هل أشار القرآن بالفعل إلى ضرب الشياطين بالنيازك ؟

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ



تعد شبهة رجم الشياطين بالشهب من أكبر الشبه التي تواجه كتاب الله عز و جل في عصرنا الحالي إن لم تكن أخطرها على الإطلاق و ذلك ناتج عن التفسير والفهم المغلوط لمفسري التراث المذهبي كالعادة الذي جاء معبرا عن منطقهم ونظرتهم البدائية للسماء و الكون حيث كانوا يعتقدون أن الشهب هي النيازك التي هي في حقيقة الأمر مجرد أجسام صخرية في غالب الوقت تحترق بعد إحتكاكها مع الهواء عند دخولها للغلاف الجوي للأرض
و أن هذه الشهب في نفس الوقت هي نجوم ساقطة من السماء و طبعا لو إعتمدنا على مثل هذه التفاسير المقدسة التي إن قمت بالتشكيك فيها أو إنتقدت أصحابها فإن البعض سيعتبرك مرتدا عن الملة فيمكن القول أن على كتاب الله و دينه السلام
لكن لو أخذنا الأمور بحيادية و حاولنا فهم النصوص إنطلاقا من لسان القرآن و حقائقه كما جاءت و منطق الحقبة التي نزل فيها القرآن فإن الأمور ستبدوا مغايرة تماما
أكبر خطأ يرتكبه أصحاب هذه الشبهة هو محاسبة نصوص القرآن بالمصطلحات اللغوية المعاصرة عوض محاولة فهم نصوصه إنطلاق من منطق من نزلت عليهم النصوص فليس لأن العلم الحديث حصر مصطلح النجم على الشموس فإنه بالضرورة نفس مفهومه في عصر النبي محمد فالأقرب للواقع أن النجوم كان وصف ينطبق على كل جرم مضيء في السماء بغض النظر أكان كوكبا أو شمسا بعيدة أو مذنبا أو نيزكا فهم لم يكونوا يعرفون أصلا الفرق بينها و يظنون أنها مجرد مصابيح تنير السماء
وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ (5)  سورة الملك
فمن السخافة الإعتقاد أنهم كانوا يحصرون مفهوم النجم في الشموس و يتجلى ذلك بوضوح في تسمية النيزك الذي يهوى من السماء أي يسقط منها 
حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (31)  سورة الحج
بالنجم في سورة النجم
وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1)  سورة النجم
إذن فشبهة أن الله يرجم الشياطين بالشموس و أن هذه الأخيرة هي التي تتحول إلى نيازك شبهة ساقطة من الأساس و غير منطقية 
والمشكلة أن واضعي هذه الشبهة لم يستطيعوا التمييز بين رجم الشياطين بالنجوم قبل إستماعهم لأخبار الملأ الأعلى و قذفهم بالشهب بعد الإستماع 
إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6) وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (7) لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (8) دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ (9) إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ (10)  سورة الصافات
فهناك عملية أولى يحاولون من خلالها الإستماع إلى الملأ الأعلى فيقذفون حينها من كل جانب ثم مرحلة ثانية يرسل أثنائها على كل من إسترق السمع شهاب ثاقب عند إقترابه من لأرض لو أخذنا الأمور بنفس المعنى الذي ذهبوا ليه إذا فالرجم الذي يتحدثون عنه و الذي نسبوه للشموس لا علاقة له بالشهب الثاقبة التي نسبوها للنيازك  بل هو رجم يقع في الفضاء الخارجي حيث ذهب بعض المجتهدين إلى أن عبارة يقذفون من كل جانب تشير إلى قذف الشموس لشهب من النار تصيب هؤلاء الشياطين و يبقى هذا التفسير بعيدا عن الواقع العلمي كذلك
لكن لو نسينا مفهوم الرجم اللغوي المعاصر المتوارث عن تفسير خاطئ لمفهوم الرجم الحقيقي في لسان القرآن و الذي يشير إلى الإحتقار و الإستصغار المتمثل في الطرد و الإبعاد في العديد من الحالات كما سبق التوضيح في موضوع
مفهوم الرجم الحقيقي في القرآن
فإن مفهوم رجم الشياطين يتغير رأسا على عقب و يصبح فيه إشارة إلى طرد و إبعاد الشيطان من مكان ما في السماء و بالضبط من مقاعد السمع 
وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا (9)  سورة الجن
لأنه كما سبق التوضيح في موضوع
من هم الجن
فهذه الشياطين من الجن هي باقيا فئة من الملائكة كان يسمح لها بالإستماع للملأ الأعلى في أماكن معينة في السماء قبل أن تمنع عليهم بعد إن إنتهى دورهم كملائكة قائمة على كوكب الأرض عند خلافة الإنسان لهم
لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (8)  سورة الصافات
 فما هي هذه المقاعد يا ترى ؟ سبق أن تطرقت في موضوع 
النسبية في القرآن
إلى أن القرآن يصف السماء بنسبية إنطلاقا من رؤية و منطق من يعيش فوق الأرض و أن الكواكب أو بالأحرى الأراضي الأخرى تعتبر سماء بالنسبة إلينا و هذا يتجلى بوضوح في الآية 
وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ (29)  سورة الشورى
التي ذكرت وجود دواب في السماوات و بالتالي وجود أراضي أو بالأحرى كواكب بالمصطلح الحديث في سماوات أرضنا الحالية
فقد تكون هذه المقاعد السماوية في حقيقة الأمر مجرد كواكب أو أنظمة شمسية معينة أو أجرام  تبدو لنا لنا كنجوم و أجسام مضيئة إنطلاق من عين المشاهد من  سماء الأرض حيث  ينطبق عليه وصف المصابيح
كانت تتلقى فيها ملائكة الجن التعليمات من ملائكة أعلى منها مرتبة و بعدما منعوا لاحقا أصبح الشياطين العصاة منهم عند محاولاتهم الدخول إليها للإستماع يصطدمون بحرس من الملائكة يمنعونهم عن طريق قذفهم بالشهب
وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (8)  سورة الجن
لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (8)  سورة الصافات
 و هنا يجب إدراك المعنى الحقيقي للشهاب في لسان القرآن الذي يشير إلى الجسم المشتعل بالنار 
إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7)  سورة النمل
بإعتراف مفسري السلف أنفسهم
تفسير الجلالين
{ أو آتيكم بشهاب قبس } بالإضافة للبيان أي شعلة نار في رأس فتيلة أو عود
مما ينفي حصر تفسير الشهب في النيازك فنعم هذه الأخيرة تعتبر شهبا لكن ليس بالضرورة أنها نفس الشهب التي ترمي بها الملائكة الشياطين لأننا لو تدبرنا جيدا هذا النص
يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ (33) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (34) يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ (35)  سورة الرحمن 
سنجد التفسير الحقيقي للشهب التي ترمي بها الملائكة المكونة من شواظ من نار و نحاس حيث سنجد في نفس النص تأكيد على أن هذه المعارك و هذا القذف يكون في مكان ما في الفضاء و ليس في سماء الأرض و أن بلوغ الإنس و الجن لها يكون عن طريق سلطان أي وسيلة و هذه إشارة واضحة أولا إلى إستعمال وسائل التنقل كالمركبات الفضائية للوصول إلى هذه الأماكن ثانيا إلى إستطاعة الإنسان أيضا الوصول إلى نفس هذه الأماكن و إستراق السمع لكنه لن يعود منها حيا
فهذه الشهب في حقيقة الأمر وسائل حربية دفاعية تستعملها الملائكة لتدمير كل من يقترب من مقاعد السمع و نفس هذه الشهب ترسل على من إستطاع سرقة أحد أخبار الملأ الأعلى و منعه من الفرار و لا علاقة للأمر بالنيازك و لا بسماء كوكب الأرض
و هنا تتضح الأمور جيدا فهذه المقاعد التي هي في حقيقة الأمر نجوم ومصابيح بالنسبة لمن يعيش فوق الأرض حسب المنطق القرآني تعتبر رجوما لكل من يحاول الدخول إليها لإستراق السمع حيث سيطرد مهزوما مهانا
يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ (35)  سورة الرحمن 
 لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (8) دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ (9) سورة الصافات
و طبعا من سيستطيع ذلك سيتبعه شهاب النار و النحاس ليهلكه
إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ (10)  سورة الصافات
فهذا وصف لمنظومة حماية هذه المقاعد السماوية الذي قد يأتي يوما يطلع عليه الإنسان إن شاء الله
و ليس كما يظن البعض أن الجن و الإنس سيحاولون الذهاب و تحدي الله في أقصى السماوات حيث توجد الجنة و النار
و تبقى هذه نظرة معاصرة لتفسير رجم النجوم و التي لا تتعارض لا مع العلم لا مع نصوص القرآن  قد تـتطور أكثر و تصبح اكثر دقة مع تطور العلم الشيء الأكيد أنها تحترم المعاني الحقيقية للنصوص القرآنية و ترمي بشبهة قذف الشياطين بالنيازك إلى مزبلة التاريخ

