مفهوم الرجم الحقيقي في القرآن

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ


من أكبر المشاكل التي تسبب فيها علماء السلف إن صح وصفهم كذلك تغيير معاني العديد من الكلمات القرآنية مما أعطى مجموعة مفاهيم مغلوطة و مختلفة عن حقيقة النصوص نسبت للقرآن عدة أكاذيب و إفتراءات و تسببت في شبهات هو في غنى عنها
و من بين هذه المفاهيم المغلوطة تفسير الرجم في كتاب الله على أنه الرمي بالحجارة و هو في حقيقة الأمر تفسير بدائي متخلف لا نجد فيه أدنى مراعاة لحقيقة النصوص فقط محاولة لفرض فكرة معينة عن طريق لي نصوص القرآن و يوضح بالملموس مستوى و عقلية من نصبوا أنفسهم حراس و حفظة لكلام الله و رسالة نبيه الخاتم
و لكن عند العودة للنصوص القرآنية و محاولة فهمها بدون أية فكرة مسبقة لا نجد أي صلة بين مفهوم الرجم و الرمي بالحجارة بل سنصطدم بالعكس
و كمثال عندما أنكر النبي إبراهيم آلهة قومه فقام أبوه آزر بتهديده بالرجم و الذي لو إعتمدنا على تعريفه في قاموس السلف فسيعد ذلك تهديد بتنفيذ عقوبة الرمي بالحجارة التي تؤدي حتما إلى الموت
 قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (46)  سورة مريم
لكن كيف يعقل أن يقوم بتهديده بالطرد بعد تنفيذ حكم الرجم الذي سيؤدي حتما إلى الموت ؟
 لكن المفاجئة أن بعد إصرار إبراهيم على أفكاره و إستمراره في طعنه لآلهة قومه لم يعاقب بالرمي بالحجارة بل بالحرق
قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (68) قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69)  سورة الأنبياء 
مما يؤكد أن العقوبة التي كانت متداولة لديهم في حالة الكفر بالآلهة هي الحرق و ليس الرمي بالحجارة مما ينفي مفهوم الرجم السلفي
و الملاحظ أيضا أن الرجم جاء دائما مرتبطا بالإخراج و الإبعاد و كمثال عندما ربط آزر رجم إبنه إبراهيم بإخراجه  نفس هذا الإرتباط بين الطرد و الإخراج و الرجم سنجده متكررا في العديد من الحالات أولها طرد و رجم إبليس
قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (77)  سورة ص
 قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (13)  سورة الأعراف
قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (18)  سورة الأعراف
نفس الملاحظة في خطاب كفار مدين مع شعيب 
قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ (91)  سورة هود
حيث جاء الرجم هنا كوصف للطرد و الإخراج و ليس للرمي بالحجارة 
قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ (88)  سورة الأعراف
مما يوحي أن مفهوم الرجم هو الإستصغار و الإحتقار الذي يأتي غالبا مصاحبا للإخراج و الطرد 
ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ (37)  سورة النمل
و سنجد نفس هذا المعنى تقريبا في هذا النص
سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا (22)  سورة الكهف
حين وصف القول بغير علم برجم الغيب بمعنى الإستهتار بالحقيقة الغيبية
صحيح أن معنى الإستهتار يخالف الإحتقار في لغتنا الحالية لكن ليس بالضرورة في لسان قوم الرسول الذي نزل به القرآن فالإستهتار يبقى نوع من نوع الإحتقار و قد يجتمعان في نفس المصطلح
و هذا ما يتبين في قصة موسى 
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (46) فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِآيَاتِنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ (47) وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (48) وَقَالُوا يَا أَيُّهَ السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ (49) فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ (50) وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ (51) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ (52)  سورة الزخرف
وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ (17) أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (18) وَأَنْ لَا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (19) وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ (20)  سورة الدخان
حيث إستعاذ موسى بالله من فرعون و ملئه أن يرجموه أي أن يحتقروه و يستصغروه و ليس أن يرموه بالحجارة و هنا يتبادر للدهن سؤال مهم هل كان فرعون يعاقب مخالفيه برميهم بالحجارة أم كان يعاقبهم بالصلب ؟
قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى (71)  سورة طه
فمن خلال القصص القرآني لا نجد أية إشارة و لو صغيرة إلى كون الرجم عقوبة أو عذاب جسدي بل نجد التأكيد على أنه عقاب نفسي و نوع من الإستصغار و الإحتقار و مرة أخرى يتبين مدى بعد مؤسسي المذاهب التام عن عن تدبر بينات القرآن و أن هدفهم الأساسي كان فرض شرائعهم و معتقداتهم عليه 

تعليقات

إرسال تعليق