أخطاء التشكيل في المصاحف الحالية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ


لا شك أن مشوار البحث عن الحقيقة هو أصعب طريق يمكن للإنسان أن يسلكه لما يحمل في طياته من حقائق صادمة لا تتمشى مع أهواء الناس لذلك نجد العديد منهم يختبئ وراء حجاب العاطفة بتصديق ما لا يقبله عقل ولا منطق كمقولة أن في الإختلاف رحمة 
نعم هذه هي حجة أصحاب المذاهب لتبرير الإختلاف الموجود في المصاحف الحالية ضاربين بعرض الحائط معيار الله الحقيقي في دينه الأوحد الذي يعتبر الإختلاف نقمة وليس نعمة ودليل على مزج كلام البشر مع كلام الله
أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82) سورة النساء
والذي أنزل كتابه الخاتم من أجل إنهائه
وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (64) سورة النحل
إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (76) سورة النمل
لكن هذا ما يحدث عن عندما يتم إختراع معايير من وحي الخيال لتصبح بعد ذلك حجة على القرآن والإسلام كالزعم بإستحالة تحريف نصوص القرآن إدعاء لا محل له من الإعراب خصوصا إذا أدركنا أن المعنى الحقيقي للتحريف في لغة القرآن هو تغيير معاني الكلمات وليس تغيير كلام الله نفسه وهو ما يتجلى بوضوح في نصوص القرآن
يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ (41) وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (43)  سورة المائدة
التي دعت محرفي كلمات التوراة إلى الحكم بهذه الأخيرة مما يؤكد أن المشكلة كانت في المعنى وليس في النص
وبطبيعة الحال من يدعي أن القرآن غير محرف المعاني فإنه يخدع نفسه ويغمض عينيه على الكم الهائل من الكلمات التي نجد لكل واحدة منها عشرات التفاسير المختلفة والمتضاربة في ما بينها وليت الأمر يتوقف عند معاني الكلمات بل سنجد في المصاحف الحالية العديد من الإختلافات في ألفاظ الكلمات من جراء إضافة  التشكيل والتنقيط على النص الأصلي للقرآن
والذي يمكن إعتباره بمثابتة ترجمة طفيفة خلفت لنا كحال جميع الترجمات بعض الإختلافات في اللفظ وفي بعض الأحيان حتى في المعنى وهذه بعض الأمثلة
سورة ال عمران 
رواية حفص : {146} وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ
رواية قالون : {146} وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِئ قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ
سورة الزخرف
رواية حفص : {19} وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ
رواية قالون : {18} وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أشْهِدُوا خَلْقَهُمْ
رواية ورش : {18} وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِنْدَ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ
سورة البقرة 184
رواية حفص : {184} وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ
رواية قالون : {184} وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينٍ فَمَنْ يَّطََّوَّعْ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ
سورة البقرة 285
رواية حفص : {285} كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ
رواية قالون : {285} آكُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكِتَابِهِ وَرُسُلِهِ
فلا أدري أين وجه الرحمة عندما يحتار المسلم في أمره هل يطعم مسكين واحد أم عدة مساكين وهل يؤمن بكتاب واحد أم بعدة كتب ؟ بطبيعة الحال عندما تظهر للعيان إمكانية خطأ النساخ الأوائل عند تشكيلهم وتنقيطهم للنص الأصلي للقرآن فإن ذلك يفتح باب الإحتمال لوجود أخطاء مشتركة بين جميع النسخ تعود لأول نسخة مشكولة وهو ما يتجلى بوضوح في العديد من النصوص وهذه بعض الأمثلة الواضحة
وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا (19) عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌا (21) سورة الإنسان
عَالِيَهُمْ أم عَلَيْهِمْ 
 فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (16) أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (17) سورة الشعراء
رَسُولُ أم رَسُولَا
و الغريب أننا سنجد التأكيد على هذا الخطأ في نص آخر
فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ (47) سورة طه
و ستتجلى أهمية تكرار القصص القرآنية في إبراز مثل هذه الأخطاء في قصة آدم
 فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى (120)  سورة طه
التي تخبرنا أن إبليس وعد آدم بالإضافة للخلد بالملك وليس أن يصبح هو و زوجه مَلَكَيْنِ كما جاء في سياق آخر
فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20) سورة الأعراف
الذي أخطأ النساخ في تشكيل لفظها الأصلي مَلِكَيْنِ وسنجد تكرار لنفس الخطأ في قصة هاروت وماروت
وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ (102) سورة البقرة 
التي إختصت بالذكر ورثة سليمان في ملك بني إسرائيل هاروت وماروت أسماء على وزن ملوك نفس الحقبة كطالوت وجالوت قبل أن يجعل منهما خطأ بسيط في التشكيل ملائكة ساقطة من السماء حيكت حولهم العديد من الأساطير والخرافات مع العلم أن الملائكة هي من تتنزل بالوحي وليس العكس
 تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4)  سورة القدر 
شأنها شأن الشياطين 
هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) سورة الشعراء
التي كانت تتنزل بالوحي الشيطاني على المَلِكَيْنِ هاروت وماروت
و تبقى هذه مجرد أمثلة من بين العديد مما يفتح مجال النقد والتشكيك في القرآن على مصراعيه خصوصا في زمننا الحالي بما يتيحه من وسائل إتصال حيث أصبح من شبه المستحيل إخفاء مثل هذه الأشياء عن عامة الناس ومع ذلك يصر شيوخ المذاهب على دس رؤوسهم في التراب والإستمرار في الضحك على ذقون الناس بأقوال أكل عليها الدهر وشرب فحان الوقت للتصحيح جميع أخطاء النساخ والتوحد على قراءة وحيدة وثابتة
فمشكلة هؤلاء هو عدم ثقتهم في كتاب الله وفي قوله تعالى 
إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)  سورة الحجر
ويظنون أن إعترافهم بتحريف المصاحف الحالية سيكون بمثابة تكذيب لوعد الرحمن الذي تعهد بحفظ الذكر أي جوهر الوحي وليس الكتاب الذي يبقى مجرد تجسيد للوحي
قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ (45) سورة الأنبياء
 والذي بقي محفوظا رغم الأخطاء التي حدثت في الكتاب والتي يكشفها سياق القرآن نفسه والمتشابه من نصوصه وهنا تكمن معجزة حفظ الذكر الحقيقية الذي لا يقتصر على القرآن فقط بل على جميع الرسالات السماوية السابقة التي بقيت حاضرة في نصوص القرآن بجل قصصها وأحكامها التي لم تبدل
وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (196) سورة الشعراء
إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى (19) سورة الأعلى
فالناس تخلط بين تحريف القول الذي يمكن تصحيحه وبين الفقدان الكلي للنصوص مثل ما هو الشأن مع الأناجيل المسيحية والنصوص اليهودية حيث يشمل الإختلاف حتى الجمل والكلمات وفي بعض الأحيان حتى عدد الصفحات 
فالإيمان الحقيقي يكمن في الصدق مع النفس والتسليم بحفظ الذكر قولا وفعلا و ليس في التستر على أخطاء أصنام بشرية لا تسمن ولا تغني من جوع