تعليقات

  1. جميل جدا. شكرا لك. حقيقة معنى كوكب يجب تحريها كذلك الرجم، و بدقة أفضل. و هناك من الرقاة الشرعيين من استجوب الجن وأكد حقيقة الشهب و مقتل بعضهم بها . بوركت. و الله أعلم.

    ردحذف
    الردود
    1. لا شكر على واجب أخي الفاضل
      لا أعتقد صراحة أن هناك مجالا للشك في دلالة مصلح الكواكب على الأجرام المضية في السماء
      إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6) سورة الصافات
      بجانب الشمس والقمر
      إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ (4) سورة يوسف
      فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا...فَلَمَّا أَفَلَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا...فَلَمَّا أَفَلَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً...فَلَمَّا أَفَلَتْ (78) سورة الأَنعام
      و مع احترامي الشديد لرأيك فلا يمكننا التسليم بأقوال الرقاة التي تدخل في إطار الأقوال البشرية القابلة للخطأ والكذب والاعتماد عليها في تحديد المفاهيم القرآنية وبالأخص عندما تتعارض مع صريح القرآن
      تحية طيبة

      حذف
  2. تحية طيبة أخي الكريم
    لدي سؤال حول ماذا يعني مفهوم السماء الدنيا.. وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ (5) سورة الملك والتي ذكرت في سور أخرى كذلك ؟

    ردحذف

إرسال تعليق