هل كانت التوراة والإنجيل محرفة في زمن الرسول محمد ؟

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ


أوهمنا تراث و تاريخ المذاهب ببعثة الرسول محمد في مجتمع مظلم ضاعت فيه جل الكتب السماوية السابقة و ضل فيه جل أتباعها فكرة صممت على مقاس حقبة زمنية معينة لتجعل من الرسول محمد و أتباعه العرب المزعومين آخر منقد للبشرية
لكن هل بالفعل كانت الكتب السماوية مثل التوراة و الإنجيل ضائعة زمن نزول القرآن ؟ و إذا كانت كذلك فكيف يكون القرآن مصدقا لكتب مصدر جزء كبير منها بشري ؟ و حتى لا يعتقد البعض أن التصديق يخص ما سبق من كتب فإن وصف ما بين أيديكم 
نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (3) سورة آل عمران
 وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ (48) سورة المائدة
و ما معكم 
وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ (41) سورة البقرة
قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ (91)  سورة البقرة
يؤكدان بما لا يدع مجالا للشك أن التصديق يخص كتبا كانت حاضرة زمن تنزيل هذه النصوص
و على النقيض من ذلك سنجد أن القرآن جاء مكذبا لكل نص من وحي شياطين الإنس و الجن
فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79)  سورة البقرة
فهل يعقل أن يكون القرآن مصدقا لما يطلقون عليه حاليا بالكتاب المقدس بعهديه القديم و الجديد و ما يحمل في طياته من كوارث و آثام ! بطبيعة الحال لا هل سيصدق القرآن بأقوال الشياطين و ما تحلمه من فواحش كالزنا و القتل و السكر التي نسبت لأنبياء الله الطاهرين إفتراء عليهم ؟ هل سيصدق القرآن بكتب كلها خرافات و أخطاء علمية ؟ 
فتصديق القرآن لما بين يديه من الكتاب في زمن البعثة المحمدية لا يمكن أن يكون إلا لكتب خالية كليا من أقوال البشر كتب تحمل في طياتها نفس هدى القرآن
شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ (185) سورة البقرة
نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (3) مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ (4)  سورة آل عمران
فجل النصوص القرآنية تؤكد أن التوراة و الإنجيل كانتا محفوظتين و صحيحتين في عصر الرسول و هذه أمثلة واضحة وضح الشمس
كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (93) سورة آل عمران
وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47) سورة المائدة
قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ (68) سورة المائدة
نصوص صريحة تعلن صحة التوارة و الإنجيل زمن تنزيل القرآن و ألوهية أحكامها التي أمر القرآن أهل الكتاب بالعمل بها و بطبيعة الحال يستحيل أن يأمر الله تعالى بتحكيم ما لبس بالباطل و بكتاب شرع عقوبة الإعدام لأتفه الأسباب
سفر اللاويين إصحاح 20
27 «وَاذَا كَانَ فِي رَجُلٍ اوِ امْرَاةٍ جَانٌّ اوْ تَابِعَةٌ فَانَّهُ يُقْتَلُ. بِالْحِجَارَةِ يَرْجُمُونَهُ. دَمُهُ عَلَيْهِ». 
