسراء
 لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (6)  سورة يس
و الذين لم يجدوا من سبيل لإدراك الحقيقية كحال الرسول محمد قبل بعثته
نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (3)  سورة يوسف
 و يبقى السؤال المطروح هنا ماذا لو لم ينزل الوحي على هذا الأخير هل كان سيدخل النار ؟
الجواب في الآيات التالية التي تصف تعذيب الله لهؤلاء الغافلين بالظلم 
 ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ (131)  سورة الأنعام
و تؤكد مغفرته لمن لم يجد سبيلا للإقامة دين الله
إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (97) إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا (98)  سورة النساء
 فلا يمكن وصف الآخرين بالكفر دون أن نقدم لهم ما يكفروا به و رسالة تليق بخالق السماوات و الأرض غير ذلك لا يمكن لومهم على الكفر بالباطل 
لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256)  سورة البقرة
ففي زمن الرسول تبين الرشد من الغي فهل نستطيع قول هذا على زمننا الحالي الذي إختلط فيه الرشد بالغي و أصبح الرشد كفرا و الغي حقا و الإكراه في الدين فضيلة ؟
و من سخرية الأقدار أن نفس هؤلاء الذين يقومون بتكفير الغافلين من الناس و إستباحة دمائهم هم الكفار الحقيقيين سواء من الناحية السلوكية بإعتدائهم على الناس بإسم الدين مخالفين بذلك صريح القرآن الذي ندد بذلك في أكثر من مناسبة
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (94)  سورة النساء
و جعل من القتال وسيلة لرد إعتداء المعتدين
وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190)  سورة البقرة
 وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (193)  سورة البقرة
و ليس غاية لنشر دين الله الذي الذي إختصه بالدعوة السلمية و الموعظة الحسنة
 ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125)  سورة النحل
و حتى من الناحية العقائدية حيث يتجلى كفرهم من خلال حكمهم بما لم يتنزل به الله تعالى من أحكام
إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44)  سورة المائدة
و حتى إن إختصت هذه الآية من لم يحكم بالتوارة فيبقى حكمها ساري المفعول بالنسبة لكن من لم يحكم بكتب الله السماوية كالإنجيل
 ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125)  سورة النحل
أو القرآن و الذي تبقى أحد أهم أسسه عدم النيابة عن الله في محاسبة و تكفير الناس 
 ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125)  سورة النحل
فدور المسلم يقتصر على الدعوة السلمية لدين ربه بلغة الحجة و البرهان و البقية على رب العالمين الذي يعمل باطن النفوس

تعليقات