حقيقة تعززها عدة دلائل قرآنية تؤكد التقارب الشديد بين نصوص القرآن و نصوص التوراة و الإنجيل في زمن البعثة المحمدية و من أبرزها النبوءات المبشرة بنبوءة محمد التي كانت واضحة وضوح الشمس زمن التنزيل و التي لم يعد لها حس و لا أثر حاليا في ما يسمى بالكتاب المقدس و مهما حاول أصحاب المذاهب إقناع الناس بالعكس فتبقى نصوص مبهمة و غير واضحة فهل عندما يقرأ اليهودي أو المسيحي القرآن حاليا سيعرف محمد كمعرفته لأبنائه ؟
الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (146) سورة البقرة
فهل هناك حاليا في ما يسمى بالكتاب المقدس نص صريح يخبر بقدوم نبي أمي في المستقبل ؟
الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ (157) سورة الأعراف
بطبيعة الحال لا 
فالتوراة و الإنجيل اللذان يعتبران من الذكر أيضا 
وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43) سورة النحل
ظلا محفوظين مصداقا لقوله تعالى
إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)  سورة الحجر
حتى زمن نزول القرآن الذي مكملا و مؤكدا لأحكامهما
وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ (48)  سورة المائدة
فالقرآن نزل في حقبة كانت فيها الذين هادوا و النصارى قريبين من شريعة القرآن يصلون كما جاء في القرآن يقيمون الليل كما جاء في القرآن
وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ (130) سورة طه
لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113)  سورة آل عمران
و يؤتون الزكاة كما أمر القرآن
لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ (162) سورة النساء
و يصومون مثلما يصوم المؤمنون
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) سورة البقرة
و كانوا يعتمدون نفس التقويم بأشهره الحرم الأربعة التي كان يحاول بعضهم التلاعب بموعدها 
إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ (37) سورة التوبة
و خلافا لما حاول التراث إقناعنا به أن المعنيين هنا هم المشركين الوثنيين فالآية بالفعل تتحدث عن المشركين من الذين أوتوا الكتاب كما يتبين في نفس السياق
قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ (29) سورة التوبة
فكتب و طقوس و عبادات اليهود و المسيحيين في زمن نزول القرآن كانت قريبة لشريعة القرآن و لا تمت بصلة لشرائع اليهودية و المسيحية الحالية
 فمشكلة الكتب السماوية في عهد الرسول هي نفس مشكلة الناس مع القرآن حاليا حيث تم التلاعب بمعاني الكلمات و الجمل و ليس بالنصوص 
وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (41) سورة المائدة
حيث كانوا يفسرون الكلمات بطريقة مختلفة عن معناها الحقيقي في النصوص التي بقيت محفوظة بما تحمله في طياتها من أحكام الله المنزلة
وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (43) سورة المائدة
فنفس هؤلاء الذين يحرفون الكلم من بعد مواضعه أي يحرفون معانيه من بعد وضعها في الكتاب على وجهها الصحيح هم من دعاهم الله تعالى للرجوع لنصوص توراتهم للحكم بها في إشارة واضحة لصحتها شأنهم في ذلك شأن أصحاب المذاهب المنتسبة للإسلام الذين يفضلون الحكم بتفاسيرهم المبنية على الأهواء على صريح احكام القرآن  
و الطريف في الأمر أن أصحاب المذاهب قاموا بتفسير نفس النص الذي يشير لتحريف أسلافهم للكلم من بعد مواضعه بنفس طريقتهم أي بتحريف الكلم من بعد مواضعه و قلب معانيه
تفسير الجلالين
{ ومن الذين هادوا } قوم { سماعون للكذب } الذي افترته أحبارهم سماع قبول{ سماعون } منك { لقوم } لأجل قوم { آخرين } من اليهود { لم يأتوك } وهم أهل خيبر زنى فيهمم محصنان فكرهوا رجمهما فبعثوا قريظة ليسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن حكمهما { يحرفون الكلم } الذي في التوراة كآية الرجم { من بعد مواضعه } التي وضعه الله عليها أي يبدِّلونه { يقولون } لمن أرسلوهم { إن أُوتيتم هذا } الحكم المحرف أي الجلد الذي أفتاكم به محمد { فخذوه } فاقبلوه { وإن لم تؤتوه } بل أفتاكم بخلافه { فاحذروا } أن تقبلوه
فلا حول و لا قوة إلا بالله أصبح حكم الله بجلد الزناة الواضح في القرآن بنص صريح 
الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ (2) سورة النور
هو التحريف و أصبح الرجم الذي لم يذكره إطلاقا في كتابه و الذي لا يوجد دليل على تشريعه في التوراة الأصلية هو الحق !
فصحة التوراة و الإنجيل في عهد الرسول محمد شيء واضح و أكيد لكن يبقى السؤال هل كانت هناك كتب أخرى منسوبة للخالق تحتوي على نصوص بشرية مثل عصرنا الحالي ؟
بالتأكيد فشياطين الجن و الإنس كانت دائما حريصة على لبس الحق بالباطل لتضليل الناس عن كتب ربهم
فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79)  سورة البقرة
فسواء تعلق الأمر بالكتب المنسوبة للتوراة و الانجيل أو التلمود اليهودي أو ما يسمى بكتب الصحاح عند أصحاب المذاهب فالنتيجة واحدة سخط و غضب إلهي إلى يوم يبعثون
و مرة أخرى يتجلى الشرخ الكبير بين الموروث الديني و واقع النصوص القرآنية التي تعود بنا لفترة مجهولة تاريخيا